الوضع الراهن للأمة العربية

 

أصبحت المسألة القومية تحتل مركز الصدارة في العمل السياسي العربي بعد ظهور القائد جمال عبد الناصر كعنصر ضاغط وفاعل ومؤثر في السياسة العربية في الوطن العربي. فبدت القومية العربية في تلك الفترة الراية التي تخاض كل المعارك باسمها.

ومع نكسة الانفصال عام 1961، والانتكاسات التي أصابت قوى الثورة العربية في بعض الأقطار العربية، بدأت تفاعلات في حركة القومية العربية، ترتبت عليها تغييرات عميقة سلباً، وبدا كما لو أن هناك حالة من الجزر القومي العربي، فلم يعد الحديث للانجاز والأعمال، وإنما صار الحديث عن الشعارات ، والصياغات العقائدية المحبوكة والدقيقة.

وأصبح الهدف هو تزييف الوعي العربي، وإشغال المواطن بالحديث عن النظريات الوحدوية المنفصلة عن الواقع. واستمرار التأكيد على العموميات القومية وسلوك منفصل عن الحدث والواقع. وإذا نظرت إلى جميع أجهزة صناعة الرأي والفكر لوجدتها في قبضة الأنظمة الحاكمة وتحت هيمنتها وفي مصلحتها. وأبسط ما ترتب على ذلك هو التعتيم الكامل على كل ما يمكن أن يقلق راحة الحاكم، وتزييف وعي المواطن العربي في كل قطر، حتى يمكن تعبئته وراء ما يدعم هذه النظم الحاكمة. ويترتب على ذلك محاربة المواطنين والمثقفين ومطاردتهم واعتقالهم بشكل دوري ومستمر.

وتظل الأقطار العربية تلهو في مشاريع إنمائية مظهرية تدغدغ مشاعر المحرومين، ثم فجأة تضيع في الرمال، فور أن تلوح بوادر فقدان الأمة العربية لمظهر قوتها المتمثل في سيطرتها على منابع النفط.

إن الذي يجري الآن محاولة مكثفة لخلق عداء وتعصب في الوطن العربي كله ،بين الأقطار العربية، قائم على الإقليمية والطائفية والمذهبية، وإذا ترك هذا التعصب ينمو كما هو عليه الحال فسوف يصير أمراً بالغ الصعوبة للتغلب عليه. وتدفع القوى الأجنبية ممثلة بالولايات المتحدة وأتباعها من القوى الرجعية المحلية، بالأمور حثيثاً بهذا الاتجاه الذي أضحى يهدد مستقبل الأمة العربية.

إن كل أمة من أمم الأرض تطمح أن يكون لها كيان سياسي، حتى تجمع كافة مواطنيها تحت لواء دولة مركزية واحدة، وأسوأ وضع تعانيه الأمة عندما يتمزق كيانها بين دويلات ، مهمتها أن تجعل الكيانات الإقليمية حقيقة واقعة. ولا يكون استكمال كيان الأمة إلا عن طريق النضال القومي ، فالشعب هو الطاقة الحقيقية والوحيدة التي تغير مجرى التاريخ.

إن وعي ويقظة الشعور القومي لدى الأمة هو الذي مكّن العرب من الانتصار في معركة ذي قار ومن الانتشار في الأرض لنشر رسالة الإسلام. ولا نذكر الرسالة الإسلامية ودولة الراشدين إلا ونذكر معها مكة والمدينة، وتاريخ الأمويين الذي يذكرنا بدمشق، والعباسيون يذكروننا ببغداد.

وإذا نظرنا إلى الوضع الراهن للأمة العربية اليوم ، وما تمر به من إحتراب مدعوم من قوى خارجية ، نجده وضعاً منقسماً على بعضه، مجتمعاً يتمتع بكل عيوب المجتمعات المتخلفة ، يتألف من مجموعة من الفرديات الأنانية المغلقة التي لا تشعر بارتباطها بالمجتمع الذي تعيش فيه.

إن المجتمع العربي بات اليوم مؤلفاً من دول منعزلة عن بعضها ، متفاوتة في درجة تطورها، تتراوح مواقفها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. وتطرح كل دولة شعارات مختلفة متغيرة غامضة، لا يمكن أن ينعقد عليها الاجماع، ولا تصلح دليلاً ولا مخططاً ونهجاً واضحاً.

إن المطلوب اليوم بإلحاح شديد وقف الوضع الراهن المتدهور الذي يسير بسرعة للاقتتال الطائفي والحرب الأهلية. وإعادة صياغة الواقع العربي الذي يجمع شمل الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، ويشكل دليلاً للعمل ومخططاً ينقذ العرب مما هم فيه.

وإن على الأمة أن تهتم بجيل الشباب الذي أصبح نهباً للفكر الارهابي المتطرف، وأن تعمل على إعادة بنائه وتربيته، لخلق جيل متماسك مثقف, وليس مبلبلا بالحيرة والقلق.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى