عملية الخليل…ثنائية الاحتلال ومقاومته

 

إذا لم تك حادثة اختفاء ما، أوتدبير لذريعة افتعلها الصهاينة لتبرير حملاتهم التنكيلية المجنونة التي اعقبتها، فإنها حقاً قد كانت عملية فدائية نوعية بكل المقاييس، إن من حيث التخطيط الدقيق المتقن، أو التنفيذ الجريىء المحكم، أو لجهة اختيارها للهدف الموجع للغزاة المحتلين، تلك هى عملية اسر ثلاثة مستعمرين من قلب عش غلاتهم التلموديين في كتلة مستعمرات “كفار عتسيون” شمالي مدينة الخليل المحتلة. ردة فعل الصهاينة، التي كانت الأشبه بالذهاب إلى حرب شاملة على كل ماهو فلسطيني، من حيث الإستنفار الأمني والسياسي والإعلامي، والبالغ حداً غير مسبوق من الارتباك والتخبط والهيستيريا، يرجِّح فدائية نسبتها وينبىء بمدى نوعيتها، والتي أولى مفاعيلها أنها قد هشَّمت اسطورة الهيمنة الأمنية للمحتلين في الضفة تحديداً، وفضحت في نفس الوقت مدى التنسيق أو التعاون الأمني لأجهزة السلطة الأوسلوية معهم، هذه الأجهزة التي غادرت سلفاً المناطق العرضة للتنكيل قبيل اجتياح الصهاينة لها.

ماتتعرض له ألآن كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد العام 1967، أو الضفة والقطاع، من استباحة وماتلاقيه من بطش لايعكس في بعض أوجهه إلاهشاشة مثل هذه الاسطورة وفشل لسطوتها الأمنية المبالغ في تصويرها. لكنما، يجب أن لايغب عن البال أيضاً أن مثل هذه الهيستيريا القمعية الأمنية، وكل هذا الانفلات العدواني الباطش، إن هما يعكسان فوبيا وجودية كامنة لدي كيان مفتعل تظل جاهزة لأن يوقظها أي خطر يمس أمنه صغر أم كبر ، إلا أنهما يشكلان فرصةً يغتنمها الغزاة لاستباحة الأرض والإنسان الفلسطيني المستفرد بهما، وملاحقة الروح النضالية والإرادة المقاومة لدى شعب فشلت اهوال ونكبات ما ناف على الثلاثة ارباع من القرن في تركيعه أو اطفاء جذوة مقاومته للمعتدين الغاصبين، طبعاً إلى جانب استهدافات أخرى سوف نعرض لها لاحقاً.

استدعاء للإحتياط وزج لفرقتين منه إلى جانب “وحدة شمشون” من قوات النخبة في مدينة الخليل وحدها، ترافقها المناطيد وكاميراتها المحلقة في سماء المدينة المستباحة، وتفتيش من بيت لبيت فيها، بل واغلاق ومحاصرة لكامل الضفة ومداهمات واقتحامات على امتدادها مدناً وقرى ومخيمات  وحتى الجامعات، أما غزة المحاصرة عربياً وصهيونياً فكان من نصيبها الغارات الجوية وقصفها مع التهديد والوعيد بشن حرب “رصاص مسكوب” عدوانية ثانية عليها. لقد تم اعتقال مازاد ، حتى الآن، عن الثلاثماية من القادة والكوادر والمناضلين من كافة الفصائل ولحماس منهم نصيب الأسد، ومن بينهم د. عزيز الدويك رئيس مجلس تشريعي السلطة، إلى جانب اعادة اعتقال 51 من الآسرى السابقين الذين تم الإفراج عنهم في ماعرف ب”صفقة شاليط”، كما استشهد فتى لم يفرج عنه إلا قبل اسبوع واحد من استشهاده، ويتم الآن بحث مسألة نفي من اعتقلوا إلى غزة ونسف بيوتهم. هذا الى جانب معاقبة الأسرى في معتقلات الاحتلال، الذين بلغ الإضراب الجماعي عن الطعام للمعتقلين الإداريين منهم الشهرين حتى الآن، بمنع زيارات ذويهم لهم ، واستنان قانون يفرض تغذيتهم قسرياً، بل إن وزيراً دعى إلى اعدام الأسرى، وعضو كنيست إلى قتلهم، وهناك من الصهاينة من دعى في شبكات التواصل الاجتماعي إلى قتل فلسطيني كل ساعة حتى استعادة المستعمرين الثلاثة الذين أُسروا في الخليل…والآن، ماهى باقي الإستهدفات الأخرى من وراء هذه الهيستيريا القمعية التي قلنا بأننا سنعرض لها فيما بعد؟

بدايةً، إن الصهاينة لايفوتهم أن حملات البحث العسكرية التي يوالونها مهما عظمت واتسعت فهى لن تجديهم فتيلاً، ومثال فشلهم فيما حاولوه إثر اسر جنديهم جلعاد شاليط، بما في ذلك حرب رصاصهم المسكوب على غزة، لازال ماثلاً امامهم، لكنما صب حقدهم على الفلسطينيين وارهابهم ومعاقبتهم جماعياً بذريعة هذه الحملة الباحثة عن جلاعيدهم الثلاثة هذه المرة تستهدف فيما تستهدف التغطية على فشلهم الأمني في وأد روح الصمود والمقاومة لدى الشعب الفلسطيني، ومحاولة منهم لطمأنة جمهورهم المرتعب لأدنى حادث يمس أمنه، وحجة لضرب بنى المقاومة في الضفة في محاولة منهم لاجتثاثها، إلى جانب الضغط على الأوسلويين لابتزاز المزيد من تنازلاتهم واستزادة مستويات تساوقهم مع استهدافات الإحتلال، ورسم لخطوطهم الحمراء للمسموح به من المحدودية البائسة لما دعيت بالمصالحة المفتقرة للجدية بين رام اللة وغزة.

هذه الاستباحة للفلسطينيين، والمبالغة فيها ، يقابلها، من أسف، شبه صمت عربي رسمي وشعبي مطبق، وتواطىء دولي بائن، كان منه تأجيل ما تسمى ب”الدول المانحة”، أو الممولة للسلطة، مؤتمرها المقرر هذه الأيام في اوسلو بناءً على طلب صهيوني، وسيل من الإدانات الأميركية والأوروبية لعملية الخليل مع التجاهل الكامل لهمجية ردة الفعل الصهيونية عليها…فماذا عن السلطة؟

من المفارقة أن ما يجري قد شكَّل فرصة لإعادة تواصل بعد قطيعة استمرت لعام بين نتنياهو ورئيس السلطة…هذه السلطة التي لم يك منها سوى ما اعتادته سياسياً وأمنياً، أي الادانة للعملية، والمبالغة في التنسيق الأمني مع المحتلين درءاً لغضبتهم عليها، أو مواصلتة  كأمر “مقَّدس” وفق توصيف لرئيسها الذي توعَّد منفذي العملية بالمحاسبة…مواصلة شهد لها الصهاينة حين اعلنوا أن كل خطوات حملتهم التنكيلية الجارية تتم بتنسيق مع اجهزة هذه السلطة…إن ابسط دروس عملية الخليل تقول: مادام هناك محتل  فلا من قوة في الكون قادرة على ايقاف مقاومته…

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى