تركيا تراوح في تعاملها مع سوريا بين المؤامرة الاخوانية والمغامرة العسكرية

برغم عنتريات رئيسها الاحمق، تدرك تركيا تماما أن جميع مخطاطاتها في سوريا باءت إلى الفشل، وما كانت تبحث عنه لم يحدث في ظل تغيير موازين القوى في سوريا وتمكن الجيش السوري من الاستمرار في تحرير أراضيه إلى أن وصل اليوم إلى المناطق التي يسيطر عليها حلفاء تركيا، في غرب حلب وادلب وما حولها ومع ذلك لم يهتم الجيش السوري للداعمين واستمر في التقدم على محور ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وكذلك غرب حلب، ما أثار حفيظة تركيا التي تعلم أن تحرير كامل الأراضي السورية في غرب وشمال غرب البلاد بات قاب قوسين او أدنى من ان يتحقق، لذلك انطلقت القوات التركية بأمر من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإنقاذ ما يمكن انقاذه من أحلام الأخير قبل فوات الآوان، إلا أن أردوغان يعلم أن ما يفعله اليوم لايتعدى كونه محاولة فاشلة جديدة لخلط الأوراق وكسب المزيد من الوقت في محاولة لكسب فرصة جديدة في سوريا.
التطورات الجديدة أجبرت اردوغان على الدخول بشكل مباشر على خط المعارك الحاصلة هذه الايام في ادلب وريفها وريف حلب، ولكون المسلحين سيكونون لقمة سائغة أمام تقدم الجيش السوري وضرباته، بدأت تركيا ترسل ارتال عسكرية إلى سوريا، وفي الأمس دخل رتلين عسكريين تابعين للجيش التركي الى الأراضي السورية عبر معبر كفرلوسين في ريف إدلب الشمالي، تعزيزاً لنقاط المراقبة التركية في ريفَي حلب وإدلب الجنوبيين، في حين لا يزال رتل ثالث ينتظر عبور الحدود. ونقلت التنسيقيات عن مصدر وصفته بـ”الموثوق” قوله إنه “ستدخل لاحقاً تعزيزات عسكرية أخرى”، وإن “هذه القوات ستتمركز في المناطق الواقعة بين حلب ومدينة سراقب في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وبين سراقب واللاذقية (على الطريق الدولي)”. وأضافت أن الجيش التركي أنشأ، خلال دخوله من إدلب إلى ريف حلب الجنوبي، حواجز عسكرية بلغ عددها حتى الآن نحو عشرة. وأشارت إلى أن “الجيش التركي سينشئ نقطة مراقبة جديدة على الطريق الدولي (دمشق – حلب) بين بلدة الزربة وبلدة خان طومان في ريف حلب الجنوبي الغربي”، بعدما “أنشأ أخرى في محيط مدينة سراقب، هي الثالثة له هناك”.
في الوقت ذاته، واصل الجيش التركي إرسال تعزيزاته إلى إدلب ووحداته المنتشرة على الحدود مع سوريا، كما أنشأ نقطة مراقبة ثالثة قرب مدينة سراقب الاستراتيجية، في محاولة لمنع قوات الجيش السوري من السيطرة عليها. وأقام الجيش التركي، خلال الأسبوع الماضي، نقطتي مراقبة في محيط سراقب، وهي مدينة استراتيجية تطل على طريقي «إم 4» و«إم 5» الدوليين، في ظل استمرار الجيش السوري في حملته العسكرية للسيطرة عليها، بعد السيطرة على معرة النعمان.
وتتقدم القوات السورية على محور ريف إدلب الجنوبي والشرقي، وباتت على مسافة قريبة من مدينة سراقب؛ حيث تقدمت وحداته في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي، وسيطرت على بلدات الهرمتية وقمحانة وعين ألبان وتل خطرة وأبو جريف والكنايس وتلتي دبس والسواتر، مضيقة الخناق على فصائل المعارضة في ريف معرة النعمان الشمالي الشرقي، وذلك بعد أن استطاعت التقدم في ريف المدينة الجنوبي الغربي، والسيطرة على بلدات حيش والعامرية وطبيش وكفرمزدة، ولتؤمن الطريق الدولي بين خان شيخون ومعرة النعمان، وصولاً إلى بلدة خان السبل على الطريق الذي تقدمت منه صوب سراقب، وسيطرت على بلدات معر دبسة وجوباس ومرديخن على بعد كيلومترين من سراقب، وهي عبارة عن أراضٍ زراعية.
الأحداث الأخيرة نجم عنها قتلى من صفوف الجيش التركي، قيل ان عددهم وصل إلى 4 اشخاص و9جرحى، ووفقا لهذا صرح حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، المس الاثنين، أن أنقرة ستعتبر قوات الجيش السوري “أهدافا” حول مواقع المراقبة التركية في إدلب شمال غربي سوريا.
وقال المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، عمر جيليك، في تصريحات مع قناة “سي.إن.إن” إن “أنقرة ستعتبر قوات الحكومة السورية أهدافا حول مواقع المراقبة التركية في إدلب شمال غربي سوريا، وذلك بعد أن أعلنت أنقرة أن أربعة من جنودها قتلوا بقصف سوري”.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال في وقتا سابق اليوم، إن بلاده ستواصل عملياتها العسكرية في سوريا، مشيرا إلى أن تركيا ستواصل الرد على الهجوم على قواتها في إدلب السورية.
وتخشى تركيا التي تستضيف 4 ملايين لاجئ سوري من عملية نزوح غير مسبوقة من إدلب إلى أراضيها، وذلك بعد أن أدت الهجمات الأخيرة إلى نزوح أكثر من 700 ألف مدني، وسط تخوفات من ارتفاع هذا العدد إلى أكثر من 3 ملايين في حال استمرار هجمات الجيش السوري وحلفائه على المحافظة التي تعتبر آخر معاقل المعارضة السورية في شمالي البلاد.

دوافع أردوغان لدخول سوريا
أولاً: في البداية كان أردوغان مناصرا لما يسمى “الربيع العربي” وخاصة في مصر، لكن، بعد تجذُّر الثورات المضادة، رأى فرصة جيوسياسية كي يفعل في سورية ما أقدمت عليه سابقاً بريطانيا وفرنسا- في البداية على الأقل، في ليبيا. كانت هذه فرصته. قَدَرُه! لكن التعقيدات تجاوزت كل الحدود، خاصة بعد نهوض الجيش السوري وتمكنه بدعم من حلفائه من التقدم والسيطرة على جميع اراضي البلاد وسط ذهول العالم أجمع، وتفاقمت الخلافات مع أميركا حول سورية، خاصة إزاء الطموحات الكردية الضخمة هناك؛ وبرزت حاجة أنقرة للتحالف، وإن مؤقتاً، مع إيران وروسيا. ولذا، تركيا لاتزال مكشوفة أمام المخاطر.
ثانياً: تطوّرت أهداف تركيا منذ الانتفاضة في تلك البلاد العام 2011. ففي حين أن انخراطها الدبلوماسي ثم العسكري على نحو متزايد كان يستهدف في نهاية المطاف تغيير النظام في دمشق، وبعد فشلها في هذا الأمر أصبحت تركز أكثر على موضوع “الأكراد” وحماية أمنها القومي والذي تبين فيما بعد أنه كذبة كبيرة لتبرير الأطماع الاستعمارية_العثمانية لأردوغان في سوريا.
ثالثاً: على المدى البعيد، فتهدف أنقرة إلى حصد الفوائد الاقتصادية من عملية إعادة إعمار سورية، والحفاظ على نفوذ فعّال في تشكيل ما سيأتي من أحداث. ولتحقيق هذه الأهداف على المديين القصير والمتوسط، يتعيّن على تركيا أن تبقى من بين اللاعبين الذين سيحددون شكل التطورات على الأرض. والطريقة الوحيدة والمّثلى للقيام بذلك هي زيادة وجودها العسكري في سورية. وهذا بالتحديد ماتفعله أنقرة الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى