مرثيّةٌ لفارسِ القَصيدة

( إلى روح والدي: الشاعر ” محمد علي ” الصّالح )

 

ماذا يُخاطِبُكَ التُّرابُ ؟

لَعلَّ زَنْبَقَةً تَفيضُ على يَدَيْكَ

هل استراحَ النَّبْضُ فيكَ

وأكْمَلَتْ دَوَرانَها الأَرْضُ التّي ضاقَتْ

فأَشْعَلَتِ الغُصونَ

وأَطْلَقَتْ أنهارَها لِلقاءِ فارِسِها القَديمْ ؟

ماذا يُخاطِبُكَ التُّرابُ

سَرَقْتَ من عَيْني المواعيدَ المُصابةَ بالندَّى

وغَرِقْتَ في عِطْرِ القَصيدةِ

كيفَ يَسْري في عُيونِكَ زَنْبَقُ الوادي ؟

لعلَّ الشِّعْرَ يُنْقِذُ ما تَبقَّى من نَشيدِكَ

هل سَتَكْتُبُ مَرَّةً أُخْرى

لِعُصْفورٍ يُحّوِمُ حَوْلَ عَيْنَيْكَ /

الفَضاءُ مُشَرَّعٌ للبومِ والغِرْبانِ

فاقْرَأْ للعصافيرِ الصَّغيرةِ،

ما تَيَسَّرَ من جِراحِكَ

وانْطَلقْ.

يا أَيُّها القِدّيسُ

هذا صَوْتُكَ السّحريُّ يَجْتازُ الأُفُقْ

ويُعلّمُ الأشْجارَ فاتحةَ البَراعمِ

يُنْقِذُ العُمْرَ الجميلَ من الضَّياعِ

ويَنْثُرُ الحنّاءَ فوقَ رَبيعنا المقْتولِ

في سَيْفِ الخِيانةِ،

هل غَرَسْتَ على الشّواطيء رايةً

وغَسَلْتَ وَجْهَكَ بالبَشائِرِ

مِنْ غُبارِ الرّيحِ ؟

هل أَلْقَوْا عليكَ القَبْضَ

بَعْدَ مُظاهراتِ اليَوْم

هل عانَيْتَ خَلْفَ قتَامةِ القُضْبانِ

حينَ كَشَفْتَ للطُّلابِ خُبْثَ الإنْتدابِ

وسيّئاتِ الأَنْظِمَةْ ؟

         * * *

لا زِلْتَ في عُرْسِ السَّنابِلِ

ذِكْريات تَمْنَحُ العُشْبَ الطَّريَّ

شُموخَكَ اليَوْميَّ

يا زَهْو التّلالِ الفاتِناتِ

ويا ابْتهاجَ الرُّوحِ في جَسَدِ البلادِ

ويا تَباشيرَ الصَّباحِ الغَضِّ

هل أَنْهَيْتَ في السّجْنِ الخِطابَ

وهل شَهْدتَ على جرائِمِهمْ ؟

كأنَّك تَمْنَحُ الأَسْماءَ رَوْنَقَها

فَلا تَبْخَلْ علينا بالقَصيدةِ،

يُولَدُ الوَطَنُ المُقاتِلُ من نَزيفِكَ

يَسْطَعُ القَمَرُ المُتَيّمُ

جَنَّةٌ مكْنوزَةٌ بالوَعْدِ قَلْبُكَ

لا تُفارِقْني،

سَنغْرَقُ في تفاصيلِ الكَلامِ

كأَنَّ صَوْتَكَ نَوْرَسُ الأَحْلامِ

شَلاّلُ النَّدى

فارْسِلْ يراعَكَ زَهْرةً عَبَقَتْ

                    بِرائحةِ الجِبالِ

قصيدةً من ماءِ روحِكَ

يا هَديرَ المَوْجِ

يا صَوْتَ الجياعِ

ويا نَبِيَّ الباحثينَ عن الحقيقةِ

هل يَموتُ الفارِسُ العَرَبيُّ

هل يَكْبو الحِصانُ

وهل يَغيبُ البَدْرُ في سُحُبِ الظَّلامِ ؟

تعالَ نُرْسي قَلْعةً للرّيحِ

نُعْطي للتُّرابِ مَذاقَهُ الوَرْديَّ

للبَحْرِ انفجارَ الماءِ

للشَّمْسِ انعكاسَ الضَّوْءِ في قَلْبِ الخَليقةْ.

         * * *

وتعالَ نَقْرَأُ للمدينةِ سِفْرَها الأَزَليَّ

حَيْفا في يَدَيْكَ غَزالَةٌ

وعلى جَبينكَ نَجْمَةٌ سَطَعَتْ كَحَّدِ السَّيْفِ

كَمْ هَتَفَتْ ثِمارُ النَّخْلِ باسمكَ

واستَراحَتْ في ظلالِ عُيونكَ الأَمْواجُ

واحتَفَلتْ بكَ الأَصْدافُ،

هل أَلْقَيْتَ جَوْهَرَكَ الثَّمينَ أمامَها

وعشِقْتَ زَنْبَقَها المُسَرْبلَ بالندى والوَعْدِ ؟

حَيْفا مُهْرَةُ العِشْقِ الأَليفَةُ

طِفْلةٌ نَضَجَتْ على دقّاتِ قَلْبِكَ

واحتَوَتْكَ بِدفئِها السّريِّ

هل أَعْدَدْتَ للعِشْقِ المُسَيَّج

                   كَرْنفَالَ الصُّبْحِ

أَمْ ضَمَّدْتَ جُرْحَكَ في المساءِ،

وأَنْقَذَتْكَ فُسَيْفساءُ العُمْرِ من طَلَقاتِهِمْ

وحَماكَ زَيْتونُ الجَليلْ ؟

         * * *

هذا دُخولُكَ في احتفالاتِ الصُّعودِ

ومهرجانِ اللّوْزِ

فاقْرَأ للسَّنابلِ قصّةَ الوَطَنِ الجريحِ

وللعناقيدِ النَّديَّةِ سورةَ التّكْوينِ

للمَطَرِ الطَّليقِ نَشْيدَهُ

لجداولِ الفَرَحِ المُسَلَّحِ

ما يُكابِدُ جِسْمَكَ المَنْفيَّ

                    من وَجَعِ التُّرابْ.

يا أَيُّها الجَبَلُ المُضَرَّجُ بالقُرُنْفلِ

لم يَجِفَّ الماءُ فيكَ

فكيفَ يَغْزوكَ اليَبابْ ؟

         * * *

كم مَرَّةً سأَموتُ بَعْدَكَ

كم سَيقْتُلُني رَحيلُكَ

قُمْ إِليكَ

وقُمْ إِليّْ.

قُمْ للقصيدةِ مَزّقتْ أوْراقَها الأُولى

نهاياتُ الفُصولْ.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى