للحد من تصاعد الاجرام مطلوب تغليظ العقوبات الرادعة وتنفيذ احكام الاعدام
كتب ساطع الزغول
على غير العادة، وخلافاً للمألوف هزت المجتمع الاردني في الآونة الاخيرة حملة من جرائم القتل الخارجة عن العادات والتقاليد حبث كان الجناة والضحايا فيها من الاقارب الادنين والابعدين على حد سواء.
هذه الجرائم المرتكبة خلافاً للعقائد والعادات والتقاليد والنواميس تؤشر على ان العنف بدأ يدخل مناطق حساسة، ويأخذ ابعاداً جديدة، لانه بات يجري بين الاهل والاقارب من مختلف الدرجات – الاصول على الفروع، والفروع على الاصول، وابناء العمومة والخؤولة والانسباء – وصولاً الى الذين يرتبطون بعلاقات حميمة ذكوراً واناثاً، ما يعني ان الروابط الاسرية والعائلية آخذة في التفكك، وان العواطف تحث خطاها نحو التبلد وربما التوحش.
في هذا السياق، لا مناص من الاعتراف بأن هذا النوع من القتل والعنف كان موجوداً منذ القدم في الاردن والمنطقة العربية، ولكنه – بين ظهرانينا آنذاك – كان غريباً وشاذاً واستثنائياً، وبالتالي فإن التطورات التي طرأت مؤخراً، هي اللافتة للنظر والباعثة على القلق والتي تتطلب معالجة من كافة نواحيها، وعلى عدة صعد، بعد ان اصبحت الجريمة ترتكب لأسباب تافهة لم تكن في السابق تؤدي الى اكثر من شجار تستخدم فيه الايدي والعصي والحجارة فقط، وفقا لما يقوله العميد عودة الخوالدة مدير المختبر الجنائي في مديرية الامن العام.
العميد الخوالدة لفت في تصريحات صحفية الى ان السنوات الاخيرة تميزت بسهولة ارتكاب الجرائم بشكل عام لأتفه الاسباب، حيث تؤدي المشاجرات التي تقع بين الناس لأسباب بسيطة، الى جرائم قتل تستخدم فيها الاسلحة النارية والبيضاء؛ مؤكداً ان هذا الوضع الجرمي لم يكن موجوداً بالشكل الذي هو عليه راهناً، لوجود روادع وضوابط وحسابات تجعل اي ”هوشة” شيئاً عابراً، سواء انتهت بالتصالح او حكمها التدابر والتنافر، داعياً الى تضافر الجهود علمياً واكاديمياً لايلاء ظاهرة استخدام السلاح لازهاق الارواح اهتماماً كافياً يقوم على المناقشة والبحث والدراسة، وصولاً الى اكتشاف مواقع الخلل، ومن ثم الى ايجاد حلول مناسبة، ابرزها وضع عقوبات رادعة تجعل من يفكر باشهار سلاحه لقتل انسان بريء يفكر الف مرة قبل الاقدام على ارتكاب هذا الجرم الشنيع.
البعض يعزو اسباب الجريمة عموماً، وبين الاقرباء بشكل خاص الى الوضع النفسي الناجم عن تردي الاوضاع الاقتصادية، والتي تنعكس بطبيعة الحال على الحالة النفسية، وكذلك تفكك المجتمع، وعدم وجود ضوابط، وعدم التركيز على القواعد والاليات التي كانت هي اساس التكافل والترابط بين الأسر، وبين مختلف فئات الناس أيضاً.
وفيما يعزوها كثير من المراقبين والخبراء الى ازدياد معدلات الفقر والبطالة، والتي ما تسمى زوراً وتدليساً ثورات الربيع العربي، والى احداث داعش الاجرامية التي جعلت من مرأى الدم وقطع الرؤوس امراً سهلاً، والاشرطة المصورة والتقارير الاخبارية والتحليلية التي تبثها محطات التلفزة الفضائية، واليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت، يرى غيرها انها ترجع في الاساس الى نزعة عدوانية كامنة في نفسيات الجناة منذ طفولتهم تكون قد نمتها في نفوسهم اختلالات علائقية عائلية يكون لقطبي الاسرة فيها – الاب والام – الدور الاساسي.
وفي هذا السياق تقول الدراسات ان النزعة الى العدوان تنشأ نتيجة لشعور الشخص بأنه مهدد من قبل شخص آخر، او ان كرامته او مكانته قد مسّت، او عندما يواجه الانسان تهديداً لقيمه الاخلاقية او مبادئه السلوكية، مشيرة الى ان الانسان اذا تمكن من كظم الغيظ وهو تحت ضغط هذه الاسباب فإن هذا لا يعني ان النزعة العدوانية التي تولدت لديه قد تلاشت، بل تبقى موجودة لكنها تتراجع وتنزوي.
الاستشاريون الاجتماعيون بدورهم يؤكدون ان النزعة العدوانية لدى الطفل تنمو نتيجة سريان الغضب لديه والذي يرتبط اصلاً بالميل الى العناد، كما تنمو نتيجة لعدم فهم الكبار لطبيعة نمو الطفل وسوء فهمهم لما يصدر عنه من سلوكيات يعتبرونها خاطئة؛ وكذلك هم يردون دوافع السلوك العدواني الى الاحباط الذي يعتبر عاملاً اساسياُ للعدوان، فالذي يعاني من الاحباط والاهمال على سبيل المثال قد يندفع الى العدوان كوسيلة دفاعية، فتتجلى النزعة العدوانية بنوبة مصحوبة بالغضب والاحباط، وهذه تتزايد نتيجة للضغوط النفسية المتواصلة او المتكررة في البيئة.
اما على الصعيد الميداني فقد قال مختصون يعملون في مديرية الامن العام ان اسباب ودوافع جرائم القتل تقع لاسباب مجتمعية بالدرجة الاولى، اذ تعود غالبيتها لخلافات شخصية او مالية او اجتماعية، وتختلف بحسب الموقع الجغرافي والطبيعة السكانية، مشددين على ضرورة اتخاذ اجراءات وقائية للحد من ظواهر العنف التي من شأنها ان تعزز الوازع الديني وتأكيد اهمية التنشئة الاجتماعية السلمية، والعمل على تفعيل القوانين والانظمة والتشريعات الرادعة، مبينين ان معظم الدوافع والاسباب تعود في النهاية الى سياقات عائلية، او مالية، او شخصية، او مشاجرات، او جراء سوء تقدير في التعامل مع المشكلات التي تقف امام الفاعلين او المتورطين.
بعض الخبراء زادوا على الجوانب الاقتصادية والتنشئة الاجتماعية، والتفكك الاسري، كمسببات لارتكاب الجريمة، مسألة ضعف الوازع الديني وفهم الدين بطريقة خاطئة لأنه ينمي الكثير من الدوافع الاجرامية، و كذلك التوجه نحو التطرف نتيجة الشعور بالظلم، معتقدين ان هذه المجموعات المتطرفة هي التي ستحقق امالهم وطموحاتهم نتيجة فرض السطوة والقوة، في حين ان الاصل في الدين هو الوسطية والرحمة والاعتدال.
كذلك يرون ان هذه الجرائم تكشف عن توتر المجتمع بشكل عام، والذي ازداد وتشكل في السنوات الاخيرة نتيجة الخلل الذي اصاب البناء الاجتماعي الاردني الذي يعود الى عدة عوامل منها الهجرات القسرية نتيجة الحروب والثورات في دول الجوار، وما صاحبها من آثار ارخت بظلالها على المجتمع فأثرت على ثقافته وتركيبته بشكل عام، مشيرين الى ان المجتمع لم يعد مترابطاً ومتماسكاُ، بل أصبح اقرب الى الفوضى الاجتماعية والصراع الداخلي ما بين القيم الموروثة والتطور والحداثة وسوق المنافسة.
على صعيد ذي صلة اعتبر خبراء في علم الاجتماع ان نوعية الجرائم التي تقع بين الاقرباء مثيرة للقلق وتؤشر على تدهور المنظومة الاخلاقية المسؤولة عن جودة العلاقات الاجتماعية، والشخصية بين افراد المجتمع، وان %75 من الجرائم، وتحديداً الجرائم الشديدة والمستهجنة من المجتمع ومنها القتل العمد والايذاء البليغ تتم بين الاقارب والعائلات، مرجعين السبب في ذلك الى العلاقات الاجتماعية بين افراد المجتمع، والتي تمرّ بحالة تفكك جراء انتشار ثقافة الانعزال بعيداً عن الاقامة بالقرب من اماكن سكن الاهل والاقارب، حيث ان نحو %83 من الاردنيين يعيشون في المناطق الحضرية – اي المحافظات الكبيرة – وهذا يعني ان المسؤولية في المدن هي مسؤولية فردية وليست جماعية كما هو معمول به في القرى والبوادي، اما الاخطر من ذلك فهو تمسك المجتمع بالثقافة المادية بعيداً عن نظيراتها الدينية والاجتماعية والانسانية.
اما عن سبب استسهال ارتكاب الجرائم العائلية، وغير العائلية، فهو يعود الى انتشار الاسلحة وسهولة الحصول عليها واقتنائها بين الافراد، كما يسهلها اللجوء الى العادات العشائرية والصلح واسقاط الحقوق، والاستفادة من العفو العام الذي لا يستثني جرائم القتل بأنواعها وفق اشتراطات محددة، لكنها في الغالب متوافرة فعلاً.
هذا الاستسهال هو الذي دفع الى مطالبة الكثير من المعنيين والمختصين بتفعيل عقوبة الاعدام المجمدة منذ تنفيذ آخر حكم اعدام في الاردن في شهر آذار عام 2006 بحق اردني وليبي ادينا باغتيال دبلوماسي امريكي في عمان، حيث توقف التنفيذ بعد هذا الحكم المزدوج بسبب عدم مصادقة الملك على قرارات المحاكم القطعية بالاعدام.
وكان حسين المجالي، وزير الداخلية قد كشف مؤخراً عن قيام مجلس الوزراء بمناقشة تنفيذ عقوبة الاعدام المجمدة منذ اكثر من ثماني سنوات، في حين نقلت تقارير صحفية عن مسؤولين عقبوا على ذلك بالقول ان فرصة تغيير الوضع الراهن في هذا الخصوص لا تزال ضئيلة، كما ان مواقع الكترونية ذكرت على لسان مسؤولين آخرين قولهم ان بحث هذا الامر في مجلس الوزراء قد تم مرة واحدة قبل ثلاثة اشهر ولا يزال معلقاً، نافية ان تكون القضية قد أثيرت في اعقاب ازدياد جرائم القتل تحت بند ”ايجاد رادع” لمرتكبي هذه الجرائم.
هذا التجميد الذي يأتي – وفق رأي البعض – استجابة لضغوط خارجية تطالب بالغاء عقوبة الاعدام من قانون العقوبات، لا يجد تعاطفاً من العديد من الفئات الشعبية والنواب والمسؤولين الامنيين وغيرهم من الذين يرون ان تجميد هذه العقوبة هو نتيجة ضغط منظمات دولية، وربط بعض الدول مساعداتها للاردن بهذه الخطوة، في حين ان بعض الدول الاوروبية، وبعض الولايات الامريكية لا تزال تنفذ هذه العقوبة بحق مرتكبي جرائم القتل وغيرهم.
في مواجهة كل ذلك .. لماذا لا تعيد الحكومة النظر بقانون العقوبات فيما يتعلق بهذا النوع من الجرائم – مع الاخذ بعين الاعتبار الجوانب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية – وتعمل على وضع رؤية جديدة لمنظومة التشريعات الوطنية الخاصة بهذا النوع من القضايا والجرائم كونها ذات مساس بالامن الشخصي والاجتماعي والاقتصادي للناس ككل.
وعليها أيضا – الحكومة – ان تدرك ان تنامي نسب الفقر والبطالة، وفرض المزيد من الرسوم والضرائب لن يقود الا الى المزيد من الضغوط القابلة للانفجار، وما حالات جرائم القتل القرابية الا صورة من هذه الصور التي تعد بما لا يحمد عقباه .. ذلك ان من تهون عليه نفسه واولاده ووالده واخوته ووالدته يهون عليه كل شيء.