أهداف وتداعيات ” الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأمريكي “

أصدرت الإدارة الأمريكية الجديدة يوم الأربعاء 3/ 3/ 2021 وثيقة ” الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأمريكي Interim National Security Strategic Guidance ” التي توضح أسلوبها في التعامل مع القضايا المحلية والدولية خلال السنوات الأربع القادمة؛ فعلى الصعيد المحلي، أشارت الوثيقة إلى أهمية المحافظة على الديموقراطية وقيم العدالة والمساواة بين مكونات النسيج الاجتماعي الأمريكي، والتخلص من جانحة كورونا ومواجهة تبعاتها الاقتصادية، وتحديث الجيش، وإصلاح النظام الصحي وقوانين الهجرة، والتخلص من تركة الرئيس السابق دونالد ترامب التي الحقت ضررا بالغا بسمعة ومصالح الولايات المتحدة.
أما فيما يخص الساحة الدولية فقد أوضحت الوثيقة أن إدارة بايدن تدرك أن توزيع السلطة العالمي يتغير بسرعة ويشكل تهديدا لنفوذ الولايات المتحدة التي لا تستطيع أن تغير العالم أو تقوده وحدها، وان مصير أمريكا اليوم أصبح مرتبطا بالأحداث خارج شواطئها أكثر من أي وقت مضى. لكنها ستظل تلعب دورا مهما في تشكيل النظام العالمي؛ ولهذا فإن إدارة بايدن ستتخلى عن سياسة القوة والهيمنة التي تعتبر ” أمريكا أولا “، وتركز على القيادة بالدبلوماسية الهادئة المتفهمة لحقوف الآخرين والداعمة للديموقراطية وحقوق الإنسان، وستبتعد عن سياسة الحروب الدموية المكلفة الفاشلة، لكنها سوف لا تتردد في استخدام القوة عندما تتعرض مصالحها الحيوية للخطر.
وحذرت الوثيقة من صعود القوى المنافسة لواشنطن وفي مقدمتها الصين، وأشارت إلى أن الوجود العسكري الأمريكي الأقوى والأهم سيكون في منطقة المحيط الهادي، وفي أوروبا لمواجهة الصين وروسيا. الصين تثير مخاوف أمريكا لأنها تسير بخطوات قوية ومتسارعة إلى الأمام؛ حيث إنها تمكنت من تطوير جيشها، وأصبحت تملك أقوى قوة بحرية في العالم، وتنتج غواصات، وحاملات طائرات، وسفن هجومية، وغواصات مزودة بصواريخ نووية بالستية، وطائرات مقاتلة، وغير ذلك من الأسلحة، وتملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتشهد تدفقات أجنبية قوية على الأسهم والسندات والاستثمار في ضوء أداء اقتصادها المتفوق مقارنة مع الاقتصاد الأمريكي والاقتصاديات الرئيسية الأخرى بفضل تعافيها الأسرع من جانحة كوفيد – 19.
أما فيما يتعلق بسياسة إدارة بايدن العربية والشرق أوسطية بشكل عام فإن الاستراتيجية الأمريكية لن تشهد تغيرات رئيسية، وستظل قائمة على الالتزام بأمن إسرائيل وضمان تفوقها العسكري على الدول العربية مجتمعة، وعلى دعم التطبيع العربي الإسرائيلي، والعمل على عودة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومحاولة التوصل إلى اتفاق سلام على أساس حل الدولتين، ومواجهة إيران وعدم السماح لها بامتلاك سلاح نووي، ومحاولة إنهاء حروب العراق واليمن وسوريا، ومواصلة ابتزاز معظم الحكام العرب وعدم السماح لهم بتنفيذ سياسات تتعارض مع الإملاءات السياسية والمصالح الأمريكية.
فهل ستنجح إدارة بايدن في ترجمة ما جاء في وثيقتها إلى واقع؟ من الصعب التكهن بنجاحها أو فشلها في ظل الأوضاع الدولية الاقتصادية والسياسية الحالية الصعبة المتقلبة؛ لكن يمكن القول إن تحكّم أمريكا بمستقبل العالم مرفوض وفي تراجع مستمر؛ والحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن أمريكا فقدت الكثير من رصيدها كالدولة الأعظم نتيجة لفشلها في التعامل مع جانحة كورونا والتغلب على تداعياتها الاقتصادية السيئة، وبسبب تفاقم العنصرية في الداخل وفقدانها لدورها كحامية للديموقراطية وحقوق الإنسان، وبسبب استمرار تصاعد الصين وروسيا كقوتين دوليتين رئيسيتين منافستين لها على زعامة العالم!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى