مؤامرة انجلو-امريكية لضرب سوريا عام 1957 اجهضها عبدالناصر عبر اقامة دولة الوحدة

استناداً الى قوة التقدير والالهام والشعور القومي الفياض، اقدم الرئيس جمال عبدالناصر عام 1958 على اقامة دولة الوحدة بين مصر وسوريا، رغم تحفظه على قصر فترة التحضير والاعداد لها.
كانت الاخطار محدقة آنذاك بسوريا، ولكن احداً لم يكن يعرف على وجه الدقة حجم المؤامرات والمخططات الصهيونية والتركية والبريطانية والامريكية التي كان يجري طبخها سراً في الدوائر السياسية والاستخبارية لغزو سوريا واسقاط قيادتها العروبية.. وهو الامر الذي دفع عبدالناصر للتجاوب مع رغبة القيادات السورية وقتها في حماية سوريا من خلال وحدتها مع مصر.
هذا الاوان نشرت ”وكالة الاهرام المصرية” وثيقة سرية كانت ”جريدة الغارديان” البريطانية قد سربتها عقب الغزو الامريكي للعراق عام 2003 وتتضمن تفاصيل مخطط امريكي – بريطاني يعود الى ما قبل نصف قرن، ويستهدف ضرب سوريا واسقاط نظام الحكم الوطني فيها بمساعدة من جماعة الاخوان المسلمين وزمرة من الدروز المتطرفين.
تقول الوثيقة.. في خريف عام 1957 ناقش كل من دوايت أيزنهاور، الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، وهارولد ماكميلان، رئيس وزراء بريطانيا آنذاك، السبل والمخططات المطروحة لإسقاط الحكم في سوريا وغزوها بعد نمو مشاعر العداء للغرب في هذه الدولة العربية وتزايد ميلها نحو الاتحاد السوفييتي بدرجة أقلقت الأمريكيين والبريطانيين.
ولم يكن الخوف البريطاني نابعاً من فراغ بل جاء جراء التجربة المريرة في حرب السويس عام 1956 (العدوان الثلاثي) وفشل لندن في استعادة قناة السويس . كما تصاعد قلق أمريكا من حدوث تحول سوري نحو المعسكر الشرقي بعد الانقلاب الذي أطاح حكومة أديب الشيشكلي في سوريا عام ،1954 لتصبح البلاد في يد اتحاد ضم سياسيين وطنيين ينتمون لحزب البعث والحزب الشيوعي وقيادات في الجيش السوري .
وخشيت واشنطن من انتشار عدوى الثورة والمد العروبي من دمشق إلى الدول المجاورة، مما يهدد بانهيار أنظمة عربية موالية للغرب في تلك الفترة، إضافة إلى سيطرة سوريا على أهم أنبوب لنقل البترول العراقي عبر أراضيها في طريقه إلى تركيا.
الخطة التي جاءت بالوثائق التي تم تسريبها عام 2003 وضعها رئيس مكتب وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للشرق الأوسط، كيرميت روزفيلت، الذي حدد القادة السوريين الثلاثة الذين قرر الأمريكيون والبريطانيون التخلص منهم لأنهم كانوا القوة الحقيقية في سوريا آنذاك وهم: عبد الحميد السراج، رئيس المخابرات العسكرية السورية، وعفيف البزري، رئيس أركان القوات السورية، وخالد بكداش، زعيم الحزب الشيوعي السوري.
أما خطوات التنفيذ فكان يتعين القيام بها وفق ما جاء في الوثيقة وكانت كما يلي ..
1- ”فور اتخاذ القرار السياسي بخلق أحداث شغب داخل سوريا، فإن المخابرات الأمريكية ”سي .آي .إيه” والمخابرات البريطانية ”إس .أي .إس” (إم آي 6) ستحاولان شن بعض الأعمال التخريبية والقيام بانقلاب عسكري داخل سوريا، والتعاون مع عملاء في الداخل” .
2- ”العمل على عدم تركز الحوادث (التخريب والشغب والاغتيالات) في العاصمة دمشق وحدها، وأن تتخذ احتياطات شديدة لتجنب وجود أي سبب يدفع الحكومة السورية إلى اتخاذ إجراءات إضافية لحماية الشخصيات القيادية”.
3- ”عند تهيئة أجواء الخوف الضرورية، يتم ”اختلاق” حوادث ومصادمات حدودية لتبرير تدخل القوات العسكرية للأردن والعراق (حيث كان الأردن يميل إلى الغرب والعراق عضو بحلف بغداد)، وإظهار سوريا (أمام العالم) على أنها راعية للمؤامرات والتخريب والعنف الموجه ضد البلدان المجاورة (الأردن والعراق) . . . وعلى أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية أن تستعمل إمكاناتها ”السيكولوجية” والعملية على الأرض لخلق التوتر”، وهو ما يعني القيام بعمليات عدائية وتخريبية ضد الأردن والعراق ولبنان للوقيعة بين الأطراف العربية
4- القيام بتمويل لجنة أطلق عليها اسم ”لجنة سوريا الحرة” وتسليح ميليشيات لفصائل سياسية داخل سوريا . وممارسة أعمال مخابراتية لإشعال تمرد داخلي . فتتم الاستعانة بالأقلية الدرزية في الجنوب لمهاجمة السجون وإطلاق سراح من فيها وخاصة المسجونين السياسيين في سجن المزة، وتنشيط جماعة الإخوان المسلمين في دمشق للقيام باعمال تخريبية.
وكان الهدف من المخطط هو إطاحة الحكومة السورية ذات التوجه البعثي العروبي والميول السوفييتية، وتنصيب حكومة موالية للغرب ولحلف بغداد تتسم بالاستبداد وتمارس القمع ضد الشعب السوري الذي بدأ يميل نحو البعثيين والمد العروبي.
لكن الخطة السرية فشلت ولم تصل إلى مرحلة التنفيذ، لعدم القدرة على إقناع الدول العربية المجاورة بالقيام بالغزو خوفاً آنذاك من ثورة شعوبها المتأثرة بالمد العروبي الناصري، وتعارض الاعتماد على تركيا وحدها مع مصالح الغرب.
وبالفعل تمكن حزب البعث السوري في غضون شهور قليلة من السيطرة على السلطة، وأسرعت سوريا بالدخول في الوحدة مع مصر برعامة جمال عبدالناصر بحلول شهر شباط عام 1958 مما قضي على فرص نجاح المخطط الأمريكي البريطاني، ولكن الى حين، فقد تم فيما بعد فك دولة الوحدة من خلال مؤامرة الانفصال عام 961

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى