السودان البرغماتي يقترب تدريجياً من محور مصر- السعودية

أنهى الرئيس السوداني عمر البشير الاسبوع الماضي زيارة رسمية إلى مصر استغرقت يومين اجرى خلالها مباحثات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تناولت العلاقات الثنائية والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
وقد وصف وزير الاستثمار السوداني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل في تصريحات للاذاعة السودانية، هذه الزيارة بانها ناجحة، وقال: ”لقد أجرى الرئيسان مباحثات ثنائية كما اجرى الرئيس البشير لقاءات مع عدد من الرموز والنخب المصرية دار خلالها حوار عميق حول العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية الراهنة التي تؤثر على البلدين. وقد التقى الرئيس برجال الأعمال المصريين وقدم لهم تنويرا حول مجالات الاستثمار بالبلاد والاستثمارات المصرية بالسودان واستمع إلى ملاحظات المستثمرين المصريين ووعد بتذليل كافة العقبات التي تواجه الاستثمارات”.
وأضاف: ”لقد عقد الرئيس البشير لقاءً قبيل مغادرته مع الرئيس المصري تطابقت فيه وجهات النظر حول القضايا السياسية والاقتصادية والعلاقات الخارجية، وقرر الرئيسان ترفيع اللجنة الوزارية المشتركة إلى رئاسية وكلفا الوزراء بالبلدين بالبدء في التحضير للاجتماع المقبل. وقد أكد الرئيسان حرصهما على تعزيز التعاون المشترك بين السودان ومصر فى كافة المجالات، وأكدا وجود إرادة سياسية قوية لدى البلدين للإنتقال بالعلاقات بينهما إلى علاقات تكاملية متميزة ونموذجية في المجلات كافة”.
وكان البشير والسيسي قد عقدا مؤتمرا صحفيا مشتركا بقصر القبة أكدا فيه أن هناك توافقاً كاملاً فى كل الموضوعات التى طرحت على المستوى الثنائي والعلاقات الإقليمية والدولية.
وأكد البشير أن هناك إرادة سياسية قوية متوفرة للإنطلاق بهذه العلاقه بين البلدين لتحقق مصلحة السودان ومصر والشعبين الشقيقين.
وينظر المراقبون إلى زيارة البشير إلى مصر بأنها ستضع حدا للأنباء التي تحدثت عن توتر في العلاقات بين البلدين على خلفية موقف سوداني متحفظ إزاء الانقلاب في مصر والموقف من المواجهات المسلحة الجارية في ليبيا.
وذكرت تقارير صحفية ان زيارة البشير للقاهرة قد اسفرت عن تفاهمات ثنائية وإقليمية مهمة، تمهد لاقتراب الخرطوم من محور القاهرة – الرياض، على حساب محور أنقرة – الدوحة، كما رسخت برغماتية النظام السوداني، وأكدت أنه في سبيل الدفاع عن مصالحه يمكن أن يتخلى عن قناعاته بشأن عدد من الملفات الإقليمية، التي بدت فيها الخرطوم بعيدة عن القاهرة أو الرياض، وقد ظهر ذلك من قبل عندما قرر السودان إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية على أراضيه، منذ حوالي شهر.
ولفتت هذه التقارير الانظار الى اعتراف الرئيس المصري في البيان الذي ألقاه في قصر القبة في ختام مباحثاته مع البشير بأن الأوضاع في ليبيا قد استحوذت على جزء مهم من المناقشات، وتوافقت الرؤى حول تحقيق الاستقرار هناك، ودعم المؤسسات الشرعية، مشددا على أن المباحثات كانت إيجابية للغاية، وهو ما أكده الرئيس البشير، بقوله إن المباحثات ”شهدت توافقا كاملا على مستوى القضايا المطروحة، وما تم الاتفاق عليه سيسهم بشكل فعّال فى إزالة كافة العقبات”.
يذكر أن السيسي عندما التقى البشير في قصر الاتحادية، كانت خريطة مصر معلقة على حائط خلف المقعد الذي جلس عليه الرئيس السوداني، ومتضمنة مثلث حلايب وشلاتين ضمن حدود مصر، مما أثار انتباه كثير من المراقبين الذين اعتبروا ذلك بمثابة اعتراف ضمني من البشير بمصرية حلايب.
يشار إلى أن الرئيس السوداني أرسل إشارات مختلفة عن تحول في سياساته الإقليمية حيث قام مؤخراً زيارة إلى السعودية، وبالتوازي مع ذلك فتح معركة ضد التشيع في بلاده، وأغلق مراكز ثقافية إيرانية في خطوة تؤكد الرغبة في تغيير تحالفاته الإقليمية.
وكانت طهران قد اتخذت من الأراضي السودانية ممرا لأسلحتها إلى أفريقيا وإلى الشرق الأوسط، وهو ما جعل إسرائيل تنفذ هجمات ضد مواقع سودانية اتهمتها بترتيب عمليات إيصال أسلحة إلى حماس أو حزب الله.
ووصف حيدر إبراهيم علي، مدير مركز الدراسات السودانية، في تصريحات صحفية تعامل النظام السوداني مع ملف الإخوان، بما يشبه اللعب بـ”البيضة والحجر”، مستبعدا تخلي البشير عن جماعة الإخوان، لكنه سيحاول بقدر الإمكان أن تكون هذه العلاقة بعيدة عن الإعلام وبشكل غير مستفز.
من جانبه، قال هاني رسلان الخبير المصري في شؤون السودان إن الزيارة تنطوي على إرادة سياسية لدى الجانبين، لتجاوز مرحلة الفتور والتوتر التي أعقبت سقوط الإخوان، بعد ثورة 30 يونيو، مرجحا أن تستجيب الخرطوم لمطالب مصر بشأن ملف الإخوان، لأن النظام الحاكم في السودان نظام برغماتي وله سوابق في مثل هذه الملفات.
وأضاف رسلان أن نظام البشير يبحث عن مصلحته وبقائه في السلطة، وأن السودان في التسعينات كان قبلة لكل التيارات المتطرفة، ثم سلم الإرهابي ”كارلوس” إلى فرنسا، وعرض تسليم بن لادن إلى أميركا، وسلم ملفات الحركة الإسلامية برمتها إلى المخابرات الأميركية في ذلك الوقت.
أما أماني الطويل رئيسة برنامج السودان بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، فقالت : إن السودان يحاول الالتحاق بالمحور المصري- السعودي، والابتعاد عن المحور القطري -التركي بعد أن فقد الكثير من وزنه ونفوذه السياسي في سياق عدد من المتغيرات، منها الاضطرابات السياسية في تركيا، بالإضافة إلى وجود تنظيم داعش في أكثر من دولة.
وأشارت الطويل إلى أن مرجعية الحزب الحاكم في السودان إسلامية، وهو مرتبط إلى حد كبير بجماعة الإخوان، لذلك فإعلان البشير تخليه عن جماعة الإخوان وإبعاد عناصرها مسألة مستبعدة في الوقت الحاضر.
وعن الأزمة الليبية وتورط السودان في مساعدة جماعات مسلحة في ليبيا، قال الخبير السوداني حيدر إبراهيم علي، إنها أكبر من قدرات النظام السوداني، لأن الجماعات المسلحة هناك كثيرة والنظام لا يستطيع السيطرة عليها، والحدود السودانية واسعة جدا بشكل لا يمكن التحكم فيها.
بالتوازي، لفت رسلان إلى أن البرلمان الليبي يتهم بشكل رسمي الخرطوم بدعم الجماعات المسلحة لصالح قطر، لكن السودان نفى رسميا هذه الاتهامات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى