تزايد المؤشرات حول تفاهمات اقليمية ودولية لانهاء الاحداث الدامية في سورية
جراء الارتباك الامريكي والتقارب الايراني – التركي- المصري حولها
تزايدت المؤشرات السياسية التي تبشر بقرب انتهاء الازمة السورية وذلك عبر سلسلة من التفاهمات والتقاربات الدولية والاقليمية، ابرزها تعهد الرئيسين التركي عبد الله غول والايراني حسن روحاني بالتعاون من اجل وضع حد للنزاعات التي تعصف بالشرق الاوسط وخاصة النزاع في سوريا، وذلك لاعادة ”الاستقرار” الى المنطقة.
فقد اعلن غول خلال مؤتمر صحافي في ختام مباحثاته مع الرئيس الايراني ”نرغب معا في انهاء المعاناة في المنطقة ونعتزم التوصل الى ذلك. ويمكن للجهود المشتركة لتركيا وايران ان تقدم مساهمة كبرى في هذا الصدد.”
من جانبه، قال روحاني ان ”ايران وتركيا، اكبر بلدين في المنطقة، عازمان على محاربة التطرف والارهاب.”
واضاف ان ”عدم الاستقرار السائد في المنطقة لا يخدم احدا لا في المنطقة ولا في العالم. وقد وافق بلدانا على العمل معا وبذل اقصى ما في وسعهما.”
ومتطرقا بالتحديد الى الوضع في سوريا وفي مصر، اعتبر روحاني انه ”من المهم ان يتمكن هذان البلدان من تحقيق الاستقرار والامن وان يتم احترام تصويت شعبيهما ووضع حد للحرب واراقة الدماء والاقتتال الاخوي”.
وفي القاهرة قال مساعد وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان- الذي مثل ايران في مراسم اداء الرئيس المصري السيسي اليمين الدستورية -: إن طهران والقاهرة لديهما وجهات نظر متقاربة بالنسبة للشأن السوري.
وبحسب ما ذكرت وكالة الأناضول، يوم الإثنين الماضي، فقد أبدى مساعد وزير الخارجية الإيراني، خلال مؤتمر صحفي بالقاهرة، استعداد بلاده لمساعدة مصر في كل المجالات .
وفي حديث لوكالة الأنباء الإيرانية، قال اللهيان أن لقاء قصيراً قد جمعه مع ولي عهد السعودية، الأمير سلمان بن عبد العزيز، حيث جرى ”تبادل تحيات رئيس الجمهورية الإسلامية الايرانية والعاهل السعودي، وأكد الجانبان بأن طهران والرياض تسعيان إلى خير واستقرار وتطور البلدين والمنطقة” .
واضاف اللهيان يقول : إنه قد تقدم بشكره إلى ولي العهد السعودي، على دعوة وزير الخارجية، الأمير سعود الفيصل، لوزير خارجية بلاده محمد جواد ظريف، وبحث معه حول وضع التدابير لإجراء الزيارة، ولقاء وزيري خارجية البلدين في الوقت المناسب.
وفي خطوة لافتة ومفاجئة، دعا رئيس الوزراء القطري الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة ال ثاني مجلس الامن الى فرض وقف لاطلاق النار في سوريا ووضع حد للنزاع الذي قال انه يشكل ”خطرا حقيقيا” على وحدة سوريا.
وقال في افتتاح المنتدى الحادي عشر للولايات المتحدة والعالم الاسلامي في الدوحة انه ”بات لزاما على المجتمع الدولي، خاصة مجلس الامن، واجب التحرك العاجل والحاسم باصدار قرار بوقف اطلاق النار للحفاظ على امن وحماية الشعب السوري واستقرار المنطقة باسرها”.
واعتبر الشيخ عبدالله ان ”الازمة السورية تشكل خطرا حقيقيا على وحدة سوريا الشقيقة”.
ومن جانبه حمّل المبعوث الدولي السابق الى سوريا الاخضر الابراهيمي المعارضة مسؤولية شن هجوم بالاسلحة الكيميائية في مدينة حلب، كما حذّر من أن سوريا في طريقها لأن تكون صومالاً ثانية يحكمها زعماء ميليشيات مسلحة، مضيفا أن المنطقة كلّها ستنفجر على الأمد البعيد إذا لم يتم التوصل الى حلٍ للازمة.
واعتبر الابراهيمي أن الكثير من الدول أساءت تقدير الأزمة السورية، حيث توقعت انهيار حكم الرئيس بشار الأسد وهو خطأ تسببت في تفاقمه بدعم جهود الحرب بدلا من جهود السلام.
وعلى الصعيد الدولي تسبب المشروع الامريكي لتسليح المعارضة السورية في خلافات واسعة بين أجنحة الحكومة الأميركية، خصوصاً تسليم الجيش السوري الحر صواريخ محمولة مضادة للطائرات ”المان باد”.
فقد وقع 19 عضواً في مجلس النواب الأميركي رسالة إلى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، طالبوه فيها بعدم منح المعارضة السورية ”المان باد”، واعتبروا ”أن هناك مخاطر لاستعمال الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات في منطقة حرب غير مستقرة.”
وأكدت الرسالة أن الموقعين يرون أن مخاطر وقوع هذه الأسلحة الفعالة ”في أيدي الجهاديين الذين يريدون إلحاق الضرر بالولايات المتحدة وحلفائها تفوق الفوائد من دعم الثوار الذين ندعمهم.”
ما يجب أن يقلق المعارضة السورية أن هذه الرسالة كتبها مسؤول ديمقراطي كبير في الكونغرس، وهو من حزب الرئيس الأميركي، وقد تحولت الرسالة إلى عريضة شعبية تبنتها حركة ”موف أون” المعارضة للحرب، وتدعم التوجهات الليبرالية للرئيس أوباما، وحصلت حتى إعداد هذا التقرير وخلال يومين من نشرها على توقيع حوالي 14 ألف مواطن أميركي.
ومع احتدام هذا الجدل الامريكي حول تسليح المعارصة يبدو أن تزويد هذه المعارضة السورية بصواريخ محمولة أو بأسلحة متقدمة مضادة للطيران مسألة بالغة التعقيد، فإلى جانب خطر وقوعها في أيدي إرهابيين، تزعزع هذه الصواريخ التفوق الجوي لسلاح الجو الإسرائيلي خصوصاً لو تم تسليمها لقوات الجيش الحر المرابطة في منطقة جنوب سوريا بين القنيطرة ودرعا.
ما يزيد الأمور تعقيداً على المعارضة السورية هو عدم إبداء الإدارة الأميركية الحماس الكافي لدعم الائتلاف والجيش السوري الحر، فالإدارة الأميركية مازالت تضع شروطاً كثيرة على الجربا والمجلس العسكري، وتعتبر أنهم لا يملكون جذوراً عميقة على الأرض في سوريا، حتى إن أحدهم وصف الائتلاف بأنه ”وزارة خارجية”، وأشار إلى أن واشنطن لم تر بعد أن المعارضة في الخارج وفي الداخل تشكل هيكلية واحدة. كما تتملص الإدارة الأميركية من وعودها بالقول إن مسألة تسليح المعارضة مسألة عالقة في الكونغرس وليست بيد السلطة التنفيذية.
وبالتزامن مع هذه الازمة التي تجتاح الاوساط الحكومية الامريكية، حذر معهد ”راند” الأميركي من تنامي قوة التنظيمات السلفية والجهادية التي تشعبت رقعة انتشار عناصرها لتشمل شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ودعا الإدارة الأميركية إلى بلورة استراتيجية جديدة تتأقلم مع متطلبات مكافحة الإرهاب.
واعتبر معهد ”راند” في دراسة حديثة نشرها في نهاية الأسبوع الماضي أن أعداد السلفيين والمجموعات الجهادية والمقاتلين ”قد تضخمت بشكل مقلق منذ عام 2010، وتشعبت رقعة انتشارها”.
وشدد في هذه الدراسة على أنه بات يتعين على الولايات المتحدة الأميركية ”إدامة التركيز على هدف مكافحة انتشار المجموعات الجهادية، التي استعادت قواها في شمال أفريقيا والشرق الأوسط”.
وبحسب معهد ”راند” الذي يُعتبر أحد أبرز المؤسسات المؤثرة في صناعة القرار في الإدارة الأميركية في ما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن هيكلية المجموعات ”الجهادية” قد تطورت وابتعدت عن النمط المركزي.
ولفت إلى أن قرار القيادة والتحكم لدى هذه المجموعات ”الجهادية” أصبح ”يتوزع على أربعة مستويات، الأول يخص مجموعة النواة المركزية لتنظيم ”القاعدة” بزعامة أيمن الظواهري، والثاني يهم مجموعات ناشطة في سوريا والصومال واليمن وشمال أفريقيا، سبق لها أن أعلنت الولاء للنواة المركزية، بينما يضم الثالث مجموعات متنوعة من ”جهاديي السلفيين” أعلنت هي الأخرى ولاءها لـ”القاعدة” رغم أنها تستهدف إقامة إمارة إسلامية، فيما يضم الرابع شبكات وعناصر تُناصر ”رسالة القاعدة”.
وأوضح أن تهديد هذه المجموعات ”متباين ومتشعب” رغم أنها ”أبدت اهتماما ضعيفا في مهاجمة الأهداف الغربية، بينما تشكل مجموعات أخرى، مثل ”القاعدة” في شبه الجزيرة العربية، تهديدا مباشرا للأراضي الأميركية، وعدد من المجموعات الجهادية الأخرى التي مازالت تشكل تهديدا متوسط المدى نظرا ”لرغبتها وقدرتها على استهداف مواطنين ومؤسسات أميركية خارج الولايات المتحدة”.
وحث معهد ”راند” في دراسته أصحاب القرار في الادارة الأميركية على ضرورة بلورة استراتيجية تتأقلم مع متطلبات مكافحة الإرهاب تستهدف تلك المجموعات الجهادية السلفية، والتصدي لها سواء بالسبل السرية أو بالتعاون مع الحلفاء الإقليميين والمحليين.