الاجرام يقوم مقام الارهاب في ترويع الاردنيين بعد الانتشار الكثيف للاسلحة في البلاد

تجسدت حالة الاستياء والاستنكار الشعبي لتزايد معدلات الجريمة في الاردن، بثلاث مذكرات احداها عشائرية صدرت – بناء على اقتراح من النائب معتز ابو رمان – عن عشائر منطقة البلقاء، موجهة الى الملك عبدالله الثاني تطالب بضرورة استئناف تفعيل عقوبة الاعدام بحق مرتكبي الجرائم، مؤكدة حرص العشائر الاردنية على كبح جماح ظاهرة الجريمة والاستهتار بارواح المواطنين، والتي اصبحت ترتفع بشكل ملحوظ.
والى جانب هذه المذكرة/النداء، طالب 63 نائباً في مذكرتين منفصلتين بالعودة الى تطبيق عقوبة الاعدام، ففي المذكرة الاولى التي تبناها النائب عشاف الشوبكي طلب 39 نائباً من رئاسة مجلس النواب مخاطبة الملك لتفعيل عقوبة الاعدام، اما المذكرة الثانية التي تبناها النائب امجد المسلماني وحملت توقيع 24 نائباً، فقد قالت ان عدم تطبيق عقوبة الاعدام اصبح حافزاً لضعاف النفوس ومن لديهم ميل اجرامي لارتكاب جرائم يرفضها المجتمع، وتتعارض مع الشريعة التي يعتبر اول مقاصدها حفظ النفس.
يذكر ان الجريمة في الاردن باتت على نحو غير مسبوق تشهد ارتفاعاً وتنوعاً في الشكل والمضمون، وصار التعدي على الآمنين وازهاق الارواح على ايدي اشخاص اداروا ظهورهم لنداء الضمير، وقلبوا لانسانيتهم ظهر المجن، شيئاً مألوفاً، اذ تحمل الينا الاخبار كل يوم حكاية عن جريمة ارتكبت في مكان ما من ارجاء الوطن، حيث تقشعر الابدان لغرابة بعضها، او تفاهة ولا معقولية الاسباب التي دفعت الى ارتكابها وخروجها عن قيم المجتمع وتقاليده.
فعلاوة على عدة جرائم متنوعة الاسباب وقعت خلال النصف الثاني من الشهر الماضي، وقوبلت بالغضب والرفض، قالت تقارير احصائية ان جريمة واحدة كانت ترتكب كل 15 دقيقة و58 ثانية في الاردن عام 2012، وان جريمة كانت ترتكب كل دقيقة ونصف عام 2013.
وفي التفاصيل كشف التقرير الاحصائي الجنائي لعام 2012، ان عدد جرائم القتل القصد المرتكبة ذلك العام بلغ 71 جريمة، مقابل خمس جرائم ضرب افضى الى الموت، و82 جريمة قتل عمد ”مع سبق الاصرار والترصد”، و513 جريمة شروع في القتل، بالاضافة الى 130 جريمة خطف، وتسع جرائم اجهاض، و116 جريمة تزييف، و177 جريمة تزوير جنائي، و524 جريمة اتجار بالمخدرات، و5798 جريمة سرقة جنائية، و93 جريمة رشوة، وثمان جرائم اختلاس، و142 جريمة زنا، و7154 جريمة اطلاق عيارات نارية، و67 جريمة بغاء، و373 جريمة تعاطي مواد مخدرة، و4908 جرائم سرقة سيارات، وثمان جرائم مقامرة، و86 حالة انتحار، بنسبة زيادة بلغت %120.
مناطقياً.. كان نصيب اقليم العاصمة من جرائم ذلك العام 17305 جرائم، واقليم الوسط 6735 جريمة، واقليم الشمال 5169 جريمة، واقليم الجنوب 1413 جريمة، والعقبة 1113 جريمة، ومناطق البادية 1194 جريمة.
وكشف ذات التقرير عن وقوع 33 الفاً و853 جريمة مختلفة في عام 2013، في حين بلغ عددها في العام الذي سبقه 32 الفاً، و929 جريمة متنوعة.
بالمقابل كشفت احصائيات وزارة العدل ان الجنايات الكبرى والصغرى والجنح المرتكبة خلال عام 2011، بلغ مجموعها 156 الفاً و257 جريمة، وفي عام 2012 بلغت 163 الفاً و143 جريمة، ولغاية شهر تشرين الاول من عام 2013 بلغت 131 الفاً و240 جريمة.
اما احصائية المعدل الطبيعي لنمو الجريمة في الاردن الصادر عن ادارة البحث الجنائي، فقد اشارت الى ان عدد الجرائم في عام 2008 بلغ 44 الفاً 722h جريمة، وفي عام 2009 بلغ 48 الفاً و808 جرائم، وفي عام 2010 بلغ 53 الفاً و362 جريمة، وفي عام 2011 بلغ 60 الفاً و626 جريمة، وفي عام 2012 بلغ 62 الفاً و917 جريمة، وهذا مؤشر على تزايد اعداد الجرائم في الاردن.
وحسب احصائية جرائم القتل الصادرة عن ادارة البحث الجنائي في مديرية الامن العام، فان عدد جرائم القتل عام 2011 بلغ 133 جريمة، وعدد الجناة 165، اما في عام 2012 فقد بلغ 351 جريمة وعدد الجناة ,183 وحتى شهر ايلول من عام 2013 بلغ عدد الجرائم 81، فيما بلغ عدد الجناة 104.
الى ذلك اشارت دراسة اجراها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية الى تزايد جرائم الاعتداء على اموال الغير بنسبة وصلت الى %180 خلال الفترة ما بين الاعوام 2005 و2009، فيما تزايدت جرائم السرقة الجنائية واساءة الائتمان بنسبة %160، كما تزايدت جرائم الرشوة بنسبة %155، وتسارعت اعداد الجرائم التي تشكل خطراً على السلامة العامة كاطلاق العيارات النارية واضرام الحرائق والاتفاق الجنائي بنسبة %254.
في مواجهة هذا الكم المتزايد من الجرائم تساءل المراقبون عن الاسباب التي جعلت المواطن عصبياً وانفعالياً يثور لاتفه الاسباب، ولا يطيق صبراً اذا ما اصطدم بما يتعاكس مع رغباته ومآربه ومصالحه ؟
ايضاً اصبح السؤال المشروع هو، لماذا فقد بعض الاردنيين فضيلة الصبر واحترام انسانية الآخر وحقه في الحياة، وحل مكان ذلك السلاح الناري والابيض كوسيلة للحوار، واداة لحسم الخلاف حسماً قاطعاً مفضياً الى الموت او الاعاقة الشديدة ؟
ولماذا تصبح مؤسسات الوطن والمرافق الخدمية الرسمية ومراكز الشرطة هدفاً للعنتريات، وموضعاً لاستعراض الزعرنة، بدعوى الضغط على الاجهزة المعنية للكشف عن الجاني خلال مهلة محددة، ما يدفع ادارات الامن العام بالتنسيق مع الحكام الاداريين الى ابرام عطوة ”عشائرية” باسم الامن العام لتهدئة نفوس اقارب المجني عليه واقناعهم باستلام جثته ومواراتها الثرى، وضمان عدم قيامهم بقطع الطريق او التعرض للافراد والمؤسسات، والسؤال هنا.. بأي منطق وحق نقبل ان ترضخ الجهات المنوط بها السهر على راحتنا وحمايتنا، لجاهليتنا واغراقنا في ”شوفة الحال”، ونقبل بهذا التطاول على هيبة الدولة وصلاحيات مؤسساتها ؟؟
مراقبون هالتهم الاجواء الجرمية الملبدة بالسوداوية والجاهلية، قالوا ان الاردن يحث الخطى ليقع في مقبل الايام بين شقي رحى احدهما هو الارهاب الذي يطحن هذا الاوان دولاً مجاورة شمالاً وشرقاً، وان خطر تمدده الى بلدنا ليس مستهجناً ولا مستغرباً، اما الشق الثاني فهو الاجرام الذي يتموضع ويتلون كل يوم بلون ووضع مختلف يقود الى تساؤل عما اذا كان الوطن هدفاً لحروب بالوكالة يخوضها قتلة ومعتدون آثمون لحساب قوى خفية ليست بعيدة عن الشيطان والشيطنة على اية حال.
وقالوا ان ارتفاع نسبة الجريمة في الاردن بات يمثل مؤشراً خطيراً يستدعي من الاجهزة والدوائر المعنية اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمواجهة هذه الآفة التي سوف تتسبب في اهتزاز النظام الاجتماعي، وتفتيت قيم الامن المجتمعي، مؤكدين ان ما يمر به الاردن من تحولات وما تشهده هيبة الدولة والقانون من تراجع، يشكلان تربة خصبة وبيئة فاعلة تساعد على نمو الجريمة وسرعة انتشارها.
نحن ندرك تماماً بان الاردن يتمتع بأمن سياسي ملحوظ رغم ما يحيط بنا من فوضى داعشية وتنويعاتها في غير مكان، ونثق بقدرة قواتنا المسلحة على حماية ثغورنا وحدودنا، والحفاظ على امننا وسلامتنا، ولكن ما يخيفنا هو تصاعد وتيرة وتنوع الجرائم، بمعنى آخر.. ان الاردن العصي على الارهاب بفضل احترافية الاجهزة الامنية والعسكرية، مفتوح على الاجرام بسبب خور التنظيرات السياسية والاقتصادية التي سوّقها ويسوّقها علينا ساسة لا يعرفون من تضاريس الوطن الا مكاتبهم وطريق المطار.
وفيما تساءل مراقبون عن ماهية التغييرات البنيوية التي طرأت على المجتمع وادت الى ارتفاع الجريمة في السنوات الاخيرة بشكل ملحوظ، وعن العلاقة ما بين هذه الزيادة والموجات المتتالية من الهجرات البشرية التي داهمت الاردن في العشرية الاخيرة، قال آخرون ان التغييرات التي حصلت في التركيبة السكانية وازدياد عدد الجنسيات الوافدة على الاردن، قد ساهم في تطور الجريمة شكلاً ونوعاً وعدداً، بالاضافة الى المكون المحلي للجرائم التي تقوم في اغلبها لاسباب مالية واقتصادية وخلافات عشائرية ومشاجرات طلابية وعنف مجتمعي، واورد طرف ثالث ثلاثة اسباب رئيسية لتزايد الجريمة، اولها اقتصادي جراء شظف العيش، وثانيها سياسي جراء قانون الصوت الواحد الذي دمر اللحمة الوطنية، فتحول المجتمع الاردني الى حارات وبطون وولاءات جزئية، وثالثها امني جراء فتح الحدود على مصاريعها مع دول الجوار المضطربة، ما ادى الى انتشار السلاح بين ايدي المواطنين استخداماً وتجارة وتهريباً، فضلاً عن انتشار المخدرات والتهريب بانواعه، بما في ذلك تسلل الارهابيين.
خلاصة القول يمكن ان تجسده الحكمة المعروفة.. ”من أمن العقوبة اساء الادب”.. لذا فان جميع الجهات المعنية مطالبة بوضع سياسات تسهم في التخفيف من الجريمة من خلال محاربة اسبابها وتجفيف منابعها ودوافعها قدر الامكان وبما يمكّن من الوصول الى الحد الادنى منها.
ويتطلب الوصول الى ذلك التخفيف اجراء حوار تثقيفي توعوي يشمل جميع شرائح المجتمع دون استثناء لبيان مخاطر استخدام السلاح، وتسييد القانون وتفعيل العقوبات المجمدة وعدم إغفال دور الخطاب الديني في محاربة الجريمة، والعمل على ايجاد منابر اعلامية راشدة للحض على محاربة الجريمة، والعمل على اعادة النظر في المناهج التربوية في المدرسة والجامعة، وتطوير مفاهيم العمل الخيري بحيث يشتمل على مشاريع تنموية تستقطب العاطلين عن العمل، وتقوم بتضييق فجوة الفقر وضعف المداخيل المالية اتي تساعد على توفير حياة افضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى