حـرب حـزيـران والـذات الـعـربيـة

بقلم : محمد احمد البشير

الحق الجيش الصهيوني في حرب حزيران 1967 خسائر جسيمة بكل من مصر وسوريا والاردن حيث تم احتلال شبه جزيرة سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة وقد وصلت هذه الخسائر حسب الإحصائيات المنشوره الى %75 من القدرات العسكرية لجيوش هذه الدول بالإضافة الى مقتل ما يقارب من 25 الف مواطن عربي بين عسكري ومدني مقابل خسائر وصلت الى %3 من القوات الصهيونية وبما لا يزيد على (800) عسكري صهيوني فقط، وكانت هذه النتائج مدخلاً لتقف الذات العربية التي استهدفتها هذه الحرب، على مرامي وابعاد ومستقبل هذه الذات محلياً واقليمياً ودولياً!؟
هذه النتائج بدلاً من ان تدفع العربي لاخذ العبر وتحديد الاسباب التي ادت الى هذه الهزيمة جعلت العربي يكرس ويشرعن استمرار هذه الانظمة في الحكم وعمّق من النهج الذي حكم الدول الثلاث على وجه الخصوص والدول العربية الاخرى سواء تعلق الامر بأنظمة الحكم او بالأمة العربية التي كانت وما زالت تتعامل مع الاحداث بردود فعل سلبية على وجه العموم؟!
بسبب ابتعاده عن العمل المنظم وهو الرافعة الحقيقية لمواجهة تحديات الذات العربية هذه فالصراع المزدوج الذي ما زالت تخوضه الامة مع بعض انظمة الحكم من جهة وما تستند اليه هذه الانظمة من اجهزة امنية او عسكرية ساهمت بتدخلاتها المختلفة سواء أكان هذا التدخل في مؤسسات المجتمع المدني او الاحزاب او في اجهزة السلطات الاربع من جسم الدولة في تكريس وجود هذه الانظمة بعد ان ساقت كل المبررات السقيمة لتبرير استمرارها في الحكم، معززة من بقاءها من جهة ومعمقة من تحالفها مع اعداء هذه الامة وداعمي الكيان الصهيوني الذي هزمها من جهة اخرى؟!
اما الامة وادواتها السياسية فكان الابرز منها حزب البعث العربي الاشتراكي الذي استلم مقاليد الحكم في العراق كرد فعل اولي على هزيمة حزيران هذه
وكان هذا الحزب قد احتل مساحة مهمة في وجدان امتنا خاصة في المشرق العربي منذ اربعينيات القرن الماضي باعثاً في الامة الامل بعد ان خيم الحزن على مختلف بقاع وطننا العربي الكبير بعد هذه الهزيمة التي لحقت بهذه الانظمة، وقد عزز هذا الامل الانقلاب الذي قاده الراحل معمر القذافي في ليبيا حيث طرح افكاراً قومية مستمدة من رؤية عبد الناصر في حينه لصراع الامة مع اعدائها.
لقد كانت حرب الايام الستة هزيمة لأنظمة الحكم القومية على وجه الخصوص!؟ ولأحلام العرب التي جسدها القوميون العرب بتياراتهم المختلفة على وجه العموم، وكانت امتحاناً صعباً للفكر القومي الوحدوي التحرري، الذي تعرض لتحد كبير سواء كان هذا التحدي داخلياً تمثل بانتشار الفكر الاممي او خارجياً تمثل بالحال الذي وصلت اليه الذات العربية الخارجة من الهيمنة العثمانية او الاستعمار الغربي الذي ورث الدولة العثمانية المريضة!؟
لقد ادت تداعيات هذه الهزيمة وما تلاها من تراجع مفجع للتجربة الاشتراكية بشكل عام، لعودة العربي الى مخزونه الموروث من تاريخ شكّل الإسلام فيه عنواناً للتحرر والاستقلال والتقدم، ما ادى شيئاً فشيئاً الى بزوغ فجر الاسلام السياسي الذي عبر عن وجوده بشكل واضح وجلي بعد احتلال افغانستان من قبل السوفيات واحتلال بيروت والعدوان الثلاثيني على حكم البعث في العراق والانقلاب الصارخ على تجربة عبد الناصر في مصر وليبيا وما بعدها من احداث مهينة لهذه الذات التي شكل احتلال العراق في سنة 2003 وتقسيم السودان بعد ذلك وتفكيك الصومال خلال الربع الاخير من القرن الماضي، وما اعقب ذلك من هزائم متكرره لأنظمة الحكم العربية او احزاب الامة القومية واليسارية بشكل عام مدخلاً لفجر الإسلام السياسي كما تقدم؟! خاصة بعد ان نجحت حركة حماس في وراثة المقاومة المسلحة في فلسطين ونجحت المقاومة الإسلامية في لبنان والعراق في طرد الاحتلال الصهيوني والامريكي من اراضيهما على وجه الخصوص.
ان ردود الفعل هذه سواء كانت ذاتية او كانت ناتجة عن تدخلات خارجية ضخمت الإسلام السياسي على مساحة الوطن العربي، او كانت من تداعيات نجاح الثورة في ايران التي شكلت رافعة لدعم حركات المقاومة في اكثر من بلد عربي، رغم وجود ملابسات لا يمكن تجاوزها في دورها في العراق مثلاً!؟ فإننا نجد ان هذا الرماد المتراكم لمجمل الهزائم العربية وما تبثه حركات المقاومة في النفس العربية من عز وفخر كانت المصدر الاقوى للحركات الشعبية العفوية التي انطلقت في اكثر من قطر عربي، ونظراً لضعف الاحزاب والحركات السياسية المعبرة عن امال الناس وطموحاتهم فان هذه الحراكات اجهضها نجاح تحالف (البترودولار) وبخداع او بوجود اطماع لبعض القوى السياسية الصاعدة بكراسي الحكم،!؟ قد حول هذه الحراكات لمعارك داخلية كانت ابشع تجلياتها في الحرب الكونية على سوريا وفي تمزيق ليبيا وفي عودة العسكر الى مصر وفي استمرار النزيف في العراق واليمن والصومال واحياناً في تونس التي كان وقع مطرقة الغرب عليها اقل ايذاءً!؟
نعم انها الذات العربية التي لا يمكن هزيمتها، فمن المكّمن الذي يعتقد اعداؤنا انهم سيطروا فيه على امتنا!؟ يخرج العربي ليعلن انتفاضة جديدة وعهداً جديداً شكلت المقاومة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية في لبنان والمقاومة العراقية عناوين بارزة في حاضر هذه الامة الذي لن يكون الا حاضراً مشرفاً مهما كان المشهد مظلماً ومحزناً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى