حرب أكتوبر المغدورة والحقيقة المغيبة

 

بادئ ذي بدء أعترف بأنني مسكون بهوى وحب مصر، وأرى بنهضتها نهضة للأمة العربية جمعاء، وتغييب دورها يعني تغييبا للأمة العربية.

هذا ليس شعرا ولا أمنيات خيالية، ولكنه حقائق على الأرض عشناها عبر التاريخ الطويل، ولذلك فالموقف من أي نظام يحكم مصر ينطلق من تلك الحقائق ، وبنهضة مصر الدولة والدور يكون الموقف من هذا النظام أو ذاك ، وعلى هذا الأساس نقول بأمانة الكلمة أن مصر النصف الثاني من القرن العشرين وحتى الآن هي مصر عبد الناصر الذي لم يعد شخصا بعد رحيله إلى جوار الله، ولكن هو المبدأ والطريق والنهج التي سنظل احرار العرب يسيرون عليها، رغم كل الصعاب .
من حقنا ان نحتفل بانتصارات حرب أكتوبر المجيدة التي تهل هذه الأيام الذكرى الــ46 لمرورها ، ولكننا نذكر كيف تم وأدها في اليوم الثاني من بدءها لدى أول هاتف ساخن بين هنري كيسنجر الصهيوني الأشهر، وعميله بمصر أنور السادات الذي بادر بالاتصال بذلك الكيسنجر وأكد له بأنه لن يتقدم أكثر من عشرين كيلومترا داخل سيناء .
لقد كانت هذه رسالة للكيان الصهيوني، لأن السادات يعلم أن كيسنجر هو وزير خارجية اسراميكا أي أميركا وإسرائيل ، وذلك ليعطي العدو المبادرة على الجبهة السورية حيث كان الجيش العربي السوري البطل قد اجتاح هضبة الجولان بعد تحرير القنيطره، وحوّل العدو بالفعل كل قوته مدعومة من أمريكا اتجاه سوريا لتنتهي المعركة على غير ما بدأت، ولتصبح من نصر اولي تمثل بالعبور العظيم لقناة السويس وتحطيم خط بارليف واجتياح هضبة الجولان، هزيمة عسكرية، والأهم والأعمق هزيمة سياسية ما زلنا ندفع ثمنها كل يوم .
بعد وقف التقدم السوري والمصري وتغّول جيش العدو من خلال ثغرة الدفرسوار التي تسبب بها السادات، خلافا لأراء قائد الجيش المصري الفريق البطل سعد الدين الشاذلي، بات جيش العدو يقاتل داخل الأراضي المصرية والسورية ولا يبعد عن القاهرة إلا 101 كيلو متر حيث سُميت المفاوضات بين السادات والكيان الصهيوني باسم تلك المسافة، التي بدورها قادت السادات من أذنيه ليستسلم لكل ما يريده العدو بعد حصار الجيش الثالث ، وأخيرا قادتنا تلك المفاوضات لكامب ديفيد وملحقاتها .
لقد تابعت الإعلام المصري بكل ألوانه حتى الذي يبث من خارج مصر وللأسف لا يزال ذلك الإعلام، ولا سيما الرسمي والملحق به، لا يرى من تلك الملحمة العظيمة في بدايتها إلا قرار العبور وهو قرار عظيم ولكنه أفرغ من مضمونه، والضربة الجوية التي لم تكن إلا لرفع معنويات الجنود كما قال السادات، وفق ما أكده الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل رحمه الله .
ومن يشاهد الإعلام المصري لا يرى إلا تكرارا لثلاثة صور .. انطلاق الطائرات التي لم تدمر شيئا معتبرا والدليل واضح ، مثلا عندما نذكر عدوان حزيران نعلم أن طائرات العدو دمرت 80% من الطيران المصري، فماذا دمرت الطائرات المصرية في الضربة الجوية التي طالما تغنى بها نظام حسني مبارك؟ وكم دمروا من قوة العدو –
الصورة الثانية رفع العلم المصري على أول 10كيلومترات من سيناء بعد العبور ، والثالثة مدافع تضرب من مواقعها قبل التوقف الذي أمر به الخائن لله والوطن والأمة أنور السادات ، حيث غير مجرى المعركة لتصبح لصالح العدو في نهايتها .
وإذا النظام المصري طيلة عهد السادات 8 أعوام بعد الحرب حتى مقتله في ذكرى تلك الملحمة والتركيز لا يتم إلا على قرار العبور ، وبعد ذلك حسني اللامبارك وهو تكملة للسادات ولأجل شرعية يسند نفسه إليها كان التركيز 30 عاما على الضربة الجوية فقط .
لقد اقصي عن المشهد تماما أهم قادة حرب أكتوبر، وقبل ذلك من وضع أساسها الفريق أول البطل محمد فوزي الذي كان في سجون السادات بمسرحية مراكز القوى المزعومة.. والفريق محمد فوزي هو الذي أعاد بناء القوات المسلحة بعد النكسة ووضع مع أخيه الفريق الشهيد البطل عبد المنعم رياض خطة العبور جرانيت 1 وجرانيت 2 ، وأقصي الفريق البطل سعد الدين الشاذلي قائد حرب أكتوبر وبطلها الحقيقي، وتم تجاهل اللواء والمشير فيما بعد محمد عبد الغني الجمصي خاصة في فترة حكم المخلوع حسني مبارك .
نعم حرب أكتوبر ملحمة عظيمة للجيشين العظيمين المصري والسوري وللجيوش العربية التي ساهمت، ولكن ما نريده ونطالب به لأجل الأجيال القادمة أن تذكر الحقائق كما هي.. ذلك لان الكذب والتزوير بقرار العبور المزيف بعد إفراغه من مضمونه ثم الضربة الجوية لا يصنع نصرا، وإنما يصنع النصر الحقيقي الاعتراف بالحقيقة وأين كان الخطأ لتفاديه مستقبلا .

المجد والخلود لشهداء وأبطال حرب أكتوبر تشرين المجيدة الأحياء منهم والأموات، وعلى رأسهم الزعيم جمال عبد الناصر الذي أعد مع قادة الجيش المصري خطة العبور وكل شيء كان جاهزا قبل رحيله المفجع، والرئيس البطل حافظ الأسد رحمه الله وقادة الجيش العربي السوري، وكل من شارك بتلك الملحمة العظيمة التي ستبقى فخرا لمصر ولسوريا والامة العربية.. وليذهب الى مزبلة التاريخ كل من خان وتآمر ووضع يده بيد العدو ، ولا نامت أعين الجبناء .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى