الشعوبية بين المفهومين التاريخي والاجتماعي

بقلم : د.صبري محمد خليل/ الخرطوم

تنقسم الشعوبية منذ ظهورها في بعض الشعوب غير العربية التي اعتنقت الاسلام، وعلى رأسها الفرس الى مفهومين، اولهما تاريخي، وثانيهما اجتماعي، اما اسباب ظهورها فهي ثلاثة اسباب، وفق ما يرد تالياً :

أولا: المفهوم التاريخي : يتمثل المفهوم التاريخي للشعوبية فى انه عندما ظهر الإسلام كان الفرس فى طور الشعب ، بينما كان العرب في قلب الجزيرة في طور القبائل، فارتقى إلاسلام بالعرب إلى طور أمة، ثم حمل العرب إلاسلام إلى الفرس ليرتقي بهم إلى أمة مسلمة، غير أن هناك من يرفض هذا الارتقاء، كما كان يستعلى على العرب حملة إلاسلام ،فكانت الشعوبية الفارسية مناهضة للإسلام والعرب معا.يقول أبن قتيبه(وبلغني أن رجلا من العجم احتج بقول الله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، وقال الشعوب من العجم والقبائل من العرب والمقدم أفضل من المؤخر وكنت أرى أهل التسوية يحتجون بهذه الآية) ويقول أيضا (إن الشعوبية بفرط الحسد ووغر الصدر تدفع العرب عن كل فضيلة ، وتلحق بهم كل رذيلة ، وتغلو في القول في الذم، وتبهت بالكذب ،وتكابر العيان وتكاد تكفر، ثم يمنعها خوف السيف) (كتاب العرب أو الرد على الشعوبية، أبن قتيبه – رسائل البلغاء، محمد كرد علي، ص 344).ويقول البغدادي (الشعوبية الذين يرون تفضيل العجم على العرب ويتمنون عودة الملك إلى العجم) (البغدادي، الرق بين الفرق، ص285).
ويقول ابن منظور (الشعوبية فرقة لا تفضل العرب على العجم وإنما تنتقض العرب ولا ترى لهم فضلا على غيرهم) وقد طعن الشعوبية في العرب، فعابوا حضور بديهتهم وفصاحة خطبهم وبلاغتهم … وسخروا من آلاتهم وأساليبهم في الحرب وخططهم في القتال وسخفوا عيشهم ومطاعمهم ومآكلهم، ووصفوهم بالتأخر في العلم والصناعة وإلادارة والسياسة، كما ألفوا كتب ، فيونس أبي فروة كتب كتابا في مثالب العرب وعيوب إلاسلام، وعلان الشعوبي صنف كتاب الميدان في المثالب هتك فيه العرب واظهر مثالبها، وأبو عبيده ألف كتاب أدعياء العرب، وكتاب لصوص العرب. ورغم ان هذه الشعوبية التاريخية خفتت فى مراحل تالية، إلا أنها استمرت فى الظهور عبر تاريخ إيران، رغم تغيير الانظمه السياسية،أخذة أشكالاً متعددة، لتشكل عائقاً اساسياً يحول دون تحقيق اى شكل من أشكال التضامن او الوحدة بين الأمتين المسلمتين الايرانية والعربية،فى مواجهه الكيان الصهيوني والامبريالية الامريكية، غير أن هذه الشعوبية التاريخية لم تكن مقصورة على بعض الفرس، بل كان منها بعض من ينتمون إلى الشعوب العريقة التي ارتقى بها إلاسلام إلى طور أمة عربية كالنبط … (رسائل الجاحظ تحقيق عبد السلام هارون، ج1 ، ص 179 )
ثانيا: المفهوم الاجتماعي: أما المفهوم الاجتماعي للشعوبية فيتمثل فى محاولة الارتداد بالجماعة التي دخلت طور أمة إلى طور الشعوب السابق، وطبقا لهذا المفهوم فان الشعوبية موجودة في كل أمم الأرض ، وهى تقوم فى الامة العربية المسلمة ،على الدعوة إلى إلغاء أربعة عشر قرنا من التاريخ، أوجد فيه إلاسلام للعرب أمة، ليعودوا إلى الشعوب العريقة كالقبط والفراعنة في مصر، والأكراد في العراق، والفينيقيين في الشام ،… الخ، فأنصار الشعوبية طبقا للمفهوم الاجتماعي فى الامة العربية المسلمة إذا يعتبرون ان العرب لا يزالون منذ ثلاثة عشر قرنا من التاريخ أو أكثر مغتصون لما كان أجدادهم يملكون .
أسباب ظهور الشعوبية: هناك عده أسباب متفاعلة أدت الى ظهور الشعوبية في الامة العربية المسلمة منها:
اولا: محاوله الناس البحث عن حل لمشاكلهم من خلال علاقات أضيق من الامة (التي حال عوامل معينه ”تخلف النمو الاجتماعي والحضارى”، دون أن تبرز كطور يمكن للناس من خلاله حل مشاكلهم)او الوطن (الذى حالت عوامل معينه دون ان يكون بالنسبة للقبائل الشعوب التى يضمها، بمثابة الكل للجزء ، يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه).
ثانيا:ان الاستعمارعمل على تجزئة الامة العربية المسلمة (اتفاقية سيكس بيكو)، مما مهد الطريق امام الشعوبية طبقا لمفهومها الاجتماعى، فالشعوبية هنا تشكل الأساس الفكري لتجزئة الامه العربية المسلمة، لانها تقوم على الدعوة إلى عوده العرب إلى الشعوب السابقه على طور الامة.
ثالثا: فى احيان اخرى ظهرت الشعوبية كرد فعل ” متطرف” على مذهب العصبية القبلية العربية الذى يفهم العروبة على أساس عرقي لا لغوي حضاري، وترتبط عنده هذه الوحدة المطلقة في مجال الهوية ، بوحدة مطلقة في المجال السياسي الاقتصادي القانوني، مضمونها الغاء المساواة بين الجماعات القبلية والشعوبية ذات الاصول غير العربية، والجماعات القبلية ذات الاصول العربية.
الآثار السالبة للشعوبية: إذا كان من أسباب ظهور الشعوبية طبقا لمفهومها الاجتماعي هو محاولة الناس البحث عن حل لمشاكلهم من خلال علاقات أضيق من الامة، فان هذه المحاولة لن تنجح أيضا من خلال الشعوبية ، ذلك أنها محاولة فاشلة للعودة إلى طور تكوين اجتماعي تجاوزه التطور الاجتماعي .
وإذا كانت الشعوبية طبقا لمفهومها الاجتماعي موجودة في كل أمم الأرض ، فأنها في الأمم المسلمة ( كالامة العربية) ذات طابع خاص، إذ أن إلاسلام هو الذي ارتقى بها إلى طور الامم، الشعوبية إذا في الامم المسلمة لابد أن تكون مناهضة للإسلام .
من اليات تجاوز الشعوبية : اما اليات تجاوز الشعوبية فتتمثل فى: العمل على إلغاء التخلف الاجتماعي والحضاري ، وتاكيد المساواة بين الجماعات القبليه والشعوبيه المختلفة، وتاكيد الانتماء الوطنى والقومى والدينى، ونشر الوعي الاجتماعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى