السعودية تعترف باقترافها جريمة اغتيال خاشقجي، ولكنها تحمّل المسؤولية للاذرع التنفيذية وتتجاهل “الرأس المدبر”

في أول اعتراف رسمي، أعلن النائب العام السعودي مقتل جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في الثاني من الشهر الجاري، لكن المصادر السعودية عزت وفاة الصحفي السعودي إلى شجار، وأعلنت احتجاز 18 سعوديا للتحقيق، كما أطاحت بأربعة مسؤولين كبار وشرعت في إعادة هيكلة الاستخبارات.

وبحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية، قال النائب العام في وقت مبكر من فجر اليوم إن “التحقيقات الأولية في موضوع المواطن جمال خاشقجي أظهرت وفاته -رحمه الله- والتحقيقات مستمرة مع الموقوفين على ذمة القضية والبالغ عددهم حتى الآن 18 شخصا، جميعهم من الجنسية السعودية”.

وأضاف النائب العام أن مناقشات تمت بين خاشقجي وبين أشخاص قابلوه أثناء وجوده في القنصلية، مما أدى إلى حدوث شجار واشتباك بالأيدي ومن ثم وفاته.

ونقلت الوكالة الرسمية عن مصدر مسؤول أن الاشتباك بالأيدي أدى إلى وفاة خاشقجي “ومحاولتهم التكتم على ما حدث والتغطية على ذلك”، مضيفا أن السلطات اتخذت الإجراءات اللازمة لاستجلاء الحقيقة وأنها ستحاسب المتورطين.

وقال المصدر أيضا “إنفاذا لتوجيهات القيادة بضرورة معرفة الحقيقة بكل وضوح وإعلانها بشفافية مهما كانت، فقد أظهرت التحقيقات الأولية التي أجرتها النيابة العامة قيام المشتبه به بالتوجه إلى إسطنبول لمقابلة المواطن جمال خاشقجي، وذلك لظهور مؤشرات تدل على إمكانية عودته للبلاد”.

كما نقلت الوكالة عن مصدر في وزارة الخارجية أن توجيهات الملك سلمان بن عبد العزيز على إثر الحدث الذي أودى بحياة خاشقجي، تأتي استمرارا لنهج الدولة في ترسيخ أسس العدل، بحسب تعبيره.

من جهة أخرى، نقلت رويترز عن مصدر مطلع على التحقيقات السعودية أنه لم تصدر أوامر بقتل خاشقجي أو خطفه، ولكن هناك أمرا دائما من رئاسة المخابرات بإعادة المعارضين إلى المملكة، مشددا على عدم معرفة ولي العهد محمد بن سلمان بالأمر.

وأضاف أن الأوامر “فُسّرت بشكل عنيف”، وأن التعليمات التالية “كانت غير محددة بشكل أكبر”، مما أدى إلى وفاة خاشقجي ومحاولة التستر على مقتله، وتابع أنه تم اختيار العقيد ماهر مطرب للعملية لأنه عمل مع خاشقجي في لندن.

كما ذكر المصدر أن سائق القنصلية السعودية كان من بين من سلموا الجثة “لمتعاون محلي”، موضحا أنه لا يعرف ماذا حدث للجثة.

وفي الوقت نفسه، أعلنت قناة الإخبارية الرسمية عن صدور أمر ملكي بإنهاء خدمة كل من أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة، ومدير الإدارة العامة للأمن والحماية برئاسة الاستخبارات اللواء رشاد بن حامد المحمادي، ومساعد رئيس الاستخبارات العامة للموارد البشرية اللواء عبد الله بن خليفة الشايع، والمستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني.

وأضافت أن الملك سلمان وجه بتشكيل لجنة وزارية برئاسة محمد بن سلمان، لإعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق.

وفي واشنطن قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم السبت، في أول تعليق له على إعلان السعودية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، إن الإعلان السعودي خطوة جيدة وكبيرة.

وأضاف ترامب، إنه يعتقد أن التفسير السعودي موثوق به، مؤكدا أن مقتل خاشقجي أمر غير مقبول.

وأشار ترامب إلى انه سيجري اتصالا هاتفيا بولي العهد السعودي، الامير محمد بن سلمان، بشان التحقيقات الجارية بقضية مقتل خاشقجي.

وجدد ترامب تأكيده على أن أمريكا تحتاج للسعودية كقوة لتحقيق توازن أمام إيران.

غير ان أعضاء في الكونجرس الأمريكي أعربوا عن تشككهم في تفسير المدعي العام السعودي بأن شجارا اندلع بين خاشقجي وأشخاص التقوا به عندما توجه للقنصلية السعودية في اسطنبول في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول وأن الشجار أدي إلى وفاته.

وقال السناتور الأمريكي الجمهوري لينزي جراهام في تغريدة على تويتر ”القول بأنني متشكك في الرواية السعودية الجديدة سيكون من قبيل تبسيط الأمور“.

وكان جراهام من أشد منتقدي السعودية عقب اختفاء خاشقجي وهو حليف وثيق للرئيس دونالد ترامب.

وقال جراهام ”في البداية أبلغونا أن السيد خاشقجي غادر القنصلية وأن هناك نفيا قاطعا لأي تورط سعودي. والآن أن مشاجرة اندلعت وأنه قُتل في القنصلية، وكل هذا بغير علم ولي العهد“.

وأضاف ”يصعب تصديق هذا التفسير الأخير“.

كما شكك عدد من الأعضاء البارزين في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين بمصداقية بيان المملكة العربية السعودية حول مقتل الصحفي جمال خاشقجي، رغم أن رئيس البلاد دونالد ترامب اعتبره “ذو مصداقية”.

وقال السيناتور الديمقراطي عن ولاية كونيكتيكت ريتشارد بلومنثال، في برنامج بقناة “سي إن إن”، إنه من الواضح أن المسؤولين السعوديين “يحاولون كسب الوقت وإعداد ذريعة لما فعلوه، لكن هذا يطرح المزيد من الأسئلة عوضًا عن تقديم أجوبة”.

وأشار بلومنثال إلى ضرورة فتح تحقيق دولي بطريقة مشروعة وموثوقة، تشارك فيه الأمم المتحدة، واستخدام التسجيلات الصوتية التي قيل إنها موجودة لدى تركيا.

وأضاف أن العالم بحاجة إلى نتائج تحقيق دولي وليس بيان المسؤولين السعوديين “الذي بذلوا كل ما في وسعهم من أجل حماية ولي العهد محمد بن سلمان”.

من جانبه، قال السيناتور الجمهوري عن ولاية تينيسي بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إن السعودية أصدرت بيانات مختلفة في كل يوم عن خاشقجي.

وأضاف كوركر في تغريدة على تويتر: “ينبغي علينا ألا ننتظر من البيان الأخير للمسؤولين السعوديين أن يكون متزنًا”.

وتابع قائلًا: “قد يكون السعوديون يجرون تحقيقًا بأنفسهم، لكن على حكومة الولايات المتحدة أن تجري تحقيقًا مستقلًّا وموثوقًا في إطار قانون ماغنيتسكي، بموجب ما تقتضيه القوانين، من أجل القبض على منفذي جريمة خاشقجي”.

بدوره، قال السيناتور الديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي، بوب منيديز إن الضغوط الدولية المشتركة أجبرت السعودية على الاعتراف بمقتل خاشقجي.

وأضاف منيديز، في تغريدة على تويتر، إنه “لا استثناء ضمن قانون ماغنيتسكي للحوادث حتى وإن مات خاشقجي بشجار”.

ودعا راند بول، السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي، إلى تعليق جميع الصفقات العسكرية والمساعدات والتعاون مع الرياض، مضيفًا: “يجب أن تدفع السعودية ثمنًا باهظًا لما ارتكبته”.

أما النائب عن ولاية كولورادو مايك كوفمان، فدعا في بيان له إدارة ترامب إلى اتخاذ موقف أقوى بخصوص مقتل خاشقجي.

وطالب كوفمان ترامب باستدعاء القائم بالأعمال الأمريكي في السعودية إلى واشنطن بسرعة من أجل المزيد من المباحثات في الكونغرس.

عضو مجلس النواب عن ولاية فيرجينيا جيري كونولي، قال في برنامج بقناة “سي إن إن”، إن البيان السعودي حول مقتل خاسقجي “أشبه بعملية كلاسيكية للمافيا”.

وأفاد كونولي أن السعودية تكتمت على الأمر بهذه الطريقة من أجل حماية ولي العهد محمد بن سلمان، مشددًا أن الاحتمال معدوم بتنفيذ جريمة مخطط لها مسبقًا في القنصلية السعودية دون علم وموافقة ولي العهد.

من ناحيته، قال النائب عن نيويورك إليوت أنجل إن البيان الأخير للسعودية “غير موثوق”، لأنه سبق لها أن نشرت بيانات متضاربة مع بعضها البعض منذ اليوم الأول للحادثة.

ودعا أنجل، في بيان له، إدارة ترامب إلى المطالبة بإجراء تحقيق دقيق وشفاف في أقرب وقت حول مقتل خاشقجي.

جدير بالذكر انه يوم الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قال ولي العهد لشبكة بلومبيرغ الإخبارية إن خاشقجي خرج من القنصلية بعد دقائق أو ساعة من دخوله إليها. وفي اليوم التالي فتحت القنصلية مقرها لوكالة رويترز، في مسعى منها لتوضيح أن الكاتب السعودي جمال خاشقجي الذي اختفى قبل خمسة أيام ليس داخلها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى