خلاف حاد بين البغدادي والقرضاوي يدخل اهل السنة في متاهة عنوانها “الخلافة”

اعلن فيلسوف الاشتراكية القديم كارل ماركس ان التاريخ لا يكرر نفسه الا في احدى صيغتين : مهزلة او مأساة.. ويبدو ان المدعو ابو بكر البغدادي قد اختار صيغة المأساة حين نصب ذاته خليفة للمسلمين في دولة الخلافة الدامية التي انشأتها الاسبوع الماضي عصابات داعش واخواتها فوق ارض سورية وعراقية.
وبدل الحرية والديموقراطية وحق الاختلاف والتعددية السياسية التي بشرتنا بها ثورات ”الربيع العربي” المزعوم او المغدور.. فقد خرج علينا ”الخليفة البغدادي” من على منبر الجامع الكبير في مدينة الموصل يوم الجمعة الماضي، مطالباً سائر المسلمين بالسمع والطاعة والمبايعة دون تردد او نقاش.. الامر الذي يعني ترحيل الشعوب والمجتمعات العربية والاسلامية الى زمن دولة الخلافة قبل مئات الاعوام، وليس نقل مفهوم دولة الخلافة الى الزمن الحاضر وتطبيقه على الارض وفقاً لمستجدات هذا العصر ولوازمه واشتراطاته.
وقال ابو بكر البغدادي بحسب ما جاء في اول ظهور علني مصور له في الجامع الكبير في مدينة الموصل العراقية ”اطيعوني ما اطعت الله فيكم”.
وارتدى البغدادي صاحب اللحية الرمادية الطويلة وهو يخطب بالمصلين في الموصل عباءة سوداء، ووضع على رأسه عمامة سوداء ايضا.
وقال ان الله ”امرنا ان نقاتل اعداءه ونجاهد في سبيله لتحقيق ذلك واقامة الدين”، مضيفا ”ايها الناس ان دين الله تبارك وتعالى لا يقام ولا تتحقق هذه الغاية التي من اجلها خلقنا الله الا بتحكيم شرع الله والتحاكم اليه واقامة الحدود ولا يكون ذلك الا ببأس وسلطان”.
وتابع البغدادي الذي يتحدر من مدينة سامراء العراقية ”اخوانكم المجاهدون قد من الله عليهم بنصر وفتح ومكن لهم بعد سنين طويلة من الجهاد والصبر لتحقيق غايتهم، فسارعوا الى اعلان الخلافة وتنصيب امام وهذا واجب على المسلمين قد ضيع لقرون”.
واعلن ”لقد ابتليت بهذا الامر العظيم، لقد ابتليت بهذه الامانة، امانة ثقيلة، فوليت عليكم ولست بخيركم ولا افضل منكم، فإن رأيتموني على حق فاعينوني، وان رأيتموني على باطل فانصحوني وسددوني، واطيعوني ما اطعت الله فيكم”.
ويأتي عرض الصورة ومقطع الفيديو بعد تقارير إعلامية تحدثت عن إصابة زعيم التنظيم بجروح بليغة، الخميس الماضي، جراء غارة شنها الطيران العراقي على مدينة القائم بمحافظة الأنبار الحدودية مع سوريا.
وقد برر تنظيم ”داعش” ظهور البغدادي، بعمامة وملابس سوداء بأنه اقتفاء بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام.
وقالت داعش في تغريدة على مواقع تستخدمها، انه قد جاء في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: ”رأيت النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء تفقّه”.
وكان البغدادي قد دعا في وقت سابق سائر مسلمي العالم للهجرة إلى دولته، كما بشر البغدادي في كلمة له ”بفتح روما وامتلاك الأرض بمناسبة حلول شهر رمضان.
وطالب البغدادي جنود الدولة الإسلامية بعدم التطلع إلى الدنيا والاستمساك بالسلاح دفاعًا عن أعراض المسلمين وأسراهم وحقوقهم المسلوبة حول العالم.
ونقلت وكالة ”حق” عن البغدادي قوله: ”عما قريب إن شاء الله ليأتين يوم يمشي فيه المسلم بكل كرامة مرفوع الرأس”، مضيفًا ”إننا اليوم في زمان جديد، فللمسلمين اليوم كلمة عالية مدوية”، معتبراً أن إعلان ”دولة الخلافة” بشرى للمسلمين، ”لأنه أصبح لهم دولة وخلافة تدافع عنهم وتستعيد حقوقهم وسيادتهم، وخلافة تجمع القوقازي والهندي والعربي والأمريكي والفرنسي والألماني والأسترالي” .
غير ان احد شيوخ عشائر محافظة الأنبار كشف يوم الجمعة، عن مغادرة غالبية علماء الدين وشيوخ عشائر الفلوجة المدينة، عازياً ذلك إلى الخشية من اجبارهم على مبايعة تنظيم ”داعش”.
وقال الشيخ في حديث لـ”السومرية نيوز”، إن ”اكثر من 120 عالم دين و150 شيخ عشيرة وعدداً من الوجهاء غادروا الفلوجة منذ سيطرة مسلحي (داعش) على المدينة ولغاية الان خشية من اجبارهم على مبايعة المسلحين وانتمائهم لهم”.
وأضاف الشيخ الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن ”مدينة الفلوجة لا يوجد فيها اليوم ألا عشرة علماء دين وربما اقل من ذلك وعشرة من شيوخ العشائر والوجهاء اما البقية فهم من سكان المدينة القلة المتواجدين فيها”.
وفي الدوحة أكد يوسف القرضاوي الذي يعد من أهم مرجعيات تيار الاخوان المسلمين أن إعلان تنظيم داعش اقامة ”الخلافة”، هو ”باطل شرعا” و”لا يخدم المشروع الاسلامي”.
وقال بيان للاتحاد العالمي للعلماء المسلمين يحمل توقيع رئيسه القرضاوي ان الخلافة ”نتمنى ان تقوم اليوم قبل غد”، لكن الخطوة التي اتخذها تنظيم ”الدولة الاسلامية” يترتب عليها ”اثار خطيرة على اهل السنة في العراق والثورة في سوريا”.
واعتبر الاتحاد ان اعلان الخلافة وتعيين ابو بكر البغدادي خليفة للمسلمين لا يلبي عدة شروط شرعية، لاسيما مبدأ كون الخليفة ”نائبا عن الامة الاسلامية” باسرها، ومبدأ ”الشورى”، فضلا عن ربط الخلافة ”بتنظيم بعينه اشتهر بين الناس بالتشدد”، ما يؤدي الى الحاق ضرر بمشروع الخلافة.
وقال البيان إن ”الخلافة من الناحية الشرعية والفقهية تعني الإنابة، فالخليفة – لغة وشرعا – هو نائب عن الأمة الإسلامية، ووكيل عنها من خلال البيعة التي منحتها للخليفة، وهذه النيابة لا تثبت شرعا وعقلا وعرفا إلا بأن تقوم الأمة جميعها بمنحها للخليفة، ومن هنا فإن مجرد أمر إعلان جماعة للخلافة ليس كافيا لإقامة الخلافة”..الا ان القرضاوي اكد ان عودة الخلافة كمبدأ هي ”امر جلل تتوق إليه أنفسنا جميعا وتفكر فيه كل عقولنا وتهفو له كل أفئدتنا” مضيفا ”كلنا نحلم بالخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، ونتمنى من أعماق قلوبنا أن تقوم اليوم قبل الغد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى