لماذا يدعم السوريون رئيسهم بشار الأسد؟

فجأةً، عادت واشنطن إلى استخدام حجة ”الحرب على الإرهاب” كي تبرر تدخلها في سوريا، وهو ما أثار حيرة الجمهور الغربي الذي استمع طوال ثلاث سنوات إلى حجج ”التدخل الإنساني”، وازدراء تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد حين كان يردد أنه يواجه إرهابيين مدعومين من الخارج.. اليوم، ها هي الولايات المتحدة تقود الحرب ضد أولئك الإرهابيين أنفسهم.
ولكن، ما هو رأي السوريين؟ لماذا يستمرّون في دعم رجل يدّعي الغرب أنه يهاجم ”شعبه” ويرهبه؟
لفهم هذا الأمر، يجب أن ننظر جيداً إلى الفجوة الضخمة بين توصيف الغرب للأسد كـ”ديكتاتور مستبد” وصورته الشعبية في داخل سوريا.
لو صدّقنا معظم التقارير الإعلامية الغربية، لاعتقدنا أن الرئيس الأسد يوجّه ضربات مستمرة وعشوائية تستهدف مناطق مدنية، ويقتل الأطفال بالغاز السام، ولظنّنا أيضاً أنه يرأس ”نظاماً علويا”، تتحكم فيه أقلية علوية تمثّل %12 من السكان بالاكثرية السنيّة، وتقمع ”ثورة” لم ”يختطفها” المتشددون إلا أخيراً.
غير أن المشكلة الأساسية في هذا التوصيف هي أنّ الأسد لا يزال يتمتع بشعبية واسعة داخل سوريا. أمّا حالة الاستياء الشعبي من الفساد ومحاباة الأقارب والممارسات التي ترسّخ عبادة الشخص، فهي لا تعني أن الرجل لا يتمتع بشعبية حقيقية. فانتصاره الساحق في الانتخابات الرئاسية التعددية الأولى، التي جرت في سوريا في حزيران الماضي، أزعج أعداءه الإقليميين، في إسرائيل والسعودية وقطر وتركيا، ولكن ذلك لم يوقف تعدياتهم.
غير أن السوريين نظروا إلى الأمور بشكل مختلف، فبشار الأسد احتفظ بالتقليد التعددي القومي الذي كان ينتهجه والده، ولكنه سعى إلى الحداثة أيضاً وإلى الالتزام بوعده بإجراء إصلاح سياسي. وقد أظهرت استطلاعات الرأي السابقة في سوريا استياءً عارماً من الفساد والواسطة، فيما جاءت الآراء ملتبسةً حيال الاقتصاد، ولكن كان هناك الكثير من الرضى على الاستقرار وحقوق المرأة وسياسة البلاد الخارجية المستقلة.
بالفعل، الإخوان المسلمون في سوريا وغيرهم من الجماعات الإسلامية، لم يكونوا من محبّي الأسد، ولكن حتى أولئك الأعداء كانوا يدركون مدى شعبية الرجل. وفي نهاية عام 2011، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز ”الدوحة ديبايت” (وهو مركز تابع للعائلة الحاكمة في قطر، أكبر داعمي الإخوان المسلمين) أن %55 من السوريين أرادوا أن يبقى الأسد في منصبه. غير أن المقاتلين الإسلاميين ذهبوا أبعد. ففي عام 2012، نقلت وكالة ”رويترز” وصحيفة ”الغارديان” البريطانية ومجلة ”التايم” عن قادة في الجيش السوري الحرّ في حلب شهادات” بينها أن الأسد ”يحظى بدعم %70” أو أن ”السكان جميعهم موالون للمجرم بشار ويبلّغون عنّا”، أو ”جميعهم مخبرون… هم يكرهوننا”، ”إنهم يلوموننا على الدمار”.
وعلى الرغم من أن عدم الشعبية قد يدمّر أيّ ثورة، إلا أنه بالنسبة إلى متشدد ديني لا يشكّل إلا عائقاً بسيطاً يتعيّن تجاوزه. فمجموعات الجيش الحرّ الثلاث مؤلفةً من إسلاميين على وفاق مع ”القاعدة”.
لكن أياً من هذه المعلومات لم تؤدّ إلى تغيير اعتماد وسائل الإعلام الغربية على مصادر ”الإخوان”، الذين طوراً تسمّيهم ”ناشطين” وتارةً ”ثوّاراً معتدلين”. وقد اعتمدت وسائل الإعلام بشكل خاص على رامي عبد الرحمن، الذي يتخذ من بريطانيا مركزاً له، ويطلق عليه اسم ”المرصد السوري لحقوق الإنسان”. فمثل هذه المصادر أبقت على صورة ”الأسد الوحش” حيّة خارج سوريا.
تكمن خلف أسطورة بشار قصتان على صلة مباشرة بها: قصة ”الثوار المعتدلين” وقصة ”الموالين للأسد” أو ”قوّات النظام” التي تشير إلى جيش ضخم يحظى بدعم شعبي. ومن أجل فهم أسطورة بشار، يتعيّن علينا أن ننظر إلى الجيش السوري.
يقدّر عديد الجيش السوري بحوالى نصف مليون جندي، ما يجعل منه جيشاً ضخماً إلى درجة أن كل الجماعات السورية لديها أواصر عائلية قوية مع أفراد في الجيش، من ضمنهم أشخاص ربما سقطوا في الحرب. وتقام بشكل منتظم احتفالات أحياءً لذكرى أولئك ”الشهداء”، يحضرها الآلاف الذين يرفعون بفخر صور أحبائهم. كما أن الجزء الأكبر من ملايين السوريين الذين شردتهم الحرب من منازلهم، لم يغادروا البلاد، بل انتقلوا إلى مكان آخر في داخل سوريا تحت حماية الجيش. وهذا ما كان ليحصل لو أن الجيش متورط بالفعل بهجمات ”عشوائية” ضد المدنيين. فالجيش القمعي يخشاه شعبه ويكرهه، ولكن في دمشق، من الواضح أن الناس لا يرتعبون لدى التوقف عند العديد من الحواجز التي يقيمها الجيش على الطرقات لحماية السكان من السيارات المفخخة ”الثورية”.
يدرك السوريون أن ثمّة انتهاكات ارتكبت ضدّ المتظاهرين في بداية عام 2011، ولكنهم يدركون أيضاً أن الرئيس الاسد أقال محافظ درعا على خلفية تلك الأحداث. وهم يعرفون أن عسكرة الحراك لم تكن نتيجة التظاهرات، بل إن حراكاً مذهبياً تخفّى خلف تلك التظاهرات.
فقد أقرّ المسؤول السعودي أنور الحسكي في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية بأن بلاده زوّدت الإسلاميين في درعا بالسلاح، وأن القنص من أسطح المنازل يشبه ثورة الإخوان المسلمين الفاشلة التي جرت في حماه عام 1982، والتي قمعها حافظ الأسد خلال أسابيع. وقد قدّرت الاستخبارات الأميركية حينها عدد الضحايا بحوالى ألفي شخص، بينهم ”ما بين 300 إلى 400” من أفراد ميليشيات النخبة في جماعة الإخوان المسلمين. غير أن الإخوان والعديد من المصادر الغربية عادوا وضخموا الأرقام، وأطلقوا على العملية اسم ”مجزرة”. فالمقاتلون الإسلاميون لهم تاريخ طويل في الادعاء أنهم ضحايا مدنيون في سوريا.
لقد سمعت الكثير من السوريين ينتقدون الرئيس الأسد أمامي، ولكن ليس بالطريقة التي صورها الإعلام الغربي. يقولون إنهم أرادوه أن يكون صارماً مثل والده، فالكثيرون في سوريا يعتبرونه رقيقاً، ويسمونه ”صاحب القلب الرقيق”. حتى إن الجنود في دمشق أخبروني انه قد امر الجيش ببذل جهود خاصة من أجل إلقاء القبض على المقاتلين السوريين أحياءً، وهذا أمر مثير للجدل لأن كثيرين يعتبرونهم خونةً، ليسوا أقلّ ذنباً من الإرهابيين الأجانب.
ماذا عن ”الثوّار المعتدلين”؟ في نهاية عام 2011، قبل نشوء ”داعش”، سيطرت كتيبة الفاروق، أكبر كتائب الجيش الحرّ والتي كانت تمثّل الثورة السورية في حينها، على أجزاء من حمص. وقد وصفهم تقرير أميركي بـ”الوطنيين الشرعيين… المتدينين أكثر مما هم إسلاميين، ولا تحركهم المذهبية”.
وقالت ”مجموعة الأزمة الدولية” أيضاً إن كتيبة الفاروق ”متدينة” أكثر مما هي إسلامية، كما وصفتهم صحيفة ”وول ستريت جورنال” بـ”السنّة المتدينين” بدل الإسلاميين، فيما اعتبرتهم الـ”بي بي سي” ”إسلاميين معتدلين”.
ولكن هذا خطأ، فالسوريون في حمص قالوا إن كتيبة الفاروق دخلت المنطقة وهي ترفع شعار ”العلويون إلى التابوت والمسيحيون إلى بيروت”. لقد صرخوا ”الله أكبر” حين فجروا مستشفى لأنه كان يعالج جنوداً مصابين. واتهمت الكنائس كتيبة الفاروق بالقيام بتطهير عرقي، ما أدى إلى إبعاد 50 ألف مسيحي عن المدينة، وبفرض الجزية.
وبحسب الصحافي رضوان مرتضى، فإن معظم عناصر كتيبة الفاروق هم من السلفيين المذهبيين، الذين يحظون بالدعم المالي والسلاح من السعودية.
لقد كان أفراد هذه المجموعة سعداء للعمل مع المجموعات المختلفة التابعة لتنظيم القاعدة، وكانوا أول من حمّلوا الجيش السوري مسؤولية فظائع ارتكبوها بأنفسهم.
إن نسبة المشاركة العالية التي قدرت بـ%73 في الانتخابات الرئاسية التي جرت في حزيران الماضي، على الرغم من الحرب، مهمة بقدر أهمية الـ%88 من نسبة الأصوات التي حصل عليها الأسد. حتى الـ”بي بي سي” لم تستطع أن تخفي الحشود الضخمة التي أتت للإدلاء بصوتها، على الأخص أولئك الذين تدفقوا على السفارة السورية في بيروت.
تجاوزت نسبة المشاركة النسبة المسجلة في الولايات المتحدة بأشواط، حتى إنه لا يمكن لأي رئيس غربي الادعاء بأنه يحظى بتفويض ديموقراطي ضخم بقدر هذا ”الديكتاتور”.
إن حجم انتصار بشار يشير إلى حقيقة صارخة تقول: لم تحصل قط أي ثورة شعبية ضد هذا الرجل، بل ان شعبيته قد كبرت.

* محاضر في جامعة سيدني وخبير في الشؤون السورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى