عرس الـدم

صحونا ذات فجر لنرى السماء ملطخة بالدم. قلنا إنه الشفق. وغططنا في نومنا. وصحونا عند الغروب لنراها تميل إلى البرتقالي، قلنا إنه الغسق. وتهالكنا على فراشنا لنغوص في أحلامنا الهشة، وارتفع الشخير إلى أعالي السماء. لكن تراجيديا قابيل أبت إلا أن تفرد جنونها على المنطقة التي رسم أعداؤنا خريطتها الجديدة. عرس الدم العربي لا تشبه عرس دم لوركا إلا من حيث اضطهاد المرأة المستهدفة في كل الحروب، خاصة ونحن نذكر أن لوركا كتبها أثناء الحرب الأهلية في إسبانيا.
عرس الدم العربي يفيض في غزة وفي العراق. ففي العراق تخطف النساء، وتسبى النساء ، وتقتل النساء. ويتركن خلفهن أطفالا يُتّما لا يأويهم إلا الشوارع والزقاقات. كل ذلك من أجل أن يشبع الخاطفون غرائزهم الوحشية في غابات ما قبل التاريخ، وفي غابات القرن الحادي والعشرين.
أما في غزة الكبرياء، فيشعر المرء بالخجل حين يكتب عن غزة. فالكلمات باهتة، شاحبة، ضئيلة أمام عرس كهذا، عرس دموي ملطخ بعار أمة بأكملها، وقفت كالمعتوهة تتفرج، وتصرخ، وتلطم، كعادتها كلما ألمّ حدث جلل. ويكتفي أولياء أمورها بالشجب والاستنكار ومطالبة الجهات الدولية المتواطئة لوقف القتال كي يعطوا للعدو فرصة للمّ شملهم المتداعي. أطفال كأنهم خرجوا للتو من تحت أنقاض هيروشيما، ومن بين فكّي دراكيولا، والفوسفور الأبيض يحرق الأجساد الطرية. ما يزال دمهم حارا، يغمرهم الغبار جراء تهدم منازلهم ومدارسهم ومساجدهم وأسواقهم…. عليهم.
صورة كل طفل شهيد تحكي قصة، الأجساد المبتورة من نصفها، الأطراف المقطعة، الأدمغة المفرّغة من الرؤوس.. وصورة كل أم مرمية شهيدة في زاوية البيت يحيط بها أفراد عائلتها الشهداء تحكي ألف قصة. والأمهات الثكالى، والآباء الذين جلسوا أمام دمار بيوتهم ورحيل عائلاتهم..ينتحبون. ويخرج الأطفال والشباب الناجون من هذا الدمار ليعلنوها إشارة النصر، وأنهم سيواصلون الصمود. أسطورة لم يشهد التاريخ لها مثيلا، ووحشية من قبل العدو الصهيوني وأذنابه تخجل منها وحوش الغابات.
طوبى لكِ يا غزة المجد. مقابل كل هذه الوحشية الصهيونية، تخرج المقاومة الفلسطينية من تحت الأرض، جبارة تدوّي كالرعد العاصف، لتعلنها حربا ضروسا فوق الأرض وتحتها، ولتفاجئ العالم المتمدن الحر الديمقراطي صاحب حقوق الإنسان والحيوان وصاحب حقوق الطفل في حياة آمنة كريمة، بصواريخها وتكتيكاتها لتهاجم العدو في جحره، فيتهالك جندهم الذين لا يقهرون متهالكين باكين منتحرين، يطلقون النار على أنفسهم ليهربوا من حرب ظنوها نزهة على شواطئ البحار.
نعم، رحل الكثير من الشهداء الأطفال، لكن غزة ولودة، ونساء غزة ولدن أكثر من ألف وثمانمئة طفل خلال الحرب الهمجية على غزة. أطفال غزة الذي وصفهم العدو الصهيوني بأنهم”أفاع”، وهؤلاء سيكبرون ولن ينسوا، وهم من بداية حياتهم يرضعون حليب المقاومة، ويديرون ظهورهم للعالم القذر كما فعل”حنظلة” شخصية الشهيد ناجي العلي الفذة.
المجد لك يا غزة، لقد علمتنا معنى الكرامة، وأن المقاومة، والمقاومة وحدها هي طريقنا لتحرير الأرض المغتصبة من النهر إلى البحر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى