في معنى العروبة.. وجيل جديد من القوميين
بقلم :عبد الملك المخلافي

هناك ظاهرة بارزة لا تخطئها عين المتابع ان جيلا جديدا شابا من القوميين يتبلور في أقطار الوطن العربي يأتي من بوابات الفعل والحركة والعمل الميداني والسياسة كما يأتي بذات القدر من بوابات الفكر أيضاً .
وقد يكون من اللافت ان هذا الجيل بقدر ما يأتي من أقطار للحركة القومية فيها وجود تاريخي وقواعد ثابتة وأطر حركة وتنظيم فإنها يأتي من أقطار لم يكن فيها تاريخ ووجود بذات القدر او عاشت تجفيفاً فكرياً وسياسياً للتيار القومي بمعناه المباشر لأسباب عدة .
يمتد إذن وجود هذا الجيل على الرقعة العربية كلها من المغرب حتى الخليج ، بل قد تكون ظواهره الأبرز واللافتة للانتباه هي تلك التي تتبلور في المغرب الأقصى وفي الخليج العربي وخاصة ”السعودية ”.
لا يشكل هذا الجيل الشاب قطيعة مع الأجيال السابقة من القوميين بل امتداداً طبيعياً للحركة القومية العربية وللفكر القومي العربي.
فلا شك ان ما استطاعت الحركة القومية ان تقيمه من مؤسسات قومية على الصعيد الفكري والسياسي والحركي رغم الحصار وشحة الإمكانات بل وانعدامها ، وفي مقدمتها مركز دراسات الوحدة العربية والمؤتمر القومي العربي ومخيم الشباب القومي العربي وغيرها ، ،أدت الى التجديد المستمر في الفكر القومي ووفرت نتاجاً فكرياً ضخماً كما لم يحدث لأي فكر سياسي اخر مع فارق المقارنة في الإمكانات ، قد وفرت مرجعية فكرية وسياسية وأدوات تواصل وتفاعل أسهمت في خلق الظروف المناسبة لولادة هذا الجيل ، الا انه لابد من الإدراك أيضاً اننا بإزاء جيل جديد متميز ، فهو الى جانب ما يمتلكه من حيوية بحكم السن يرفد الحركة القومية بطاقة جديدة ، فان هذا الجيل مزود بخبرات وأساليب جديدة في العمل تتناسب مع العصر ، ورؤى وان انطلقت من ثوابت الفكر القومي الا انها تعالج قضايا معاصره وتحديات مطروحة اليوم من الطائفية الى مشاركة المرأة ، المرأة التي اصبحت تحتل مكانة بارزة ومميزة في صفوف هذا الجيل من القوميين حركيا وفكريا كما لم يسبق لها في الأجيال السابقة ،رغم ان الفكر القومي العربي أعطى المرأة ودورها مكانة بارزة في إطار المشروع القومي كمشروع تحديثي ونهضوي، على الصعيد العملي ( ما قدمته للمرأة التجربة الناصرية مثالا ) وعلى الصعيد الفكري أيضاً.
مثالا لهذا الجيل الجديد من القوميين وتعبيرا عنه على الصعيد الفكري بين يدي كتاب جديد صدر مؤخراً عن المركز الثقافي العربي بعنوان في معنى العروبة مفاهيم وتحديات لمجموعة من الشباب القومي العربي رجالاً ونساء من ( السعودية ) وهم جميعا في بواكير الشباب ويمثل الكتاب تعبيرا عن الجيل الجديد من القوميين ، أكان في اعادة تأكيد مفاهيم العروبة والقومية وثوابتها أو في طرح التحديات المعاصرة ومواجهتها بروح العصر وبرؤية شابة مدركة للتحديات وقادرة على التصدي لمسؤولية الإجابة على ما تطرحه هذه التحديات من تساؤلات .
يقع الكتاب في 320 صفحة من القطع المتوسط ، ويضم 13موضوعا اشترك في تأليفه 13شابا وشابة من الشباب القومي في ”’السعودية ” كتب كل منهم موضوعاً من مواضيع الكتاب الذي يتسم بالعمق والمعاصرة وتكتسب صفة الأبحاث الموثقة والطروحات الفكرية وليست المقالات العابرة .
قدم للكتاب الدكتور جورج قرم وهو باحث وكاتب قومي او كما عرفه الكتاب باحث عربي من لبنان وهو صاحب كتاب انفجار المشرق العربي من تأميم قناة السويس الى غزو العراق .
يقول قرم في تقديمه للكتاب ومؤلفيه (( هذه مجموعة من الأبحاث القيمة وضعها شباب سعوديون من اصحاب المنحى القومي العربي والثقافة الواسعة الجامعة بين الاطلاع على أوضاع العالم والمتجذرة في الوقت نفسه في بيئتهم العربية بكل تمددها الجغرافي ومشاكلها الاقتصادية والسياسية ، وهذه السمة الرئيسية المشتركة بين كل الباحثين هي التي تمنح للأوراق التي تضمنتها هذه المجموعة قيمتها المعرفية فهي تعبر عن إطار جامع للأبحاث يتميز بالمواقف المتزنة تجاه اهم قضايا الامة ، كما تظهر في كل بحث من الأبحاث .))
تتوزع أبحاث الكتاب على المحورين اللذين يشكلان جزءاً من عنوان الكتاب محور المفاهيم وفيه اعادة تأكيد لمفاهيم الفكر القومي وثوابته برؤية بحثية جديدة معمقة من أبحاث هذا المحور (( في هجاء الحدود : التجزئة والوحدة العربية )) لمحمد ربيعه، والمحور الثاني التحديات وفيه خوض للتحديات الجديدة التي تواجه الفكر القومي العربي برؤية ملتزمة وعميقة، ومن أبحاثه الهامة البحث الهامّ لنورة الدعيجي (( القومية والنسوية )) الذي تناقش فيه الباحثة بعمق والتزام مغالطة النظام الدولي حول تمكين النساء وبالتالي مغالطة (النساء العالميات) وقصور ( النسوية الدولية )) لتقدم للناشطات في الحركة النسوية العربية نظرية جديدة وبديل هو (العودة الى القومية كطريق للسماح للحركات النسوية العربية للعودة للسياسة)) بعد استعراض ونقد لمفاهيم عديدة وطروحات تقدم للحركة النسوية في الوطن العربي بربطها بمفاهيم العولمة وحتى الإمبريالية او جعل مجال حركتها الإطار القطري بديل للفضاء القومي الذي تعيد الباحثة تقديمه كبديل موضوعي لمغالطة العولمة والقطرية .
وتتوزع بقية الأبحاث الثلاثة عشر على المحورين المفاهيم ، والتحديات على النحو التالي :
السيادة والاستقلال الوطني للباحث ثمر المرزوقي ، القومية والعنصرية للباحث احمد الجندول ، القومية والدين والطائفية للباحث عبدالله الدخيل، التعددية الثقافية ومسألة الأقليات للباحث محمد الصادق ، التجديد والتبادل الثقافي بين الامم للباحث عبدالله البلعاسي ،المذهب الإنساني ، والانسانوية ، وحقوق الانسان للباحث سلطان العامر ، القومية والديمقراطية للباحث بدر الإبراهيم ،التنمية المستقلة عربيا للباحث علي الصفار ،في العودة الى فلسطين العربية للباحث نايف السلمي ، المزاعم الصهيونية في فلسطين ، للباحثة غادة بن عميرة ، وتكتب خاتمة الكتاب حنان الهاشمي في معنى ان تكون عربيا .
أهمية الكتاب والأطروحات المعمقة التي تقدمها أبحاثه وكونه يأتي من ساحة عربية جرى فيها تجفيف الفكر القومي ومحاربته وساد فيها فكر ديني مذهبي هي التي دفعتني لتقديمه كنموذج للظاهرة الشبابية لجيل جديد من القوميين يستحقون التهنئة والإشادة وحسب د. جورج قرم هم ((مجموعة من الشباب بذلوا الجهد الخلاق وكرسوا أوقاتهم رغم انشغالتهم المهنية التي ليست في مجال الكتابة والفكر ، فمنهم الطبيب والموظف الاداري في القطاع الخاص والمهندس والطالب الجامعي )).
وهم جميعا تقريبا لا يتجاوزون العقد الثالث من العمر .. وهي سمات لهذا الجيل الجديد من القوميين الناشطين في مجال الحركة او في مجال الفكر والكتابة من المحيط الى الخليج .
انه ربيع جديد للحركة القومية العربية يدشنه أبناء هذا الجيل الشاب من القوميين ، يتوافق مع ولادة ربيع عربي اسهموا بصنعه منذ العام 2011 وهم الضمانة لان لا يتحول الى خريف عربي بعيدا عن ثوابت الامة وتطلعاتها كما تريد القوى المعادية للأمة.
ولأهمية هذه الظاهرة التي تشبه ظاهرة ولادة اجيال جديدة سابقة من الحركة القومية، كما كانت في الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي مثلا .
لم تتوقف الحركة القومية عن توليد اجيال جديدة في كل حين وفي كل مجال ، ولكن الفرق ان هناك اجيالاً متميزة عن غيرها انها تلك الأجيال التي وصفها عبدالناصر بأنها تأتي في موعدها مع القدر فتصنع تحولات عميقة ولدي يقين ان هذا الجيل هو من تلك الأجيال .
من هنا أهمية ان تهتم المؤسسات القومية العربية قطريا وقوميا وفي مقدمتها المؤتمر القومي بهذه الظاهرة وبهذا الجيل ، ولعل ذلك ما دفع المؤتمر القومي العربي هذا العام لاستيعاب عضوية جديده من أبناء هذا الجيل أكان ممن شاركوا في دورات مخيم الشباب القومي العربي او من النشطاء في مجال الحركة والفكر خلال الأعوام الماضية في أقطار الامة بالاضافة الى من تم إقرار عضويتهم العام الماضي .
في الأصل المؤتمر القومي العربي ليس تنظيما جماهيريا وإنما تجمع ينعقد سنويا يضم في عضويته مفكرين وممارسين وناشطين في العمل القومي من المؤمنين بالمشروع القومي النهضوي العربي بعناصره الستة ويهدف ان يشكل مرجعية شعبية عربية ولهذا يشترط للعضوية ان يكون العضو في سن تسمح بان يشكل جزءاً من هذه المرجعية، ومع ذلك، فان لدي الحماس لضم ممثلين من هذا الجيل ممن تنطبق عليهم شروط العضوية ، حتى وان تم استثناء شرط السن .
شخصيا التزمت في كلمتي التي ألقيتها امام المؤتمر القومي العربي الثالث والعشرين المنعقد في تونس عام2012 في أعقاب انتخابي أمينا عاما للمؤتمر بالعمل على ضم ممثلين من هذا الجيل في عضوية المؤتمر وهو ما سيتم الالتزام به هذا العام في المؤتمر الخامس والعشرين الذي سينعقد في بيروت في الفترة 21/20 يونيو/حزيران الحالي كما سبق أيضاً في مؤتمر القاهرة الرابع والعشرين العام الماضي ، ينطلق موقفي من ادراك ظاهرة الجيل الجديد من القوميين الشباب التي تحدثت عنها ، ومن تجربتي الشخصية أيضاً اذ لم اكن الا في نهاية العقد الثالث من العمر عندما كنت احد مؤسسي المؤتمر القومي العربي واحد المشاركين في المؤتمر القومي العربي الاول الذي انعقد في تونس في آذار 1990 وكنت اصغر الأعضاء سنا على الإطلاق ، كما ينطلق من مطالبات للشباب للاعتراف بقدراتهم وإشراك من يعبر عنهم في عضوية المؤتمر.
وفي إطار تقييم تجربة الموتمر بعد ربع قرن والرؤية المستقبلية لعمله وللحركة العربية الذي حدد بنود جدول اعمال الدورة الخامسة والعشرين، اعتقد ان على المؤتمر القومي العربي ان يبذل الجهد ويتجاوز عقبة التمويل لإقامة مؤتمر للشباب القومي العربي ، يكون حلقة الوصل بين مخيم الشباب القومي العربي الذي ترافق تأسيسه مع تأسيس المؤتمر ولا يزال يعقد دوراته السنوية بانتظام وتخرج منه حتى الان آلاف الشباب ويضم الشباب في الأعمار بين 71الى 32 عاما وبين المؤتمر القومي العربي الذي يضم أعضاء من نهاية عمر الشباب وما فوق .
ظاهرة الجيل الجديد من القوميين تحتاج التشجيع والرعاية وخلق سبل التعارف والتعاون بين أبناء هذا الجيل وتوحيد المفاهيم عبر الحوار والجدل ومواجهة التحديات برؤية جديدة يبلورها أبناء هذا الجيل نفسه وتلك احد معاني العروبة .
* الامين العام للمؤتمر القومي العربي