أين المنظمات الإسلامية من فلسطين؟

 

ظهر في العقود الاخيرة عدد كبير من المنظمات الاسلامية التي مارست و لا تزال تمارس ”الجهاد“ ضد المسلمين في العديد من البلاد العربية والإسلامية. في سوريا وحدها يوجد العشرات من تلك المنظمات ( وحسب بعض التقارير بلغ العدد في بعض الاوقات نحو مائة منظمة!) وتضم فيما بينها مئات الآلاف من المقاتلين.، ومنذ انحسار المد القومي العربي في السبعينات من القرن الماضي وصعود الاسلام السياسي قدمت الحركات الاسلامية نفسها على أنها البديل الأفضل، واطلقت لسانها بلعن العروبة وألصقت بها كل أسباب تأخر الأمة وتفرقها. وحجتهم كانت وما تزال : ”ماذا جنينا من القومية العربية إلا المصائب؟“، ويتناسون أن المصائب ما جاءت الا بسبب زرعهم للفتن الطائفية والتفرقة بين المسلمين والاقتتال فيما بينهم وتهيئة الظروف للاستسلام بإلإضافة الى الانحسار الثقافي الكارثي الذي نعيشه الآن.

أثناء المد القومي تمكن العرب من إجلاء قوات الاحتلال من مصر و تحرير الجزائر وجنوب اليمن وتأميم قناة السويس وأثبتوا تكاتفهم كشعب واحد لصد العدوان الثلاثي، وبنوا السد العالي وبنوا قلاعاً صناعية في مصر كانت فخراً للعرب في مصر وخارجها و وحققوا حلم الوحدة العربية. لكن الاسلاميين لا يحبون الحديث عن تلك الانجازات ويتغنون دائماً بالنكسات مثل نكسة الانفصال والنكسة العسكرية سنة ١٩٦٧. لكننا نذكرهم بما ظهر من الحقائق و أثبتته الوثائق من أن تلك المصائب كانت من إنجازاتهم هم و ثمرةً لتضامنهم هم مع القوى الرجعية. فبينما حققت العروبة الوحدة قاموا هم بتدبير الانفصال، وبينما بنت مصر جيشاً قوياً قامو هم بالتآمر عليه بتدبير حرب ١٩٦٧. ونذكرهم أيضاً أنه في فترة المد القومي حقق العرب التسامح الديني والتعايش السلمي بين مختلف الطوائف بينما زرع الاسلام السياسي التفرقة والفتن الطائفية الكريهة التي نعاني منها الآن. قبل سيطرة الاسلام السياسي كان العرب أمةً يافعةً واعدة تتطلع الى مستقبل مشرق بعد قرون من سباتها العميق تحت الحكم العثماني. كان إنتاج العرب الثقافي غزير و في تزايد نوعاً وكماً. كان يصدر في مصر كتاب جديد و جدير بالقراءة كل بضعة ساعات وكانت هناك منافسة قوية وايجابية من دور النشر في العواصم العربية خاصة من بيروت. أما تحت سيطرة الاسلام السياسي فقد أصبحنا وكاننا أمة عادت إلى أميتها ونسيت القراءة والكتابة وأقصى ما تنتجه من كتب عبارة عن مذكرات شخصية ملفقة أو خزعبلات تفسير الاحلام.

المنظمات الاسلامية ليست فقيرة ولا ضعيفة بل أن العديد منها مجهز بسخاء بالمدافع والرشاشات والمصفحات والأجهزة الالكترونية وكل ما يلزم الجيوش من عتاد. وهي متواجدة في أقطار عربية واسلامية كثيرة وتثير الذعر حيثما وجدت. لكن هناك دولة واحدة لا تتواجد فيها تلك المنظمات ولا تثير الرعب فيها ــ وهي إسرائيل. ( و هذه المقالة تستثني حزب الله ،الذي تحاربه المنظمات الإسلامية بشراسة تماماً كما تحاربه إسرائيل، وكذلك حماس والجهاد الاسلامي لأن وجودهما مرتبط أساساً بمحاربة الكيان الصهيوني)

والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لا مكان لفلسطين في جدول اعمال المنظمات الاسلامية؟

معظم المنظمات الاسلامية هي فروع من حركة الإخوان المسلمين أو مرتبطة معهم فكرياً. والاخوان لهم تاريخ طويل مع بريطانيا منذ تأسيس حركتهم ( بمساعدة مالية بريطانيه) سنة ١٩٢٨. ولم يعد سراً تخفيه بريطانيا ولا أمريكا أنهما ساعدتا الاخوان للوقوف ضد تصاعد المد العروبي في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وفي محاولاتهم لاغتيال جمال عبدالناصر والتصدي لمشروعه القومي. وليس سراً أنهما قامتا باحتضان فلولهم بعد فشل محاولاتهم المتكررة للانقضاض على الثورة. كما قامتا باحتضانهم أيضاً بعد موجات هجره المسلمين الجماعية في العقود الاخيرة فسهلت لهم الحصول على حق اللجوء السياسي بمجرد وصولهم. وهكذا تصدر الاسلاميون المجتمعات الاسلامية في أوروبا واميركا وتحكموا في المساجد والمدارس والمجالس المحلية، وغالباً ما كان ذلك يتم بمساعدات مالية سخية. وأهم من ذلك أن تلك الدول وفرت لهم مساحات في وسائل الاعلام بكل صورها.

فليس مصادفة إذاً أن بريطانيا هي مركز التنظيم الدولي للاخوان، وليس مصادفة أن بريطانيا واميركا ترفضان الى الآن تصنيف الاخوان كمنظمة ارهابية. عدم تصنيف الاخوان كمنظمة ارهابية دليل على ثقة الحكومات الغربية بعدم وجود نية لديهم لإرهاب اسرائيل، فالارهاب من وجهة نظر الدول الغربية هو إرهاب اسرائيل وليس إرهاب العرب ولهذا تعتبران حزب الله منظمة ارهابية ــ لأنه يرهب إسرائيل لا العرب. وتلك إشارة على أن الأخوان والمنظمات التي تفرعت منهم يعملون يداً بيد مع اميركا و بريطانيا وربيبتهم إسرائيل. وتلك حقيقة مؤسفة باعتبار أن الأمة العربية مجمعة منذ إقامة الكيان الصهيوني عام ١٩٤٨ على أن القضية الفلسطينية هي قضيتها الأولى والمحورية وأن تحرير تلك الأرض المقدسة التي باركها الله واجب مقدس على كل عربي. لكن المنظمات الاسلامية خرجت عن هذا الاجماع البديهي و انهمكت في صراعات جانبية ضارة بالتضامن العربي و بعيداً عن فلسطين، مما قد يظهر للناس وكأنه تشتيت مؤقت بينما هو في الواقع وظيفة دائمة لتلك المنظمات.

ربما أقرب ما وصلت إلية المنظمات الاسلامية من فلسطين هو سوريا … لكنها هناك لا ”تجاهد“ ضد إسرائيل بل تقاتل في صفها وجنباً الى جنب معها ضد البلد العربي الوحيد الذي يتصدى لذلك العدو الغاصب. التعاون بين المنظمات الاسلامية واسرائيل كان دائماً واضحاًً للعيان، وحسب ما أكدته مجلة ”فورين بوليسي“ قبل عامين فأن اسرائيل ساعدت على الاقل ١٢ منظمة اسلامية عاملة في سوريا وقدمت لهم الرشاشات والمدافع وسيارات النقل وغير ذلك من الاسلحة … و .. مرتبات شهرية! لكن المساعدة الأهم كانت في قيام الطيران الاسرائيلي بقصف المواقع السورية، عند اللزوم، للتخفيف عن المنظمات.

لم يكن الجهاد والدفاع عن المقدسات والاوطان في يوم ما غريباً على العرب. في الخمسينات كان لكلمة ”الجزائر“ رنين خاص يقع في نفوس العرب موقعاً خاصاً يكاد يكون مقدساً قدسية فلسطين. وما كانت الكلمة تذكر إلا وتذكر معها عبارة ”بلد المليون شهيد“. كانت القلوب مع جبهة التحرير وبلغت الفرحة يوم تحريرها عنان السماء، وقس على ذلك حرب تحرير جنوب اليمن المحتل. لكن لم يكن من تلك المعارك ما أخذ مكانة فلسطين التي كانت دائماً في قلب خارطة الجهاد ضد الاحتلال.

هكذا كان الحال عندما كان العرب يختارون طريقهم بأنفسهم ولا دليل أمامهم إلا حِسُّهُم الوطني. ولكن بعد السبعينات تغيرت الأمور وأصبح لا دليل للعرب إلا المصالح والتعليمات الأمريكية. وهكذا وجدنا أنه أصبح لدينا قضايا غريبة يفترض بنا أن نعتقد أنها أهم من فلسطين وأكثر إلحاحاً. ولتمرير هذه الردة عن قواعد الصراع ضد العدو الصهيوني كان لا بد من إستخدام الدين وتطويعه ليناسب الرغبات الاميركية. وهكذا اكتشفنا في الثمانينات من القرن الماضي أن إعادة أفغانستان للحظيرة الأميركية أصبحت جهاداً واجباً وفرض عين على المسلمين. وعندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران وتبنت موقفاً قوياً مع الحق العربي و مع الفلسطينيين ضد إسرائيل، تفتقت أذهان شيوخ سلاطيننا فأعلنوا أن الإيرانيين (المؤمنون بالله ورسوله وكتبه ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وأصبحوا يقفون مع العرب ضد إسرائيل ) هم في الحقيقة فُرس ( و لم يجدو حرجاً في اللجوء للعنصرية البغيضة التي نهى عنها الاسلام) و مجوس ( تخيل أن يوصف العرب مثلاً بعبدة الأصنام! ) وأنه لا بد من ”الجهاد“ ـــ ضدهم!

نعم، في كلتا الحالتين (افغانستان وايران) ”جاهد“ المسلمون في سبيل إعلاء كلمة اميركا لا اعلاء كلمة الله!
وفي سوريا ”جاهد“ المسلمون في سبيل إعلاء كلمة إسرائيل لا إعلاء كلمة الله!
وهكذا فقد العرب بوصلتهم ودليلهم وأصبحوا يسيحون في أرض الله لا يعرفون صديقهم من عدوهم!

كان تدخل العرب بالشأن الأفغاني أمراً مستهجناً من البداية ، فلم تغتصب الأرض ولم يتعرض أحد للتهجير ولم يتذمر الشعب الأفغاني لأحد. كل ما حصل هو أن مجموعة يسارية موالية للإتحاد السوفياتي أمسكت بمقاليد الحكم من مجموعة سابقة كانت أيضاً يسارية وموالية للإتحاد السوفياتي. كانت حجة الاسلاميين وقتها ”كيف نقبل أن يقع بلد إسلامي تحت نفوذ الإتحاد السوفياتي؟“ مع أنه كان معروفاً وقتها أن الإتحاد السوفياتي نفسه يشتمل على ثمانية جمهوريات إسلامية. طبعاً كان السبب الحقيقي واضحاً وهو إرضاء أميركا فكان لا بد من استخدام الدين لتمرير مثل ذلك العذر المرفوض.

بعد أن تسلمت أمريكا مقاليد القيادة الاستعمارية من بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية قامت بدعوة قيادات الإخوان المسلمين لزيارة واشنطن والاجتماع مع أيزنهاور سنة ١٩٥٣ للتعارف والتفاهم على سبل التعاون. وبعد أن تبين لها أنه لا يمكن التأثير على جمال عبدالناصر، بدأت المخابرات المركزية في الوقوف علناً مع الإخوان المسلمين ودعمهم ضد القيادة الجديدة. وقد استفاد الإخوان كثيراً من هذا الدعم فسيطروا على المراكز الإسلامية في أوروبا وزادت نشاطاتهم الدعوية وانشاوا مركزاً كبيراً لهم في ميونخ بألمانيا.

بعد الاعتداء الثلاثي على مصر سنة ١٩٥٦ سُئِلَ الاخوان المسلمين عن سبب عدم مشاركتهم في المقاومة الشعبية لصده فكان ردهم ”ربما مصلحتكم أن تقاتلوا في مصر لكننا حركة عالمية وربما مصلحتنا أن نقاتل في مكان آخر“. وهذا يؤكد أن الاسلاميين لهم أجندة خاصة بهم ومرتبطة بمصالح الدول الكبرى ولا علاقة لها بقضايا العرب وهمومهم. وكما نعرف فإنه أثناء حكم الإخوان المسلمين لمصر عام ٢٠١٢ لم تصدر منهم أي إشارة بأن لديهم أي نية في قتال إسرائيل، ولا حتى في التخلص من إتفاقية كامب ديفيد المهينه. وللمفارقة فقط نُذكِّر بمزايداتهم في الستينات عندما كان إعلامهم وشغلهم وشاغلهم دائماً إشاعة مقولة، أن جمال عبدالناصر متقاعس عن قتال إسرائيل!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى