دعوة لوضع حد لبيع وشراء شهادات الدكتوراة ”المضروبة”

سواء جاءت عن طريق التزوير او عدم الاختصاص او الدراسة بالانتساب ..

تنتشر في البلاد منذ فترة لا بأس بها عملية بيع وشراء الشهادات الجامعية العليا المنحولة، سواء جاءت عن طريق التزوير او عدم الاختصاص او الانتساب والدراسة عن بعد، مع ما يشوب هكذا دراسة من سلبيات تتعلق باصول البحث والدراسة، وفي الغالب يسعى منتحلو هذه الشهادات الى احتلال مراكز اكاديمية ووظيفية واجتماعية ما كان باستطاعتهم الوصول اليها لولا تلك الشهادات، ما يعني ان اداءهم الوظيفي سيتسم بالضعف والتقصير بسبب نقص المعرفة والخبرة .
وما لا شك فيه ان تكالب غير المؤهلين على حيازة شهادات الدكتوراة بأسمائها وصفاتها االعديدة، قد فتح الباب امام قناصي الفرص لرمي شباكهم عبر اعلانات الكترونية وورقية لاصطياد افراد تلك الشريحة، والزعم بتوفير سبل الحصول على المطلوب او تأسيس جمعيات ومؤسسات تتعاطى في غمرة غباب المتابعة والرقابة الفاعلة منح تلك الشهادات،وتبتدع في سبيل ذلك اسباباً واساليب عجيبة وغريبة، والادهى ان بائعي هذه الشهادات قد لايحملون مؤهلا علميا اعلى من شهادة الدراسة الثانوية او البكالوريوس في احسن الاحوال .
مؤخرا تطرقت تقارير صحفية لبدعة يطلق عليها اسم ” الدكتوراة التقديرية ” تمنح يمنة ويسرة من جهات غير اكاديمية بعضها موجود داخل الاردن والكثير منها خارجه، ما يعكس الخلل الموجود في بنية المجتمع الذي يبحث عن ”حرف الدال” الذي يسبق الاسم،لافتة الى ان الاعراف العالمية المرتبطة بالحصول على هذه الشهادات التقديرية وحملها لا يرتبط بالتأهيل والتحصيل الاكاديمي، ولا يشير الى امكانية استخدام هذا اللقب في الحياة اليومية.
الغريب في الامر ان العديد من الجهات الرسمية تتلقى طلبات من موظفين عاملين فيها يحملون شهادات الدكتوراة الفخرية والتقديرية يطالبون بمنحهم علاوة دكتوراة مقابل ذلك، ما دفع تلك الجهات الى الاستفسار من وزارة التعليم العالي عن المسألة، وقد جاء رد الوزارة واضحا حول عدم صحة هذه الشهادات، ومؤكداً انها صادرة خلافا للانظمة، ومخالفة للتشريعات التي تمنح هذه الشهادات على اساسها، وان الجمعيات والمؤسسات التي تتعاطى بهذا الشأن غير مرخص لها بذلك وليس من صلاحياتها منح شهادات من هذا النوع، مطالبة بضرورة تطبيق القانون على هذه الجهات التي تعتدي على قانون الجامعات وتمنح هذه الشهادات مقابل المال، مع ضرورة مراعاة الاهداف المرتبطة بالترخيص لها من الجهات المسؤولة، خاصة وان وزارة التعليم العالي لا سلطة لها على الجمعيات بل يقتصر دورها على مخاطبة الجهات الرسمية المعنية لمتابعة اية مخالفة في هذا الشأن .
هذه الشهادات الفخرية والتقديرية المصروفة من جهات تتطاول على الجامعات المرخصة، وعلى التشريعات والتعليمات التي تنتظم عملها، تباع وتشتري بثمن بخس لا يزيد احياناً عن مئة دينار، والغاية منها حب الظهور والوجاهة وتعويض عقدة نقص متأصلة في نفس المشتري، في حين ان شهادات الدكتوراة الفخرية الممنوحة من الجامعات المعترف يها، هدفها تكريم الشخص الممنوحة له، والاعتراف بجهوده المضنية بالعمل في مجال معين، وتقديرا له على هذه الاعمال التي تعد فخرا وانجازا بالنسبة لذلك الشخص وهي بالتالي شهادات لا تمكن صاحبها من العمل بها .
في السياق لاحظ المراقبون وجود اقبال كثير على نيل درجة الدكتوراة بالمراسلة، او كما يقولون الدراسة عن بُعد، وبالنسبة للاردنيين فإن الجامعات العاملة في احدى الدول العربية الافريقية – باستثناء قلة منها لا تزيد على اصابع اليد الواحدة، ولا تتعامل بالتدريس عن بُعد – تعد قبلة للباحثين عن هذه الشهادة التي يتحصلون عليها مقابل رسوم واجور خدمات متفاوتة، بالاضافة الى تقديم مبحث او رسالة تتناول موضوعا محددا يتم الاتفاق عليه بين ما يسمى الطالب والاستاذ المشرف، ثم ارساله اليه الكترونيا، ولاحقا يتم تحديد موعد مناقشة الرسالة،بحيث يسافر الطالب الى تلك الدولة عدة ايام ثم يعود الى بلده مدججا بلقب دكتور، وهنا تبدأ رحلته في تكريس نفسه في مجتمعه كحامل لهذا اللقب،ثم البحث وظيفيا عن كل المزايا التي تتوفر له، وعلى رأسها طموحه بتدريس طلبة الجامعات .
واشاروا لى ان جميع هذه الشهادات مشكوك فيها، اذ ما على الطالب الا التسجيل فقط، وسيجد بعدها من يتابع له كل الامور، بما في ذلك من سيكتب له رسالة الدكتوراة وبما ان هؤلاء ” المتدكترون ” سينخرطون في سوق العمل بهذه الشهادات المضروبة مستفيدين من اجواء الواسطة والمحسوبية الطاغية والمستشرية في العديد من المرافق الرسمة وغير الرسمية،فإن ذلك يضع علامة استفهام على امانتهم ومصداقيتهم، وبالنتيجة على سلوكهم بشكل عام على اعتبار ان من غش فليس منا.
ويقول المراقبون ان الامر لايقتصر على الجامعات العربية، بل هناك جامعات وهمية او جهات خدمية تؤمن هذه الشهادات مفابل ثلاثة آلاف دولار وتتخذ من النشرالالكتروني ميدانا لاستقطاب المهووسين بالالقاب، فعلى سبيل المثال يخاطب احد الاعلانات غريزة حب الظهور عند هؤلاء فيقول : ” … مع برنامج الدكتوراة الفخرية انت دائما مع النخبة ، ولا يتوقف الامر عند التميّز الرائع والدرجة الاجتماعية الرفيعة، بل لا تنس انك تصبح حامل لقب شرعي، هولقب الدكتوراة الذي يمكنك اضافته الى هويتك او جواز سفرك، كما يمكّنك من تقديم نفسك الى الاخرين كما كنت تحلم ” ويواصل الاعلان مداعبة عقدة النقص لدى الضحية فيقول :” … بعد حصولك على شهادة الدكتوراة قد تشهد بعض التغيير في معاملة الآخرين لك بدءا من افراد عائلتك واصدقائك الى الموظف الذي يستقبلك في المطار او الفندق، فلا تقلق، ستعتاد على الامر بمرور الوقت، وسيعتادون على ذلك ”.
اردنيا، قال تقرير صحفي نشر خلال شهر نيسان الماضي ان وزارة التعليم العالي تواجه مشكلة وجود مئات الشهادات المزورة التي يحصل عليها مواطنون من جامعات تتواجد في دول تعاني من فوضى امنية، واخرى ذات مستوى معيشي متدن، حيث ضبطت الوزارة خلال العامين الماضيين نحو 500 شهادة مزورة : فيما كشفت خلال شهرين فقط عن04 شهادة مزورة اخرى .
وقال التقرير ان ملف الشهادات المزورة من اخطر واعقد الملفات التي يعاني الاردن منها، وان التزوير امتد الى المهن الطبية التي لاتحتمل اي خطأ ناتج عن جهل في التخصص، اضافة الى اكتشاف دول عربية تعتمد مؤسساتها على العمالة المؤهلة والمدربة القادمة من الاردن ان بعض العاملين يحملون شهادات مزورة، ومن ذلك مثلا ان السعودية اكتشفت عدداً من الاردنيين يعملون لديها يشهادات هندسية مزورة.
كما نقل التقرير عن رئيس اتحاد المهندسين العرب/ نقيب المهندسين الاردنيين عبدالله عبيدات كشفه في تصريح صحفي عن وجود 1300 اردني مزور لشهادة الهندسة، مبيناً ان اكثر من عشرين الف مهندس اردني يعملون في السعودية، وانه جرى الاتفاق مع هيئة المهندسين السعودية ونقابة الممهندسين الاردنيين على الربط الالكتروني لضبط عمليات التزوير من خلال موقع على شبكة الانترنت يحتوي على اسماء المهندسين السعوديين والاردنيين الذين ينتسبون الى الهيئة والنقابة بشكل رسمي.
ذات التقرير الصحفي نقل عن الدكتور اخليف الطراونة رئيس الجامعة الاردنية تأكيده ان الشهادات المزورة التي يتم ضبطها سنويا لا تشكل ظاهرة في الاردن، ولا تشكل تهديدا لسمعة التعليم العالي، بل على العكس، فإن مجرد ضبط الاجهزة الرقابية هذه الشهادات يعتبر دليلا على قوة الاجراءات التي تحول دون مرور اي وثيقة جامعية مزورة مهما كان مصدرها، بيد ان تكرار ضبط هذه الشهادات يستدعي التعميم على الجامعات الرسمية والخاصة لزيادة الاجراءات الرقابية لمعاينة اي شهادة من خلال دائرة التوثيق في اي جامعة .
بالتقاطع مع هذا الكلام يقول التقرير ان وزارة التعليم العالي تقوم بمراسلة المستشارين الثقافيين اوالجامعات من خلال وزارة الخارجية او السفارات للتأكد من اصدار الجامعة المعنبة للشهادة، كما تعتمد على اجراءات اخرى من بينها التنسيق مع ديوان الخدمة المدنية لضبط الشهادات المزورة التي يتقدم بها الموظفون الحكوميون او طالبو التوظيف في الجهاز الرسمي، وقد شكّلا لهذه الغاية لجنة مركزية وظيفتها التأكد من معادلة الشهادات وحصر الحالات، والتأكد من المعادلة والمصادقة وصحة الاختام النموذجية المعتمدة لدى الوزارة .
تأسيسا على ما سبق لا بد ان تقوم الحكومة بتكليف احدى دوائرها او مؤسساتها لملاحقة اية جهة غير جامعية معترف بها او مؤسسة او جمعية تمارس التدليس على الناس، وتستغل الباحثين عن الشهرة بصرف شهادات الدكتوراة مزورة، وتقديم الجاني والمجني عليه الى المحاكمة على حد سواء،وبالتوازي مع ذلك مطلوب من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ان تعيد النظر في أسس السماح بالدراسة عن طريق الانتساب، حتى لو اقتضى الامر حظره حفاظا على سمعة البحث والتحصيل العلمي العالي التدريس الاكاديمي في البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى