بقلم : انصاف قلعجي
أي آلة جهنمية استطاعت أمريكا أن توجدها لتفقس كل هؤلاء الإرهابيين العابرين للقارات والدول! إذ لم يعد للحروب التقليدية شأن كبير في تغيير أنظمة وإفساد منظومات اجتماعية وأخلاقية قيمية. جهاز التفقيس هذا مخصص لعالمنا العربي الهشّ وفق مخطط جهنمي أُعدّ منذ زمن بعيد لتدمير الأرض والإنسان العربي، فكانت وسيلتهم استغلال الدين الإسلامي، لتشويهه بالدرجة الأولى، ونشر الإرهابيين ليعيثوا في الأرض تدميرا وفسادا تحت شعار”الله أكبر”. فمن ينظر إلى عالمنا العربي اليوم، لا يجد إلا صورا سيريالية محيرة تجعله يهرع إلى طاسة الرعبة ليشرب ماء مجللا بآيات دينية هربا من الطاسة الضائعة والمتاهات التي لا حدود لها.
لا تعرف لأي باب تلجأ هربا من الدوامة، الفضائيات كلها تضللك، المغرضة منها تعرف أنها تكذب، والمعتدلة ما عدت تصدق اعتدالها لأنها في النهاية أصبحت مثل ”الأكلة البائتة” دون نكهة تشدك إليها. والمحللون السياسيون مثل الهمّ على القلب، فلا تجد قناة فضائية إلا وتستضيف محللين سياسيين وباحثين ليدلوا بدلوهم في شؤون الخراب الذي نعيشه. والعالم غارق في مباريات كرة القدم، وكل من استطاع اشترى جهازا ليتابع هذه المباريات، وتسمع صراخ ”الهتيفة” عبر النوافذ المشرعة في هذا الصيف الساخن، والعالم غارق كذلك في القتل والتنكيل والتآمر، وشعوب جائعة عطشى ولديها أكوام من الأطفال تريد أن تسكت أفواههم.
فإلى أية جهة تهرب. أين الملاذ؟ لقد تعب العقل والقلب. تهرب إلى أزمنة قديمة يحط القلب هناك، لكنها أزمنة رحلت، ولم يبق من عبقها إلا مرارة الحزن والتلوع. تهرع إلى صفحات الفيس بوك عساك تجد في هذا العالم الوهمي ما يشفي غليلك، فإذا بك تجد صراخا وصراعا أكبر مما في داخلك، فيزداد تشويش روحك وعقلك.
وأغبّ من طاسة الرعبة عسى أن يتلبسني وهم ما يتسرب من الحروف المكتوبة على جدران الطاسة. والطاسة من الموروثات الشعبية، إذ اعتقد الناس في السابق أن من يصيبه خوف أو قلق، وخاصة الأطفال، يلجأ الأهل إلى تشريبه من الطاسة ماء، وهي عبارة عن وعاء مستدير نحاسي مرسوم عليه مساجد أو ورود أو شجر نخيل، وفي داخله أي على جدرانه كتبت آية الكرسي. وكانت هذه الطاسة موجودة في كل بيت وخاصة في سورية وفلسطين. حين كنا صغارا، ونرتعب من شيء ما، كانت أمي تسرع بإحضار طاسة الرعبة وتجبرنا على شرب الماء ليزول الخوف أو القلق أو الهواجس عنا. وحين تفرقنا كل إلى بيته، حمّلت كل واحد منا طاسة رعبة، لكنني، في ما بعد استعملتها لغير الغرض الأساسي، إذ أضع بين الحين والآخر بعض الياسمين مغمورا بالماء، أو زهور الجاردينيا لتنتعش الروح، وربما ليزول الخوف المبهم الذي يعترينا بين الفينة والفينة.
العالم اليوم، مليء بالرعب. ويحتاج إلى طاسات رعبة لكل مواطن.

أهلاً بثورة ٢٣ يوليو التي ما فتئت تثبت جدارتها وعبقرية بوصلتها، رغم كرّ السنين وعبث المُرتدين
أهلاً بإطلالة “أبي خالد”، فارس بني مر، الذي أذّن في مثل هذا اليوم من عام ١٩٥٢ لصلاة الفج... إقرأ المقال