دعوة لعقد مؤتمر وطني لاعادة النظر في الجلوة العشائرية وحيثياتها

كتب ساطع الزغول

حملت الانباء في الاونة الاخيرة تفاصيل عطوة عشائرية تم ابرامها بين عشيرتين على اثر جريمة قتل وقعت في احدى بلدات محافظة اربد وتضمنت بنودا تنص على اجلاء اهل الجاني خارج مناطق المحافظة الى الابد،علاوة على اجلاء ابناء عمومته وكل من يثبت ضلوعه اوتورطه في الجريمة الى خارج المحافظة لحين الاتفاق على الصلح،شريطة اخلاء منازل الجالين جميعا وعدم تأجيرها أوبيعها.
واللافت ان وفد الجاهة العشائرية الذي ابرم عطوة الاعتراف بالدم ضم وجهاء محافظة اربد الى جانب وجهاء محافظات المملكة،وهؤلاء جميعا وافقوا على بنود العطوة ومن ضمنها البنود المتعلقة بالجلوة على ما فيها من قسوة شديدة، متناسين – وجهاء واولياء دم ومدميين – قوله تعالى في الاية 51 من سورة الاسراء (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وقوله جل وعلا في الاية 83 من سورة المدثر(قل كل نفس بما كسبت رهينة)، علاوة على انه لم ترد في سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم اية معاقبة لاهل المذنب اوالجاني بجريرة اوجناية ابنائهم .
ويرى قانونيون ان ما حدث ويحدث في اقاليم الشمال والوسط والجنوب من تطبيق للجلوة الذي يتضمن ترحيل واخراج اهل الجاني في قضايا القتل والشرف من اماكن سكناهم الى أماكن اخرى بعيدة، قد فقد اطاره التشريعي والقانوني بعد الغاء القانون العشائري العام 1976،منتقدين تطبيق الجلوة العشائرية الذي لم يتوقف بغض النظر عن نتائج المحاكمة القانونية امام القضاء، ومعتبرين انه يقوض سيادة القانون، وينتهك مبدأ فردية العقوبة التي لا يجوز ايقاعها الا على الجاني وحده، وعدم امتدادها الى عائلته وأقاربة.
الموقف الشعبي والعشائري من الجلوة يتنازعه طرفان احدهما يؤيد الاستمرار في تطبيقها،ويعتبرها ذات اهمية بالغة وضرورة شديدة لحقن الدماء في النزاعات العشائرية عند وقوع بعض الجرائم، فيما ينتقد الثاني تطبيق الجلوة والتوسع في دائرة المشمولين بها من اقارب الجاني التي كانت تشمل في بعض الاحيان الاقارب حتى الجد الخامس.
وفيما يطالب قانونيون بضرورة معالجة السلبيات في واقع القضاء العشائري والتقليد لعشائرية بما يتلاءم مع التطور والتحديث في كل مناحي الحياة، يشير مؤيدوالابقاء على الجلوة الى ان القضاء العشائري يشكل الضمانة الرئيسية، بالتعاون مع الاجهزة الرسمية، في تلافي وقوع نزاعات اجتماعية وعشائرية كبيرة، خاصة في اللحظات الاولى لارتكاب جرائم القتل اوهتك العرض اوالاغتصاب اوالخطف بالاكراه. وهو ما يعرف اصطلاحا باسم ”فورة الدم” ،وصولا الى تطبيق الجلوة العشائرية على اقارب الجاني في الجرائم المذكورة.
وحسب التقارير التي تتداول مختلف المواقف من هذه المسألة، فان الاجهزة الرسمية لا تزال ترعي بشكل اوبآخر تطبيق التقاضي العشائري في سبيل ايجاد حلول للنزاعات بين المواطنين خاصة في المناطق التي تحتل فيها العادات والقيم العشائرية حيزا واسعا في حياة سكانها.وان ذات الاجهزة هي التي تدفع اقارب المتورطين في الجريمة الى الجلاء خارج المنطقة بمتابعة ورعاية من الحاكم الاداري واذرعته التنفيذية في شرطة المحافظة على الرغم من ان هذه الجلوة التي تُمارس بشكل واسع ليست عرفا، وانها تواجه بالاستنكار من قبل قطاع واسع من الناس،على العكس من العطوة العشائرية التي تجد رضا وقبولا لدى المواطنين لأنها تسهم في تهدئة النفوس وامتصاص الغضب ونزع الاحتقان.
وردا على مقولة ان الجلوة العشائرية تجد غطاء رسمي وقانونيا من قبل الدولة واجهزتها الرسمية، استذكرت التقارير تصريحاً بهذا الخصوص لوزير الاعلام والاتصال الاسبق نبيل الشريف حيث قال: (ان الحكومة استندت على محضر اجتماع شيوخ الاردن عام 1987،حيث صدر محضر اجتماع الجلوة الذي وقعه انذاك الراحل الملك الحسين بن طلال، ومنذ ذلك التاريخ اصبح هناك اتفاق بين العشائر بمباركة الملك على ان تنحصر الجلوة في القاتل ووالده واقاربه من الدرجة الاولى، وقد صدر للحكام الاردنيين تعليمات بالتشدد في تطبيق الجلوة واقتصارها على درجة القرابة الاولى، وان لا تتعدى ذلك، بعد ان كانت في السابق تشمل حتى الجد الخامس.
وفي هذا السياق ربط المراقبون ما بين هذا الاستناد وفشل عشرات الوثائق الموقعة لتنظيم عملية الجلوة العشائرية من حيث اقتصارها على ذوي الجاني الواردين بدفتر العائلة فقط دون امتدادها الى الاقارب، وليس كما هو معمول به حاليا حيث لا تزال تنفذ بحق اهل واقارب الجاني.
ومن هذا المنظور فان الجلوة عبارة عن صفحة سوداء في حياة المجتمع الاردني لما تسببه من تشريد للكثير من العائلات ممن لا ذنب لهم سوى انهم على صلة قرابة بالقاتل اومرتكب الفعل، ما يجعل هذه الاسر عرضة للتشرد والضياع ويسهم في خلق حالات بلبلة سلبية في المجتمع نتيجة القهر والمعاناة الانسانية الكبيرة جراء تشريد هؤلاء الاقارب من بيوتهم وابعادهم عن اماكن سكناهم لذنب لم يرتكبوه.
وقد اعتبرها ناقدوها ومناهضوها قضية شائكة تحتاج الى عناية واتفاق، محذرين من ان الاستمرار في الاخذ بها يتسبب في مشاكل اجتماعية ومعيشية كبيرة لالاف الاسر، خاصة في القرى والمحافظات التي تضطر الى ترك بيوتها واحيائها وقراها، واللجوء الى قرى ومناطق اخرى لشهور وسنوات، فضلا عن تسببها في ترك المئات لوظائفهم او مصدر رزقهم هربا من الانتقام والتزاما بتقاليد الجلوة.
كما اعتبر العديد من القانونيين انها تتعارض مع ميثاق الامم المتحدة،والمبادئ الاساسية لحقوق الانسان، وانها بمثابة عقوبة جماعية لا تجوز في ظل دولة القانون والمؤسسات، وانها بحاجة الى تعديلات جذرية بعدما اختلفت الظروف الحياتية كلها فاصبحت الجلوة تشكل عبئا ثقيلا لا يقوى الناس على احتماله فليس من المعقول ان يتم ترحيل عشرات العائلات بيوتها اواملاكها.. ‘فالطلاب يتركون جامعاتهم ومدارسهم، والموظفون يتركون اعمالهم ووظائفهم، والتجار يتركون مصالحهم”، من اجل شخص لم يختاروا اصلا مشاركته صلات القربى اوالنسب بالدم، وكل ذلك بمثابة خلخلة لار كان المجتمع لابد من وقفها.
المدافعون عن الجلوة والحريصون على ضرورة استمرار العمل بها يرون انها ذات ايجابيات في مسألة حقن الدماء وعدم توسع الجريمة، مشيرين الى انها منعت تطور الكثير من الاحداث الى ما هو أسوأ، ولكن العديد من رجال القانون يؤكدون ان دواعيها اختلفت في الوقت الراهن، اذ يوجد قوات امنية لحفظ النظام والامن من واجبها ضمان عدم اعتداء شخص على اخر بدون وجه حق، مبينين ان دولا اخرى مثل العراق وسوريا يتواجد فيها ملايين الاشخاص من ابناء العشائر ،لكنها لا تتعامل بالجلوة العشائرية والسبب هو قوة النظام القضائي والامني فيها.
وفي سياق الانتقادات القانونية الموجهة لهذا الفعل المذموم يؤكد القانونيون ان الجلوة ما هي الا تكريس لعدم الاحتكام الى القانون،وان اجراءات الحكام الاداريين في تطبيقها متوارثة وغير قانونية،داعين وسائل الاعلام المختلفة الى توعية الناس بسلبيات مثل هذه العادات التي اصبحت تلحق اضرارا بالمجتمعات،والعمل بشكل حثيث على ضرورة التخفيف من غلواء هذا الاجراء، واقتصاره اذا كان لابد من استمرار العمل به على المتسبب فقط ، وعدم اخذ الآخرين بجريرته .
في خضم الجدل حول ايجابيات وسلبيات الجلوة العشائرية والتجاذب في الاراء ما بين استمرارها اووقفها يرى بعض الخبراء ان عملية الجلوة من الناحية القانونية تعتبر مؤسسة صلحية بين الناس، تخفف من عمليات ”فورة الدم”اي ردود الفعل غير العقلانية التي يمكن ان تؤدي الى ارتكاب اهل المجني عليه لجرائم بحق اهل الجاني، وهي بمثابة عادة وعرف بين العشائر الاردنية، وانها تصب في قناة خدمة قانون العقوبات الاردني، باعتبار ان عملية الثأر متأصلة في المجتمع العربي بشكل عام، فيما وجه العديد من المتجاذبين انتقادا الى قانون منع الجرائم ووصفوه بأنه مثير للجدل كونه يمنح الحكام الاداريين سلطات واسعة عند تطبيق الجلوة بكافة مراحلها، تحت طائلة التهديد بسجن المحتجين اوالذين يتلكأون في الرحيل .
خلاصة القول..بصرف النظر عما اذا كان تطبيق الجلوة يتم حتى الجد الخامس اوالجد الثالث وفق ما تم تعديلة، اوبموجب دفتر العائلة، فقط فهو اجراء وان كان احترازيا غايته تجنب المواجهة بين اهل الجاني والمجني عليه وليس عقابيا.
يتناقض مع حقوق الانسان،ويحول دون تطور المجتمعات وتقدمها،ولا يراعي الظروف والاحوال المعيشية التي تمليها تطورات العصر الراهن وبالتالي لابد من وقف العمل به،وافساح المجال للقانون ومنطق الحق والعدل ان يأخد مجراه .
واذا كان هناك اصرار على استمرار العمل به فلا بد من التنادي لعقد مؤتمر وطني بمشاركة رجال القانون وعلماء الشريعة وشيوخ ووجهاء العشائر والنواب والاعيان لبحث هذا الموضوع بحثا تراعي فيه مصلحة المواطن، والتطابق ما بين تطور المجتمعات والاعراف والعادات التي يقود بعضها – شأن الجلوة – الى اعباء اقتصادية ونفسية ومجتمعة هي القتل بعينه،وكأني باهل الجاني قد هربوا من الدلف الى تحت المزراب.
والسؤال..ماذا يضير اولياء الدم اومن هم في حكمهم من تفعيل شخصنة العقوبة بايقاعها على الجاني وحده، وعدم امتدادها الى عائلته واقاربة الذين يكون بعضهم احيانا على خلاف معه فتكون العلاقات بينهما اما مقطوعة اوشبه مقطوعة.
فهل نجد من يستمع الى صوت العقل والمنطق والحق، فيدعو الى المؤتمر العتيد لادخال تعديلات جذرية على عملية الجلوة حفاظا على حقوق الناس وعدم الاثقال عليهم، وعدم تعريض حياتهم للخطر ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى