فى الذكرى 63 لدولة الوحدة العربية
بقلم: محمود كامل الكومي*

لم تكن تجربة الوحدة بين مصر وسوريا فى 22 فبراير ( شباط) من العام 1958 وإعلان الجمهورية العربية المتحدة برئاسة الزعيم جمال عبد الناصر – أسيرة الشكل أو القالب الذي أفرغت فيه , ذلك المقاس الذي بدا فضفاضاً ولم يستجيب لرؤية عبد الناصر البعيدة المدى والتي رأت أن الإعلان عن هذا العمل الوحدوي لابد أن يسبقه آليات أخرى تدفعه دفعاً الى الفعل الذي يحقق ذوبان مؤسسات و أجهزة البلدين فى كيان وحدوي واحد , يحقق للشعبين السوري والمصري حريتهما السياسية والاجتماعية ليتحقق مجتمع الكفاية والعدل ,وتلك آليات تدفع بالطبع أوتوماتيكيا الى الوحدة بين الشعبين ,لكن وتحت إلحاح القوميين السوريين وبفعل ثوريتهم الجياشة ونواياهم الوحدوية المندفعة , كانت الاستجابة التى بررتها مد شعبي سوري جارف وحب فياض لزعامة عبد الناصر – وإنما كانت أسيرة المضمون والهدف الوحدوي واعتبارها نقطه ضوء لتحقيق مضامين الثالوث الناصري ( الحرية الأشتراكيه والوحدة), واستغلال فترة التوهج القومي والبناء عليها وتجديد وحدويتها وعدم تركها لتخمد و تترك مهب الريح أسيرة مؤامرات الرجعية العربية تثبط همتها وتدنى وحدويتها نحو التشرذم الذي يحقق أمل الاستعمار والصهيونية , وكان المغزى والهدف من هذه الوحدة أنها تصير على أرض الواقع فعل , وأنها لا تعترف ب(سيكس بيكو) كاتفاقية تقسم الأمة العربية , وبالتالي فأن هذا الفعل الوحدوي يبقى فى مقاومته للاستعمار والصهيوني هو غاية الوحدة العربية الشاملة للأمة العربية .
اِنهار الشكل الذي أفرغت فيه الوحدة وكان طبيعيا طبقا للأسباب التى أبداها “ناصر” والتي لم تمهد الأرض الخصبة لنمو الفعل الوحدوي , فكانت مشاكل الإدارة التي أسيء ميكانيزمها من جانب ” المشير عبد الحكيم عامر”- والذي حامت حوله الشبهات فى كل ما قام به من مهام – على الإقليم الشمالي ( سوريا), والتي أعطت الفرصة لبعض عملاء الرجعية العربية ( آل سعود)فى تسعير تلك الأخطاء ودفع الانفصاليين فى سوريا الى الانفصال ,أملا فى جر جمال عبد الناصر للاندفاع العسكري نحو سوريا للقضاء عليهم , فيدخل الجيشين الثالث والثاني فى مصر فى حرب مع الجيش الأول فى سوريا ,فيتحقق حلم الاستعمار وأعوانه من الرجعية العربية فى القضاء عليهم ليكون ذلك عبرة لكل الشعوب العربية إذا ما فكرت فى أي عمل وحدوي يحقق حلمها فى الوحدة والقضاء بالتالي على هذا الفكر الوحدوي فى عيون الشعب العربي نحو وحدته الشاملة – لكن الزعيم جمال عبد الناصر فوت على الاستعمار وأعوانه هذه الفرصة وأجهض مخططاتهم لتحقيقها , حين قال” ليس المهم أن تعود سوريا لدولة الوحدة , ولكن المهم أن تبقى سوريا موحدة ويبقى جيشها قوياً, وبقيت سوريا موحدة وجيشها قويا رغم الانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة .
وبقى المضمون حياً رغم الانفصال , وصارت تجربة الوحدة عيدا على مدار كل عام , تشحذ همة الشعب العربي وتجدد تَتَوُقَه إليها , وتبعث فيه الروح من جديد الى الفعل الوحدوي الواحد من المحيط الى الخليج , وأبقى جمال عبد الناصر على اسم الجمهورية العربية المتحدة وعلمها ونشيدها , وبدا فعل عبد الناصر الوحدوي يتخذ آلياته الصحيحة للقضاء على الاستعمار ولتتمكن الشعوب العربية المستعمرة من تحقيق أرادتها واستقلالها لتتخذ طريقها نحو الوحدة , فكانت مساعدته للشعب الجزائري حتى تحقق استقلاله عن فرنسا الاستعمارية . ومساعدته للجنوب العربي ضد الاستعمار البريطاني وكانت آليته لذلك مساعدة ثورة اليمن التى قضت على حكم أسرة حميد الدين البغيض وأحد أركان الرجعية العربية الموالية للصهيونية والاستعمار وظهير حكم آل سعود , كان للفعل الوحدوي الثوري لجمال عبد الناصر وكاريزما الزعامة فيه مفعول السحر فى نفوس جماهير أمتنا العربية , حتى غدا جمال عبد الناصر هو أملها الذي سيقودها لتحقيق وحدة الشعوب العربية من المحيط الى الخليج.
من هنا أدركت قوى الرجعية العربية عميلة الاستعمار والصهيونية خاصة آل سعود , أن أمل الوحدة لم يقض عليه رغم انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة , وأن عبد الناصر مازال يقود الشعب العربي لتحقيق وحدته العربية الشاملة , وأن سوريا مازالت ترفع علم الوحدة , فكان حنقها وقد بلغ الزُبى , فكانت رسالة ملك السعودية “فيصل ” الى رئيس أمريكا الأسبق “جونسون ” يرجوه أن يدفع إسرائيل الى احتلال أراضى من مصر وسوريا حتى يتم القضاء نهائيا على أي أمل لتحقيق الوحدة العربية وعلى جمال عبد الناصر شخصيا
وكان عدوان 1967 , ورغم النكسة إلا أن عبد الناصر كان قد استعاد توازنه وبنى جيشه بسرعة مذهلة وحقق بالتضامن مع سوريا والجزائر وليبيا والسودان والعراق خطوات وحدوية مكنت من التصدي للعدوان الصهيوني خلال حرب الاستنزاف وقادت الى تحقيق نصر أكتوبر.
حين غادر عبد الناصر الى رحاب الله , كانت فرحة إسرائيل وآل سعود لا تضاهيها فرحه على الإطلاق , وكانت الفرصة مواتية لأن يستيقظ العميل النائم الذي جنده , كمال أدهم رجل المخابرات الأمريكية فى الشرق الأوسط وأحد صناع القرار فى بلاط آل سعود , وحكم السادات مصر وأجهضت نتائج حرب أكتوبر وبدت حكومة السعودية الأقرب الى إنقاذه من انتفاضة الشعب المصري ضد حكمه 1977 فدفعته الى الصلح مع اسرائيل من وراء الكواليس وتغيير اسم الجمهورية العربية وعلمها ونشيدها تلك الرموز القومية والتي تتمسك بالوحدة العربية ,الى الاستغراق فى الذاتية لتقضى على كل أمل فى التطلع نحو القومية العربية وانصاع السادات, وبقيت سوريا بعد حرب أكتوبر لا تجد مصر بجانبها ولا تأمن خيانة الرجعية العربية , وصارت ترفع علم الجمهورية العربية المتحدة.
ورغم أن الجامعة العربية كانت أطار للحكومات العربية , مفترض أن تتفاعل ديناميكيته كآلية لتحقيق لوحده فى المستقبل , وحتى لا يتحقق ذلك , سربت المخابرات المركزية الأمريكية , فكره تكوين مجلس التعاون الخليجي , كإطار يجمع كل الدول الخليجية المصدرة للنفط والتي ساعدت القوى الأستعمارية أنظمتها على تولى مقاليد الحكم فيها , وبأوامر أمريكية أنشأت الدول النفطية الخليجية, مجلس التعاون الخليجي كآلية موازية لجامعه الدول العربية ومضادة لها , تستطيع أن تنفث سمومها داخل مؤسسات الجامعة العربية , واستغلال تدنى مستوى المعيشة فى بعض البلدان العربية وإغرائها بالمساعدات المالية التى تقدمها الدول النفطية الخليجية الى هذه الدول فى مقابل شراء أصواتها , عند التصويت على القرارات المصيرية التى تتخذها جامعه الدول العربية , وبذلك تُسيير دول مجلس التعاون الخليجي ديناميكيه الحركه وقرارات الجامعة العربية نحو ما ترمى أليه وهو تنفيذ سياسات المخابرات الأمريكية ومخططاتها الصهيونية , وإجهاض كافه القرارات التى قد ترمى الى تعزيز ما يهدف إليه ميثاق الجامعة نحو الوحدة العربية , وقد تم لها ذلك , حين سيرت السعودية وقطر والأمارات والبحرين مجلس الجامعة العربية الى قرار يفوض مجلس الآمن لاستدعاء الناتو لتدمير ليبيا وشاركت قوات جوية رمزيه من السعودية والإمارات وقطر تدمير ليبيا وتسليمها فريسة لقوى الإرهاب , وكذلك حين اتخذت الجامعة قرارا بأبعاد سوريا الرسمية عن الجامعة العربية , وحاولوا بكل السبل استغلال الجامعة وتفويضها فى تكليف حلف الناتو لتدمير سوريا لولا الفيتو الصيني والروسي فى مجلس الأمن .
ومازال الى الآن يمارسون التدمير الممنهج على الجمهورية العربية اليمنية وقتل شعبها , والأدهى من ذلك انه كلما لاح فى الأفق فرصة لتحقيق السلام على الأرض السورية, “أجهضت ,أمعاناً فى القضاء على أي حلم يلوح فى الأفق لتحقيق الوحدة العربية ليحققوا بذلك أمن اسرائيل واستقرارها وحلمها الصهيوني , والقضاء على حلم الدولة الفلسطينية .
أن وحدة الشعوب العربية الآن , هي الخطوة البديلة للجامعة العربية المسكونة (بالعفاريت والشياطين) الذين يحملون فناطيس الجاز ليحرقوا بعوائدها الأخضر واليابس والديار العربية , ولذلك يجب أن يظل يوم 22 فبراير بما يمثله من ضوء أضاء المنطقة العربية كلها بدولة الجمهورية العربية المتحدة , ضوءا ساطعا ينير عقول شعبنا العربي وروحه ويشحذ قواه ليكون قادرا على تحدى الصعاب التى تواجه الأمة العربية وتحاول أن تزيل المفاهيم الوحدوية من خريطة الفكر العربي .
أن الشعوب العربية الواعية يجب أن تفضح هذه الحكومات الرجعية وتقتص منها حساب الضلال الذي حاولت أن تزيفه عليها , لذلك لابد أن يبقى يوم 22 فبراير الضوء الذي يؤكد أن شعبنا شعب عربي ومصيره يرتبط بوحدة مصير الأمة العربية.
أن يوم 22 فبراير بعد 63 عاما على توقيع ميثاق وحدة مصر وسوريا وبزوغ الجمهورية العربية المتحدة , لابد أن يستمر ضوؤه ينير لشعبنا طريق الوحدة , من خلال عقد العزم على أن يعيد صنع الحياة على أرضه بالحرية والحق , بالكفاية والعدل , بالمحبة والسلام , أن شعبنا يملك من إيمانه بالله وإيمانه بنفسه ما يمكنه من فرض إرادته على الحياة ل يصوغها من جديد وفق أمانيه الوحدوية .
وأخيرا .. أن التقاء القوى التقدمية والشعبية على الأمل الواحد فى كل مكان من الأرض العربية ,, وتجمع القوى الرجعية على المصالح المتحدة من الأرض العربية هو فى حد ذاته دليل على الوحدة أكثر مما هو دليل على التفرقة ..
*كاتب ومحامى مصري
الوقت: 22 فبراير,2021 at 2:01 ص
البريد الإلكتروني: [email protected]