جمال عبد الناصر الغائب الحاضر

أربعة وأربعون عاما مرت على غياب الزعيم جمال عبد الناصر ولا يزال أسمه يتردد في كل ارجاء المعمورة رغم ضخامة الهجوم على مشروعه ومحاولة إفراغه من مضمونه القومي التحرري.

44 عاما مرت والهجوم على جمال عبد الناصر لم يتوقف بل زاد شراسة بعد حرب أكتوبر ونتائجها المخيبة للآمال والتي كانت عكس بدايتها الرائعة ، كما أعد لها وخطط جمال عبد الناصر والقادة المخلصون من حوله، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة ومشروعا جديدا، اسمه السلام والتفاوض إلى ما لا نهاية الذي بدأه المرتد أنور السادات .
ولأجل ذلك كان لا بد من مهاجمة رمز كفاح الأمة ونضالها جمال عبد الناصر ، وبدأت حرب خبيثة باسم الثقافة، وكان هدفها اغتيال اسم جمال عبد الناصر داخل مصر قبل غيرها ، ولكن الشعب العربي وفي مقدمته شعب مصر لم يتقبل ذلك، الأمر الذي جعل أميرا كويتيا يقول للسادات أثناء زيارته للكويت بأن ما تفعلونه بحق جمال عبد الناصر عيبا ولا يليق، واستطرد الأمير الكويتي قائلا أنا من المختلفين مع سياسة عبد الناصر ولكنه شاء من شاء وأبى من أبى هو رمز للنضال والكفاح العربي ، وكان الأمير يقصد ذلك الاتهام الرخيص الذي ذكره المقاول عثمان أحمد عثمان في كتابه تجربتي بأن جمال عبد الناصر قد اختلس 10 ملايين دولار، وقال الأمير الكويتي للسادات أنا مستعد لجمع عشرات الملايين من الشعب الكويتي ، ولكن لا يجوز الإساءة لاسم عبد الناصر وقيمته بهذه الطريقة الرخيصة ، فما كان من السادات إلا أن شكل لجنة تحقيق يرأسها قاضٍ كان على خلاف مع جمال عبد الناصر إلا أنه أصدر حكمه بأن كل ما قيل وما ادعاه عثمان في تجربته لا مكان له في عالم الواقع وغير صحيح وليس موجودا إلا في عقل المقاول عثمان وأمثاله ، وهنا هرع المقاول الشهير الكذاب عثمان أحمد عثمان لمجلس الشعب ليحلف بأغلظ الايمان بأنه لم يقصد جمال عبد الناصر شخصيا، ثم حفظت القضية، ولكن الحرب الشرسة الموجهة ضد جمال عبد الناصر لم تنته بل زادت سعيرا لأن من يدير خيوطها هم لصوص العالم الكبار من صهاينة واشنطن وعملائهم الساعين لافشال مشروع الأمة التحرري بعد رحيل رمز نضاله.
في كل أزمة كانت الجماهير ترفع صور عبد الناصر وشعاراته للتعبير عن إرادة الأمة ولعل ثورة 25 يناير وتصحيحها 30 يونيو كانت مثالا صارخا حيث لم ترتفع صور إلا لجمال عبد الناصر وأقواله وشعاراته ، وأعادت مصر الاعتبار لذلك القائد العظيم بعد كنس نظام كامب ديفيد السادات مبارك وزبانيته والإطاحة بالنظام المتأسلم الذي حاول سرقة ثورة الشعب وهو الذي كان يفاوض الجنرال عمر سليمان تحت صورة المخلوع حسني مبارك ، ولذلك دلائل سياسية يعلمها كل متابع، حيث ركب المتأسلمون موجة الثورة عندما تأكد لهم بان الشعب لم يقبل بأقل من إسقاط النظام ومحاكمته .
أليس ملفتا للانتباه أن أجيالاً لم تعاصر جمال عبد الناصر، ونراها تخرج في كل ميادين مصر رافعة صوره وشعاراته وهذا انصاف له، فمن يؤيده أو يعارضه أنصفه بإبراز عدائه أو تأييده.
انظروا لهذا الحقد الأسود على جمال عبد الناصر حتى بعد رحيله بأكثر من أربعة عقود الذي جسده محمد مرسي العياط عندما اعتلى هزم السلطة، فكان أول خطاباته هجوما على عبد الناصر ومرحلته وعصره، وكأن محمد مرسي ذلك العياط لم يجد في مصر إلا المشروع الناصري ليهاجمه.
لسنا هنا في حاجة لسرد انجازات جمال عبد الناصر ومرحلته الذهبية فهي انجازات عظيمة وخالدة وهي الأساس لتقدم أي أمة تبحث عن ذاتها ، يكفي ما عبر عنه رجل في الثمانين من عمره في إحدى المدن المصرية ، عندما سئل عن جمال عبد الناصر وعصره أجاب بعفوية وتلقائية بأن عبد الناصر أعاد مصر للمصريين.
وكانت تجربة عبد الناصر ثورة بيضاء غيّرت بالحب والحوار كل ما كان موجودا ،وقد اقتدى الكثيرون بسلميتها مثل ثورة الفاتح العظيم في ليبيا التي قادها العقيد الشهيد معمر ألقذافي وثورة السودان وحتى التغير في إطار نفس النظام كما حدث في تونس والجزيرة العربية وغيرهم الكثيرون .
الذكرى الــ44 لرحيل جمال عبد الناصر هذا العام تتزامن مع نجاح شعبنا الفلسطيني المقاوم في تحقيق انتصاره المعجزة، وهو رغم حصاره والمؤامرات التي تحاك له أثبت ان خيار المقاومة الذي كان ينادي به جمال عبد الناصر هو الاجدى، وان هذا الخيار هو الرقم الأصعب في المعادلة، وليس صحيحا أن النصر العربي الفلسطيني في غزة لفصيل دون الآخر، فقد أحرزه صمود أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة بكل فصائلهم حيث كان خيار المقاومة الطويلة المدى هو ما زرعه وأكد عليه الزعيم جمال عبد الناصر في نفوس شعبه وأمته.
ان ذكرى رحيل جمال عبد الناصر هي مناسبة لمراجعة أروع وأعظم ما في تاريخنا وتجاربنا الوطنية والقومية بهدف الاستفادة من ايجابيات تلك المرحلة الكبيرة والعظيمة، وبنفس الوقت الاستفادة من الاخطاء التي وقعت بها كأي تجربة إنسانية.
بقي أن نقول أن جمال عبد الناصر كان ابن تجربته وعصره والمؤامرات عليه اليوم بعد رحيله لأجل إفشال المشروع الذي عبّر عنه وهو مشروع الأمة العربية الذي كان موجودا قبل عبد الناصر وسيستمر بعد عبد الناصر، وكان جمال عبد الناصر أعظم من عبر عنه ، ومن المفارقات ان الذين تآمروا على إسقاط مشروع جمال عبد الناصر مع أعداء الأمة من اعراب اللسان هم أنفسهم الذين ساهموا بتدمير العراق وليبيا واحتلالهما ودعموا ويدعمون الإرهاب الأسود في سوريا اليوم ، فكل الحقائق والأشياء أصبحت واضحة، وما حذرنا منه جمال عبد الناصر هو ما يحدث اليوم، وعهدا منا لزعيمنا عبد الناصر اننا سنبقى الأوفياء للقيم والمبادئ العظيمة التي أرسى قواعدها حتى يرث الله الأرض وما عليها .
رحمك الله أبا خالد يوم ولدت ويوم استشهدت وأنت توحد صفوف الأمة من قلب الميدان ومن لهيب حرب الاستنزاف ويوم تبعث حيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى