مسيرة الصلح والتطبيع تتجه سريعاً نحو التحالف بين الاردن واسرائيل

كتب ساطع الزغول

منذ ابرامها يوم 1994/10/26، وبمجرد اعلان بنودها رسمياً، قال عدد من المحللين السياسيين ان معاهدة وادي عربة بين الاردن واسرائيل لا تقتصر على تحقيق السلام وانهاء حالة الحرب بين الجانبين – شأن معاهدة كامب ديفيد-، بل تشكل مشروع تعاون وتحالف ثنائي بعيد المدى ومتعدد المجالات والميادين السياسية والاقتصادية والامنية والبيئية بين عمان وتل ابيب.

وها قد اثبتت الاعوام العشرون التي انقضت من عمر هذه المعاهدة، انها قد ارست بالفعل دعائم تحالف اردني – اسرائيلي يتوطد يوماً بعد يوم، ويضمن لتل ابيب المرتبة الاعلى والموقع الاول، ويعلن عن نفسه في عدة مجالات ونشاطات، دون ان توقفه، او حتى تعرقله، كل جهود مناهضة التطبيع الشعبية، رغم استبسالها واستمرارها حتى اليوم.
والملحوظ ان وتائر هذا التحالف المشؤوم قد تصاعدت في اعقاب حراكات ”الربيع العربي” وانطلاقات الاسلام السياسي وما تبعها من مظاهر مذهبية ومخاطر ارهابية وتكفيرية وفرت الذرائع اللازمة لتبرير التقارب والتنسيق الامنيين بين عمان وتل ابيب، برعاية امريكية واوروبية مباشرة، وبمشاركة خليجية خفية من خلف الستار.
ورغم تعنت اسرائيل ورفضها لكل الطروحات الاردنية بخصوص حل القضية الفلسطينية، بل رغم انتهاكها الصريح للولاية الدينية الهاشمية على المقدسات الاسلامية في القدس.. الا ان قطار التحالف والتنسيق الاردني – الاسرائيلي ما زال ماضياً في مسيرته دون ابطاء، ودون ان يتأثر بتلك الاحتجاجات والاستنكارات الاردنية الشكلية واللفظية حول بعض الفظائع والتصرفات الاسرائيلية الوقحة والاستكبارية.
فعلى صعيد التحالف الاقتصادي المعلن والصريح قال وزير الطاقة والثروة المعدنية محمد حامد ان الاردن تتوقع استكمال اتفاق مع شركة نوبل انرجي في الشهر المقبل لإمداد المملكة بالغاز الطبيعي من حقل لوثيان الإسرائيلي في صفقة قد توفر لها ما لا يقل عن 1,4 مليار دولار من التكاليف السنوية لواردات الطاقة.
واضاف يقول في مقابلة خلال قمة رويترز للاستثمار بالشرق الأوسط” نحن نتفاوض مع نوبل على اتفاق تزويد طويل الأمد لكن لم نحدد للآن الكميات والأسعار، ولكننا نرغب قبل منتصف الشهر المقبل أن نتوصل لاتفاق”، في حين كانت شركة الكهرباء الوطنية قد وقعت خطاب نوايا مع نوبل انرجي لكن الطرفين لم يذكرا موعدا لاستكمال الاتفاق.
وبموجب الاتفاق المزمع الذي تبلغ مدته 15 عاما سيتم نقل الغاز مباشرة عبر الحدود مع إسرائيل عقب الانتهاء من إنشاء خط أنابيب ومن المرجح أن يبدأ ضخ الشحنات بحلول أواخر 2017. وبينما لا يزال التفاوض جاريا بخصوص السعر فمن المحتمل ربطه بأسعار خام برنت.
وفي مجال النقل، ومع اشتداد الحرب في سورية التي كانت تعبرها نسبة% 60 من تجارة الأردن والترانزيت مع أوروبا، تحول مسار التجارة مع الاتحاد الأوروبي وتركيا الى ميناء حيفا، فمنذ مطلع العام الماضي، انتقلت 4571 شاحنة إلى تركيا ومنها عبر الميناء المتوسطي، وفق أرقام رسمية معلنة.
التبادل التجاري بين البلدين قائم على قدم وساق، فحجم المستوردات من إسرائيل بلغ 96 مليون دولار في العام الماضي، ناهيك عن أن غالبية البضائع الإسرائيلية واصلت طريقها إلى دول خليجية، بعد تمويه بلد المنشأ.
اما لجان التعاون الثنائي بين البلدين فهي تجتمع باستمرار، ولكن بعيداً عن الأضواء، فالتعاون الأمني والعسكري والاستخباري على أشدّه، لحماية الحدود المشتركة مع سورية، ولمواجهة خطر تنظيم ”داعش” وأخواته، بينما تضع لجنة المياه، برئاسة وزيري المياه في البلدين، اللمسات النهائية على مشروع استراتيجي بديل لمشروع قناة البحرين بكلفة 900 مليون دولار.
السفير الإسرائيلي في عمان دانييل نيفو كشف طبيعة هذا التحالف ومتانته حين قال انه لن يكون بإمكان ”إسرائيل أن تحلم بدولة جارة أفضل من الأردن” مشدداً على أن العلاقات الاستراتيجية بينهما تشهد تطوراً متلاحقاً.
وفي مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي صباح الخميس الماضي بمناسبة مرور عقدين على توقيع اتفاقية ”وادي عربة” قلل نيفو من دلالة الانتقادات الكلامية الصادرة عن القيادات السياسية في الأردن، وعلى رأسها الملك عبد الله، بسبب السياسات الصهيونية في القدس، مشيراً إلى أن هذه الانتقادات تندرج في إطار محاولة النظام الأردني امتصاص غضب الجمهور الأردني مما يجري في القدس، ومما جرى في غزة أثناء العدوان الصهيوني الأخير، ولتجاوز الضغوط التي تمارس على عمان من قبل أطراف عربية.
ونقل الصحافي جاكي حوكي، الذي أجرى المقابلة مع نيفو عنه قوله إن جملة التصريحات الصادرة عن المسؤولين الأردنيين والتي تنتقد السياسات الصهيونية، لم تحل دون مواصلة تطور وتعاظم تبادل المعلومات الاستخبارية والتعاون الأمني، وزيادة وتيرة التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي.
ولفت نيفو الأنظار إلى حقيقة أن الأردن توصّل مع ”إسرائيل” قبل شهر لاتفاق يقضي بتزويده بالغاز الذي تنتجه حقول الغاز المكتشفة حديثاً أمام السواحل الفلسطينية، علاوة على أن الحكومة الأردنية وافقت على تدشين محطة لتحلية المياه في مدينة العقبة لتزويد ميناء ”إيلات” بالمياه الصالحة للشرب.
وامتدح نيفو الأردن بوصفه ”جزيرة استقرار في بحر متلاطم”، مشيراً إلى أن إسرائيل معنية تماماً بمواصلة التعاون معها.
وأقر بأن الشعب الأردني ليس شريكاً في الاحتفاء بمناسبة مرور عقدين على توقيع اتفاقية ”وادي عربة”، معترفاً بأن الحركات السياسية المعارضة والتجمعات النقابية الاردنية تلعب دوراً مهماً في التأثير على الرأي العام المعادي لإسرائيل، فيما يضطر الكثير من رجال الأعمال الصهاينة الذين يعملون في الأردن لاخفاء أنفسهم حتى لا تتأثر أعمالهم بشكل سلبي.
وعلى الصعيد الامني قالت صحيفة هآرتس، ان اسرائيل قد تجد نفسها قريبا في مواجهة مع تنظيم داعش في حال تهديده لامن الاردن.
وأبرزت الصحيفة الإسرائيلية في سياق تقريرها المنشور الاسبوع الماضي، بعض التقارير التي أكدت أن إسرائيل قامت بمسح شامل للحدود بين الأردن وسوريا، بهدف مساعدة الأردنيين على التصدي لأي هجوم محتمل من الشمال.
وأضافت الصحيفة الإسرائيلية، أن الأردن تعتمد بشكل أساسي على سرب من مقاتلات ”F-16” الأمريكية، لتأمين حدوده مع سوريا، وهي تمثل حائط الصد الأول للأردن من الناحية الشمالية، غير أن الخطر يأتي هذه المرة من ناحية الحدود مع العراق، وهو ما يتطلب مساعدة إسرائيل بشكل كبير في الوقاية من الخطر الذي تمثله داعش في بلاد الرافدين.
وكشف أمير بوحبوط، المعلق العسكري في موقع ”والا”، عن مخاوف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من احتمال تسرب ”داعش” إلى الأردن. وعلى خلفية هذه المخاوف، قال مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى إن الأردن محاط بتنظيم ”القاعدة” شمالاً و”داعش” شرقاً، غير أن ”الأردن قوي استخبارياً وأمنياً مقارنة بالدول الأخرى المحيطة، وبفضل ذلك لم تنشئ اسرائيل جداراً على الحدود معه. فالاستخبارات النوعية للأردنيين، سوية مع قوات ومنظومة قبلية جذرية صاحبة نفوذ، تنجح في استيعاب سيرورة ديموغرافية خطيرة تشمل 1,3 مليون لاجئ سوري ونصف مليون لاجئ عراقي فضلاً عن اللاجئين الفلسطينيين”.
وبحسب هذا المصدر الاسرائيلي، فإن الأردن يمنع عمليات ضد إسرائيل، لذلك فإن قوته الأمنية والاستخبارية تشكل ”قاعدة لتغيير جدول أولويات الحكومة الإسرائيلية التي لم تنشئ جداراً أمنياً على الحدود الشرقية”.
وحذر المصدر من الاستهانة بقدرات الأردنيين، قائلاً إن ”بيننا وبينهم منظومة علاقات سرية هائلة، فالأردنيون يوفرون علينا دماء”. ومع ذلك، يشدد (المصدر) على أن إسرائيل تفتح عيونها جيداً تجاه ما يجري في الأردن.
وبمناسبة مرور عشرين عاماً على ابرام معاهدة وادي عربة، اكدت جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية على موقفها الثابت في المطالبة بإعلان بطلان تلك المعاهدة، نظراً لانها لم تكن ”معاهدة سلام”، بل معاهدة تكامل وتحالف حيث تتناول خمس عشرة مادة فيها وسائل تحقيق التكامل الإقليمي بين الأردن والكيان الصهيوني، ناهيك عن التنسيق الأمني ومنع الدعاية المضادة للكيان وتغيير المناهج والعلاقات الدبلوماسية والتجارة المتبادلة وغيرها، فالمعاهدة مصممة لإلحاق الأردن بالمركز الصهيوني، وها هو ذلك الإلحاق يتجلى اليوم في صفقة الغاز التاريخية.
وقالت في بيان صادر عنها بهذه المناسبة المشؤومة، ان حصاد عشرين عاماً من معاهدة وادي عربة يدلل بأن الأردن قد دفع ثمنها ذلاً وتبعية وإفقاراً ومصادرة للحريات، أما بالنسبة للذل، فإننا نسوق مثال اغتيال القاضي رائد زعيتر بدمٍ بارد، وقتل الشرطي إبراهيم الجراح في صيف عام 2013 بظروف غامضة وهو يرافق وفداً سياحياً صهيونياً سُمح له بمغادرة الأردن بكل سهولة، وهو ما يؤكد على تبعية الاردن للصهاينة والاستهتار بدم الشعب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى