حـول المشهـد العـراقي والـتـبـاسـاتـه!!

أصبح المشهد العراقي بصورته الحالية القاتمة والملبدة بالصور المضببة والمفاجآت، مكتظا بالكثير من التناقضات والتشققات ومظاهر التشرذم التي تجعل عملية الالمام بكامل خريطته ومفرداته مستعصية ومليئة بالمحاذير والتوقعات الناقصة والاستبصارات التبسيطية ، والاستنتاجات المغلوطة . الا أننا ومع كل ما تقدم نحاول الذهاب الى الكليّات والخطوط العريضة في المشهد ، لكي نلمّ بالخلفيات التي كونته وجعلته يتداعى على هذا النحو ويولّد أغلوطات والتباسات متعددة .
هذا المشهد العراقي الكارثي لم يكن وليد اليوم واللحظة اذن ، وانما كانت له مقدمات متنوعة وحادة ، بدأت مع استلام الحكم الوطني للسلطة عام 1968 وصراعه المستمر مع القوى الاستعمارية ومحاولات اسقاطه التي تتوجت بالغزو عام 2003 . ولابد دائما من أخذ هذه المقدمات بالاعتبار لكي يتسنى لنا فهم هذه الامتدادات والتداعيات والتجليات التي تحصل الآن وتحدد ألوان وخطوط المشهد الناتئة والمتناقضة . وأي محاولة للفصل بين ما يجري الآن في العراق وما سبقها من تطورات ومحاولات لتفكيك الدولة وتقسيم العراق وتطييفه سوف تفقد التحليل عنصرا هاما من عناصره الرئيسة ، أو تجعله مقطوعا عن جذوره التي شكلت بداياته وتجلياته الحالية .
أريد وخطّط للعراق أن تتغير ماهيته الوطنية والقومية تماما بعد الغزو الامريكي عام 2003 ، ليصبح مثالا على دولة الفشل والفساد ، بعد أن أقام فيه المحتلون نظاما عميلا تابعا وبنية سياسية انقسامية نابذة ومفخخة ومتفسخة ، وذلك بعد تفكيك دولته ، وحل جيشه العريق رمز سيادته ، وبعد أن حاولوا تغيير مرجعياته القومية أو بالاحرى حاولوا اجتثاث هذه المرجعيات وتغيير ماهية العراق السياسية والتاريخية والمجتمعية .
وأصبح العراق على يد هؤلاء جغرافيا ”ومكونات” بصبغة طائفية عصبوية متخلفة وانقسامية وليس وطنا موحدا لكل أبناء الشعب ، تقوم بنيته الدولتية على أساس دستور من وضع المحتلين ، ومحاصصة بغيضة تجعل العراق شعوبا ودولا ومللا ونحلا وحوزات متنافرة ، وبناء على هذا التركيب الشاذ الجديد ، وبعد التفكيك الكارثي للدولة ومؤسساتها السيادية ، ينفرط عقد العراق وبنيته الوطنية – القومية التي شكلت عنوانه وتاريخه عبر التاريخ ، ويصبح مسرحا لألعاب الأمم وأهوائها ورؤاها ، أو مستنقعا للقتل والتدمير والتعصب الطائفي ، والانتحار الذاتي .
وعلينا على ضوء كل ما تقدم أن لا نستغرب ما يحدث الآن في العراق ، وأن لا نغوص كثيرا في دقائق المشهد وغرائبه المتعددة ، ذلك أن الوقائع الجارية في العراق راهنا أصبحت نتاجا لهذه العملية الاستعمارية التفتيتية ، واعلانا عن مفرداتها ومعطياتها ، وكان من الممكن لهذا الوعي أن يكون واضحا على الصعيد العراقي والقومي منذ فترة طويلة ، أي في المراحل المبكرة للصراع بين مشروع الحكم الوطني – القومي – النهضوي منذ عام 1968 والمشروع الاستعماري الصهيوني ، الا أننا تأخرنا في استدراكه ومعرفة مآلاته ، ووصلنا في وعينا الشقي الى أعلى درجاته . .
الذي يجري في العراق وبمنتهى البساطة ، وبعيدا عن الاستغراق في التفاصيل والمفردات ، هو الاصرار على اعادة الدولة العراقية المركزية القوية الى مرحلة ما قبل الدول بكل ما يعنيه ذلك من مظاهر الصراع والانقسام والفشل ، وبعد اعلان الدولة العراقية دولة فاشلة لا تستطيع المحافظة على الأمن والسيادة ، ولا تقدرعلى القيام بمهمات التنمية أو النهضة ، ولا حتى توفير المياه الصالحة للشرب والنظافة العامة للبلد ، استبدال المليشيات بالجيش القوي ، فتح الأبواب على مصراعيها للعصبيات التحتية والطائفية العصبوية المتوحشة للنمو والانتشار ، استنزاف الطاقات والموارد والثروات الهائله وتبديدها في وجوه لا تصب في مصلحة الشعب وتقدمه ، القبول باستباحة الدولة من قبل الدول الاستعمارية ومن دول الأقليم الطامعة والطامحة ، والتواطؤ مع الممارسات الانقسامية والانعزالية التي تقوم بها ادارة اقليم كردستان والتي أصبحت تذهب بعيدا على طريق تجذير الانفصال وتهديد وحدة الكيان العراقي والأمة العربية .
وهذه القوى السياسية الطائفية العميلة التي تقف الآن في الواجهة وتدير ما يسمى بالعملية السياسية أثبتت فراغها وفشلها ولا وطنيتها وعمالتها للأجنبي ( بشهادات وكتابات أمريكية عن الفشل والفساد والانتهاكات المختلفة ) ، ولذا فهي غير قادرة على اعادة ترتيب المجال السياسي العراقي ، ولا القيام بأي مشاريع للتنمية والنهضة ، ولا طرح أي بديل لانتشال العراق من المستنقع الذي صنعه الغزو الأمريكي والعملاء الذين أقاموا سلطته ووفقا لمخططاته وأهوائه . وأصبح الصراع بين هذه القوى على المصالح الفئوية والفساد والارتزاقية والنهب المبرمج والاستئثار بالنفوذ ، الأمر الذي لا يؤهلها لادارة دولة بحجم العراق ولا القيام بالمهمات السياسية – التاريخية المطلوبة في المرحلة الراهنة .
ولابد أن يعرف القاصي والداني ( وخصوصا من يحاول أن يقفز عن حقائق العراق القديمة والراهنة أو يحاول تحريفها وتمويهها ) أن العراق لن يتوحد ولن يتخلص من هذه الطغم السياسية الطائفية العميلة المرتبطة بالدول الاستعمارية والصهيونية ، الا بظهور مشروع وطني – عروبي عريض تتشارك في صياغته وتجسيده القوى الوطنية والقومية والاسلامية العراقية التي تشاركت وطنيا في المقاومة منذ عام 2003 وحررته من الغزو . انها قوى المقاومة وبرنامجها الوطني المعلن والمتاح للتعميق والتحديث دائما ، الذي يستطيع اخراج العراق من أزماته وصياغة حاضره الجديد ، ولذا نرى الصراع المخابراتي والعسكري الآن يتسارع ويسارع بشتى الطرق لاقصاء هذا البرنامج والمنادين به والمدافعين عنه وشرذمتهم واجتثاثهم ، ويحاول بكل الوسائل أن يلملم طابق العملاء ، ويجهض ثورة الشعب العراقي عليهم أو تغيير مجرى هذه الثورة وماهيتها ، وتحويلها بأشكال مختلفة ( مخابراتية وعسكرية وتآمرية مع دول الاقليم ) الى صورة جديدة وشكل جديد مستحدث لادارة أزمة العراق الراهنة ، وهو كما أصبحنا نلاحظ يسير على طريق الخيبة والخسران ، لآن للعراق كيمياء وطنية عروبية لا يعرفها الا رجاله ومناضلوه كما قال الشهيد المجيد صدام حسين منذ الأيام الاولى لانطلاق المقاومة العراقية الباسلة عام 2003

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى