تفنيداً لـ ورداً على محاولات تسويق ” خوان المسلمين ” مجددأ ، بأنهم ديمقراطيون

 

 

مع أهمّيّة النّزعات الأكاديميّة في البحث و النّقد “المنهجيّين” في قراءة و تتبّع و تحليل “الأيديولوجيّات” السّياسيّة المعاصرة ، فإنّه ثمّة من القول ما لا تُحيط به التّجربة “الأكاديميّة” ، في تحرير “النّصّ” أو تَعَقُّبِ “الخطاب” ، إحاطةً “معرفيّة” ، بسبب أنّ قُصيويّة “الخطاب” السّياسيّ المعاصر ، في غالبه ، قد تجاوزت كلّ نزاهة و عدالة واقعيّة ؛ فإذا بأهداف و آفاق “المدلول” تقع خارج “المقول” و “المفهوم” و “الدّلالات” التّقليديّة لأنظمة “الدّلالة” المعروفة ، المختلفة و المتعدّدة ، في “موقف” أشدّ تعقيداً ممّا تظنّه حتّى “براءة” الفكر السّياسيّ ؛ و هذا – فقط – عندما يكون ذلك “الفكر” بريئاً ، بالفعل ..

و هو الأمر الذي وقع ، في تاريخ السّياسة ، بالإجمال ، خارج أسس المعقوليّات التي سجّلتْها الذّاكرة المعروفة ، و هو يقع ، اليومَ ، خارج دائرة “المعقوليّة” العالميّة المعاصرة .

و على أنّنا في صدد نقد ” بحث سياسيّ” معاصر جدّاً .. بكلّ المفاهيم “الزّمنيّة” و “السّياسيّة” ، هو بحث ( أو : كتاب ) “المشاركة السّياسيّة للإخوان المسلمين في سوريا” ، لمؤلّفته “الأكاديميّة” ( د. دارا كوندويت – Dara Conduit ) ؛ فإنّ النّقد “الأكاديميّ” لهذا ” البحث ” ، كما النّقد “الأيديولوجيّ” له ، لن يكونا وافيَيّنِ بغرض محاصرة أهداف “المؤلِّفة” ، المفهومة و المفضوحة بخلفيّاتها التي لاتنتهي أوصافها ..

إذ لا بدّ من تدخّل كلّ ما يمكن من “معرفيّات” و ثقافات أيديولوجيّة و فيللولوجيّة و “ميتافيزيقيّة” ( ما ورائيّةِ فلسفيّةٍ سياسيّةٍ ) ؛ لنكون على قدرة نقديّة شاملة مناسبة لإنقاذ ثقافتنا السّياسيّة الوطنيّة و القوميّة و السّياديّة العربيّة و السّوريّة .. من “الفخّ” السّياسيّ الدّوليّ الذي يُعدّ لنا ، في سورية ، بخاصّة ، و الوقاية من عدوى “الجرثومة” التّكفيريّة “الإسلامويّة” ، القديمة و الحديثة و المعاصرة التي تكادُ تفتكُ بالتّربة السّياسيّة الوطنيّة المفهوميّة للتّحوّلات الدّيموقراطيّات الجديدة ، الزّائفة ، في سورية ، وذلك في تظهير الدّاء السّياسيّ الإسلامويّ في تصميم “الدّستور” السّوريّ المعاصر ، “المأمول” فيه مشاركة “الإخوان المسلمين” في صناعة السّياسة السّوريّة بشرعيّة “دوليّة” و “قانونيّة” محمومة ، على الشّكل و المضمون الّلذينِ يُهَيِّآنِ سورية و السّوريين لخلق بلد متداعي الولادة و مشوّه الصّورة ، بعد أن خرّبته “الحرب” ، يؤسّس لانفجارٍ وشيكٍ و حَالٍّ للمشرق العربيّ كلّه ، و سائر منطقة قلب “الشّرق الأوسط” ، من “البحر الأبيض المتوسّط” و نهايةً بإيران ..

تُشكّل فيه “جماعة الإخوان المسلمين” ، “الأمميّة” ، فتيل البركان الذي سيؤجّجه عنف “العالم الإمبرياليّ” المعاصر المتجاوز للهُويّات و القوميّات و الدّول و المنظومات و الأيديولوجيّات التّقليديّة .. ، لمسح المشرق العربيّ و الإسلاميّ من خارطة العالم ، و لحذف خطوط الطّول و العرض المعاصرة ، نهائيّاً ، هذه التي تحيط ، حتّى الآن ، بإسرائيل !

  • أوّلاً – نقد منهجيّة “المؤلِّفة” :

كما هو متّبع في المراكز البحثيّة الغربيّة المعاصرة ، تعتمد “المؤلّفة” في منهجها التّرويجيّ التّشكيك بثوابت الوقائع السّياسيّة المعروفة للجميع و اجتزاء الأفكار التي تتيحها نتائج الممارسات السّياسيّة الفتّاكة ، لظاهرات مجتمعيّة حركيّة محلّيّة و محيطيّة و إقليميّة و دوليّة و أمميّة شائعة ، كحركة مثل “جماعة الإخوان المسلمين” ، بحيث يُعاد تصنيع تلك الأفكار بما يتناسب مع الميول العامّة للأيديولوجيّات السّائدة عدديّاً ( كمّيّاً ) في المجتمعات التي تحضنها ؛ و هذا ما يختلف مع التّوجّهات البحثيّة المخصّصة للشّعوب الغربيّة التي تكون مهامّها منصبّة ، في الدّرجة الأولى ، على جمع الوعي العام في بوتقة يُعدّ فيها بترتيب مُتقَن ما يُسهّل تقييد المجتمعات الغربيّة بأصفاد التّجميع القسريّ للدّوافع البشريّة من أجل خدمة السّياسات العامّة المركزيّة العولميّة العابرة للمجتمعات ، في الوقت الذي تعمل فيه تلك “المراكز” على العكس في بلداننا لتفتيتها و إشعالها الدّائم بالحرائق التي يتوجّه عبرها “العالم الإمبرياليّ” إلينا لمعالجة هذه الحرائق بالمزيد من الإضرام .

و إذا كان أنسب ما نَصِفُ به هذه “المنهجيّة” ، هو “التّجزيئيّة” البنيويّة لما بقي متماسكاً من العلاقات “الوطنيّة” ، و اجتزاء “الحقائق” الواقعيّة من سياقاتها المعبِّرة ؛ فإنّ ذلك لا ينتهي عند هذا الحدّ ، ليتجاوزه إلى خداع “الرّأي العامّ” – المخدوع ، أصلاً .. – المستهدف كمادة للتّأثير ، تحت ضغط و تهويل “الأسماء” و “الألقاب” و المنظّمات “الإنسانيّة” و “الحقوقيّة” و “المدنيّة” ، “المأجورة” ، و الدّعيّة دوليّاً (NGOs) ، لاستدامة ثبيت أدوات و أسباب العجز السّياسيّ الذي تُسلِّح به شعوبَ البلدان المنغلقة و المجتمعات الكيديّة ، بالمزيد من الأوهام ، و ذلك بالتّحريض الذي توزّعه ، بعدالةٍ إمبرياليّة شديدة ، على منظومات اجتماعيّة و نسقيّات سياسيّة فاقدة للمَنَاعة و المقاومة ضدّ جيوش الكلمات “السّمينة” و الأفكار الضّيّقة و الفارغة و لكن التي تكفي مجتمعاتنا أسباب الانحدار في الحروب و الصّراعات و الاضمحلال نحو الانقراض .

و تعمل “المؤلّفة” ، وفق ما تقدّم ، و إضافة إليه ، على التّزوير المتعمّد في رابعة نهار الواقع و التّاريخ القريب الذي سكن في وعي سياسيّ للنّظام العامّ في سورية ؛ من دون أن تباشر موقفاً صريحاً مؤيّداً أو عدوّاً للإخوان المسلمين و الحركات الإسلامويّة المتنامية عنها و الموازية لها ؛ بواسطة ما يمكن لنا تسميته بمراكمة التّحريف التّاريخيّ و التّزوير المضمونيّ و التّكرار “الحياديّ” للإيحاء بما تسمّيه بالتّجربة السّياسيّة “الدّيموقراطيّة” لجماعة “الإخوان المسلمين” في الفترة ما بين ( ١٩٤٧- ١٩٦٣ ) من القرن العشرين ، حيث أظهرت “الحركة” (الجماعة) “التزاماً مثابراً بشكل معقول ، بالدّيموقراطيّة” [ ص ٤٩ ] ، كما تدّعي مؤلّفة هذه الأكذوبة ، صاحبة “الكتاب” .

تسمح “ديموقراطيّات” البربريّة الإمبرياليّة العالميّة ، في الواقع ، بتمايز القوى و المصالح التي تقف وراءها ، و بالتّالي بالتّناقضات و الخلافات و التّباينات ، كما هو العكس صحيح ؛ و هكذا ، فإنّه من العبث و الجهل السّياسيّ أن ننظر إلى واقع السّياسة الغربيّة ( و الشّرقيّة! ) الإمبرياليّة على أنّها سياسات واحدة أو واحديّة ؛ و هو – بالضّبط – ما عملت عليه ( د. كوندويت ) من حيث اعتمادها على “المصادر” و “المراجع” الأرشيفيّة التي عُنيَتْ و تُعنى بحركة “جماعة الإخوان المسلمين” ، عدا عن ممارسة “المؤلّفة” لإيهامات تُظهِرُ و تُبدي المواقف السّياسيّة متناقضة المرجعيّة ، بعناية كبيرة لتكريس “فكرة” ممارسات “الجماعة” النّيابيّة الدّيموقراطيّة خلال الزّمن المستهدف للدّراسة ، لتمتدّ به إلى واقع ممارساتها ، اليوم ، أثناء هذه “الحرب” التّخريبيّة لسوريّة ؛ و كلّ ذلك بأسلوبِ مبتدئةٍ في “الكتابة” و “التّعليل” لا ينقصه “الخبث” السّياسيّ و الموقف المتحيّز سياسيّاً و أيديولوجيّاً و الذي يمكن تعليله بأسباب و مغريات لا تخفى على أحد .

في الحقيقة ، لا يتجاوز “منهج” المؤلِّفة الشّكل الدّعائيّ الإعلاميّ المعاصر و الذي لا يخلو من “البلاهة” و “الاستبلاه” الّلذينِ تمارسهما و سائل الاتّصال الدّعائيّ المعاصرة بمحدوديّة لا تخفى إلّا على المغفّلين المهيّئين لحضانة جراثيم “الدّيموقراطيّة” و “الحريّة” المعاصرين للأفكار و الممارسات و الحركات و الحروب العدائيّة ضدّ النّظم الوطنيّة التي لا تروق للعولمة السّياسيّة المعاصرة ، بوصفها آخر العقبات في طريق الاستيلاء السيّياسيّ و الثّقافيّ على العالم ؛ تلك الأفكار و الممارسات التي تُحضَّرُ و تُجهّز من أجل إطلاقها في الظّروف التي تناسب تدرّج أهداف “العنف” العالميّ في استلاب الدّول و المجتمعات “المحدودة” التي يُعتبر مثالاً كالمثال السّوريّ نموذجاً عمليّاً لسياساتها كما أثبت ذلك واقعنا الأخير .

  • ثانياً – نقد وقائع مادّة “الكتاب” :

قامت “المؤلِّفة” باستعادة بعض الوقائع السّياسيّة من زمن فترة “الدّراسة” ( ١٩٤٧- ١٩٦٣ ) ، في سورية ، فوضعت نفسها في مواقف مخزية من الأدلجة و الكذب المتعمّد و المحاباة لـ”الإخوان المسلمين” و تعمّد انتقاء “الاقتباسات” و “التّوثيقات” المتناقضة ، بهدف التّضليل و إبدائها “حياديّتها” البحثيّة ، لإضفاء صفة الإقناع “الأكاديميّ” للقارئ ، على “الكتاب” ؛ فكان لا بدّ لها من “الضّياع” السّياسيّ و المنهجيّ عن هدفها في “التّضليل” المقصود ؛ فكانت أن أعدّت “نصّاً” شديد التّناقضات التي يُظهرها أوّلُ تأنٍّ في القراءة ، كما أنّها أطلقت “خطاباً” سياسيّاً بدأتْهُ و لم تعرف توجيهه إلى ما تقرّره منه من هدف ، “تقريراً” لم يكن نتيجة استدلال أو اكتشاف .

و سوف يُدرك معنا الجميع – في حينه من هذا الحديث – كيف عملت “المؤلِّفة” على اسنتاجات تأليفيّة – تركيبيّة ، من وقائع و أحداث و اقتباسات و تصريحات ، كانت تصل إلى حدّ التّناقض الكامل مع النّصوص و المفردات التي ساقتها كأساسٍ لاستنتاجاتها المنقطعة عن أسبابها “المادّيّة” في الأحداث و الأقوال و الممارسات في مادّة دراستها على طول الخطّ ، و هو ما سوف يبرهن لنا فرضيّتنا النّقديّة المتعلّقة بقلّة خبرة “المؤلِّفة” بالتّدبيج المنظّم للأكاذيب و الأوهام و الإيهامات ، حيث يتوضّح ، بناء على هذا ، ما حدّدناه من دوافع “المؤلِّفة” ، الأيديولوجيّة ، و الدّوافع الأخرى التي عادة ما ينبغي أن تُتركَ إلى نباهة القارئ من دون الدّخول في مهاترات “الاتّهامات” التي هي ، على كلّ حال ، لا يمكن لعقل أو لمنطق أن يعدمَها ، إلّا إذا كان مدافعاً باغياً عن شرف سياسيّ ، ذاتيّ و موضوعيّ ، مفقود !

( أ – )

لقد صارت الفترة التّاريخيّة المسّماةُ ( و بالأحرى ، المُتّهَمة ..) بالدّيموقراطيّة و “الذّهبيّة” و البرلمانيّة و الدّستوريّة ، من تاريخ سورية ( ١٩٤٧- ١٩٦٣ ) ، نموذجاً مفهومَ التّوصيفِ السّياسيّ و الأيديولوجيّ ، بالنّسبة إلى كلّ باحث على الأسباب الكامنة وراء هذا التّوصيف .

واحدٌ ، فقط ، من هذه الأسباب ، إنّما هو التّرويج من أجل “ديموقراطيّة” الإسلامويين في تلك الفترة و المؤلّفين من “جماعة الإخوان المسلمين” في سورية كفرع من “حركة الإخوان” المصريّة التي أسّسها (حسن البنّا) في مصر في منتصفِ و أواخرِ عشرينات القرن العشرين .. و التي صارَ أشهرَ أيديولوجييها ، (سيّد قطب) ..

بالإضافة إلى باقي الإسلامويين السّوريين الذين توحّدوا و انضَووا تحتَ عَلَمِ “الإخوان المسلمين” ، بمختلف خلفيّات أولئك و هؤلاء ، السّياسيّة و التّنظيميّة و التّمويليّة الرّجعيّة العربيّة الإسلاميّة و الدّوليّة البريطانيّة منها و غيرها أيضاً .

( ب – )

تقول ( كوندويت ) :

“جماعة “الإخوان المسلمون” في سوريا هي واحدة من الحركات القليلة الفاعلة سياسيّاً التي ما زالت قائمة بعد سبعة عقود من الاستقلال في سوريا ، الحركة التي تأسّست عام ١٩٤٦ اكتسبت دورها كلاعب سياسيّ ثانويّ في البلاد في برلمانات ما بعد الاستقلال ، و لكنّها أصبحت منبوذة بعد انقلاب عدوّها حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ على الحقبة البرلمانيّة في سوريا عام ١٩٦٣. و بعد سنوات طويلة من القمع تحت حكم البعث ، حملت الجماعة السّلاح ضدّ النّظام السّوريّ في عام ١٩٧٩ ” [ ص ٥١ ] .

تختصر ( كوندويت ) ، تعسّفيّاً ، تاريخاً طويلاً من عمر تأسيس الحركة ، ناهيك عن المغالطات الزّمنيّة ( التأريخيّة ) التي ارتكبتها عن عمد ، لتعكس تجاهلها النّوعيّ المتقصّد لظروف التّأسيس و التّناقضات التي ظهرت مبكّراً بين “الجماعة” و بين “النّظم السّياسيّة” السّابقة على استيلاء “البعث” على “الحكم” في سورية ، و هو ما يُظهر التّعاطف الأخرق للمؤلّفة مع “الجماعة” ، و لأسبابها .. ، بغية وضع “الجماعة” مباشرة في مظلوميّة معاصرة كاذبة .

و لا مانع ، هنا ، من أن نعود قليلاً إلى التّاريخ لإظهار الصّفات العنفيّة الأولى لنشأة “الإخوان المسلمين” في سورية ، أوّلاً ؛ ثمّ لوضع اليد مباشرة على الرّفض المبكّر لديموقراطيّة “الجماعة” الكاذبة ، بسبب طبيعتها “الدّينيّة” الفاشيّة التي استشعرتها أكثر النّظم السّياسيّة “شموليّة” و دكتاتوريّة ، في المجتمع السّوريّ ، ثانياً ؛ و هذا قبل تولّي حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ الحكم في سورية ، بزمان “سياسيّ” مديد .

ظهرت قابليّات سريعة و حيّة لتلقّي مشاريع ما سمّي ب”الحركات الإصلاحيّة” الإسلاميّة في أواخر القرن التّاسع عشر و أوائل القرن العشرين ، ارتفعت بتلك “المشاريع” إلى رتبة “المقدّسات” الدّينيّة – الّلاهوتيّة المزيّفة ، عن طريق انتظامها السّريع و الواسع في “تنظيمات” سياسيّة – دينيّة كان مثالها الأكثر حضوراً و “مشروعيّة” و “انتشاراً” ، حركة “الإخوان المسلمين” في ( مصر ) .

لقد كانت “القرابات” العنفيّة الإسلاميّة القائمة على جذور اجتماعيّة ، عربيّة و إسلاميّة ، معادية لِـ”الإنسانيّ” و “الوطنيّ” و “القوميّ” ، في “التّاريخيّ” و “الاجتماعيّ” ، منذ إيجاد “الحركة “الوّهابيّة” بقيادة ( محمد بن عبد الوهّاب ) ( ١٧٠٣- ١٧٩١م ) ، في ( نجد ) من أراضي “الجزيرة العربيّة” ، و الحركة “السّنوسية” في “شمال أفريقيا” ، و “المهديّة” في السّودان ، وحركة “دان فوديو” في ( نيجيريا ) ، و “الدّهلوية” في ( الهند ) ، وغيرها في بقاع أخرى كثيرة من العالم الإسلامي ؛ بحيث يُظهر التّاريخ الواحد ، تقريباً ، لنشوء هذه “الحركات” (جميعها بدأت ، على التّزامن و التّوالي ، في القرن الثّامن عشر ) ، مناخاً تأسيسيّاً واحداً و مباشراً للحركات “الإصلاحيّة الإسلاميّة” المزعومة في نهاية القرن التّاسع عشر و بداية القرن العشرين ( الأفغاني و محمد عبده و أبو الأعلى المودودي ) ..

هذا المناخ الاجتماعيّ و الأيديولوجيّ الذي أحاط بظروف نشوء “حركة الإخوان المسلمين” في ( مصر ) منذ عام ( ١٩٢٨م ) ، في ظروف سياسيّة إقليميّة سياسيّة و أيديولوجيّة وظيفيّة ، دوليّة ، اتّصفت بسرعة و قوّة التّخطيط و الإعداد و التّنفيذ بغرض و دعم لوجيستيّ و منهجيّ دوليّ ( و عالميّ ) ، جعلت تنفيذها سريعاً في ( سورية ) ، أيضاً ، على أرضيّة منظوميّة جاهزة و مُعدّة مسبّقاً من “الجماعات” الدّينيّة المشابهة في “النّشأة” و الأسباب ، نظراً لما يربط كلّ من (سورية) و ( مصر ) بالأفكار “الإصلاحيّة الدّينيّة” المزعومة التي كانت قد انتشرت حديثاً في أوائل القرن العشرين المنصرم انتشاراً شديداً انطلاقاً من أسبابٍ كافية من الارتهان و العدوانيّة و المأجوريّة المنظوميّة – النّسقيّة ، و التّخلّف و الفراغ الاجتماعيّ و السّياسيّ و الفكريّ ، مضافاً إلى الاستثمار الاستعماريّ الحديث في “المكان” ..

كما نظراً لما يربط ما بين ( سورية ) و ( مصر ) من وشائج تشكّلت في التّاريخ بناءً على مجموعة من الرّوابط “الدّينيّة” و “التّاريخيّة” و “الثّقافيّة” كمخلّفات “طبيعيّة” لدّولة الخلافة الإسلاميّة ، و كأثرٍ “موضوعيّ” لفكرة “الأمّة” على مختلف الظّروف “الإشكاليّة” التي ابتعثتها في “التّاريخ” .

و في هذه المناخات المُركّبة ، على الضّبط ، تتلمذ السّوريّ المدعو ( مصطفى السّباعي ) ( المولود في حمص – ١٩١٥ – ١٩٦٤م ) ، في صغره على يد “مفتي حمص” (الشيخ طاهر السباعي) .

غادر ( مصطفى السباعي ) إلى ( القاهرة ) في العام ( 1933م ) للتّحصيل الدّينيّ في “الأزهر” ، حيث انتسب إلى حركة “الإخوان المسلمين” ، هناك ، و أصبح من المقرّبين من مؤسّسهم ( الشيخ حسن البنّا ) ، فتتلمذ عليه ، و كان من النّاشطين “الإخوانيين” على “السّاحة المصريّة” منذ عام ( ١٩٣٤م ) .

أوقف ( السّباعي ) في ( مصر ) عام ( ١٩٤٠م ) و نقل إلى سجن في ( فلسطين ) ، و من هناك عاد إلى ( حمص ) حيث أسّس حركة “شباب محمد” ، الدّينيّة التّكفيريّة المتشدّدة ؛ حيث كانت البيئة التّنظيميّة جاهزة للنّشاط “الإخوانيّ” التّنظيميّ في سورية ؛ إذ كانت ثمّة عدّة تنظيمات و جمعيّات إسلاميّة تعمل في (سورية) تحت مسمّيات مختلفة منذ “الحقبة العثمانيّة” و أيديولوجيّتها التّكفيريّة التي تأطّرت في “قانون المِلّة” العثمانيّ الطّائفيّ المعروف ، في أواسط القرن الثّامن عشر ..

فبرز من تلك “الجمعيّات” شخصيّات و رجال دين في ( دمشق ) تعاطت الشّأن السّياسيّ من مثل عائلات ( القوّتلي ) و ( الأيّوبي ) و ( مردم ) و ( العظم ) .

التقى ( السباعي) في (سورية) بأطراف “الجمعيات الإسلامية” في المحافظات السورية وقرروا توحيد صفوفهم ، و العمل جماعة واحدة وبهذا تأسست منهم “جماعة الإخوان المسلمين” لعموم القطر السوري ؛ وقد حضر هذا الاجتماع من مصر ( سعيد رمضان ) ؛ و كان ذلك عام ( ١٩٤٢م ) ..

ثم بعد ثلاث سنوات ، فقط ، و أي في عام ( ١٩٤٥م ) ، اختير ( مصطفى السباعي ) ليكون أوّل “مراقب عام” للإخوان المسلمين في ( سورية ) .

أسّس “الإخوان” لهم أول “مركز مرخّص” ( في ظلّ الاستعمار الفرنسيّ ! ) لِـ”الجماعة” في ( حلب ) تحت إسم “دار الأرقم” ؛ و كان من أبرز المؤسّسين ( عمر الأميري ) و ( عبدالقادر السبسبي ) و ( أحمد بنقسلي ) ، و ( فؤاد القسط ل) ، و ( الشيخ عبد الوهاب ألتونجي ) ، و ( سامي الأصيل ) .

عقدت “الجماعة” مؤتمرها الخامس في ( حلب ) في تشرين الثّاني/ نوفمبر عام ( ١٩٤٥م ) ، و قررت إلغاء المركز الرئيسي في ( حلب ) و تأليف “لجنة مركزيّة عليا” في ( دمشق ) مشكَّلة من ممثل عن كل “مركز” أو “جمعية” ، و اتخذت لها “مكتباً دائماً” تعقد اجتماعاتها فيه بالتنسيق مع “الإخوان” في ( مصر ) و (فلسطين) ..

و بذلك دخلت “دعوة الإخوان” في ( سورية ) و ( لبنان ) مرحلة جديدة من قوّة “التّنظيم” و “وضوح” الأهداف .

( ج – )

خاض “الإخوان” الانتخابات االتّشريعيّة في (سورية) عام ( ١٩٤٧م ) بمباركة ( حسن البنّا ) و فاز منهم ( الشيخ معروف الدواليبي ) عن ( حلب ) و ( محمود الشقفة ) عن ( حماة ) و ( محمد المبارك ) عن ( دمشق ) .

قام (حسني الزعيم) بالانقلاب الأوّل مدعوماً ببقايا ضباط جيش الشرق الفرنسي وبتخطيط أمريكي ، و أيّد “الإخوان المسلمون” ، بانتهازيّتهم المألوفة ، انقلاب ( حسني الزّعيم ) ( ٣٠- ٣- ١٩٤٩م ) ، بشرط حدّدوه في مذكرة رفعوها إلى ( حسني الزّعيم ) في ( ٩- ٤- ١٩٤٩م ) ، طالبوا فيها بِـ”العمل بمبدأ الشورى” .

( د – )

بعد الانقلاب الثاني في ( ١٤- ٨- ١٩٤٩م ) بقيادة ( سامي الحنّاوي ) ، جرت انتخابات لِ “جمعيّة تأسيسيّة” في منتصف الشّر العاشر من العامّ ( ١٩٤٩م ) ، خاضها “الإخوان” و توحّدوا مع “جماعات إسلاميّة” أخرى تحت اسم “الجبهة الاشتراكيّة الإسلاميّة” ، فاز فيها “الإخوان” بأربعة مقاعد أحدها لِ ( السباعي ) ، وشكّلوا مع “حلفائهم” كتلة برلمانيّة و بسطوا نفوذهم على النقابات العماليّة و الحرفيّة ، غير أنّهم فشلوا في “الرّيف” السّوريّ !

بعدها ، تشكّلت حكومة برئاسة ( خالد العظم ) و شارك “الإخوان” فيها “بحقيبة الأشغال العامّة والمواصلات” لِـ ( محمد المبارك ) .

بعد انقلابه في ( ٢٩- ١١- ١٩٥١م ) ، أصدر ( الشّيشكلي ) قراراً بإغلاق مراكز “الإخوان المسلمين” في ( سوريّة ) و زجّ بقادتها في السجون .

في ( ٢٤- ٢- ١٩٥٤م ) كان “الإخوان” في طليعة القوى السّياسيّة التي أيّدتْ ( الرّئيس هاشم الأتاسي ) في دمشق ، و حققوا ، إثر ذلك ، فوزاً في “البرلمان” .

بعد “الانفصال” من “الوَحدة” بين ( سورية ) و ( مصر) ، عام ( ١٩٦١م ) ، فاز “الإخوان” بعشر مقاعد نيابيّة في ظروف سياسيّة فوضويّة و عاطفيّة دينيّة و انتقاميّة و ثأريّة من “الوَحدة السّوريّة – المصريّة” .

( ه- )

تمّ إقصاء “الإخوان المسلمين” ، سياسيّاً ، في ( سورية ) مع تولّي حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ الحكم في ( سورية ) ، في آذار ( ١٩٦٣م ) ، و استطاع “حكم البعث” أن يقمع ” انتفاضات !! ” دينيّة – طائفيّة (!) حرّكتها و كانت وراءها و قادتْها جماعة “الإخوان” في الأعوام ( ١٩٦٣ و ١٩٦٤ و ١٩٦٥ و ١٩٦٧م ) .

( و – )

تصمتُ “المؤلِّفة” الأوستراليّة ( كوندويت ) عن كلّ هذا التّاريخ الأيديولوجيّ – الدّينيّ – المذهبيّ – الطّائفيّ ، و “العسكريّ” و “المسلّح” و “المنظّم” ، لجماعة “الإخوان المسلمين” ؛ فتقفز برياءٍ مجهّز أيديولوجيّاً ضدّ الدّولة السّوريّة ، من زمن تأسيس هذه “الحركة” العُنفيّة ، المبكّر – قبل “اقتراحها” تاريخه “الانتقائي” الهادف إلى ربطه و ربطها الكاذب بالاستقلال ! – و حتّى عام ( ١٩٧٩م ) الذي تدّعي “المؤلِّفةُ” فيه أنّه كان أوّل تاريخ لحمل “الجماعة” السّلاح ضدّ “الشّرعيّة” ، و محاربة الدّولة السّوريّة ؛ و بخاصّة عندما تسوقُ “فصلين” من “مؤلَّفِها” بعنوانين الأوّل هو “موجز عن تاريخ الحقبة البرلمانيّة” السّوريّة ، و الثّاني هو “المشاركة في الانتخابات” [ ص.ص ٥٥- ٦٦ ] ..

حتّى أنّه يُهيَّأ إلى من يقرأ عرضها السّرديّ الممسوخ ، بما في ذلك “مصادرها” و “مراجعها” و “مرجعيّاتها” ، أنّها تكتبُ لقرّاء من قبائل “الأسكيمو” الجليديّة في القطب الشّماليّ المعزولين عن العالم المدينيّ العالميّ ( و هذا عندما كانوا كذلك بالفعل ! ) ، أو للقبائل “الأوستراليّة” البدائيّة سكّان ( أوستراليا ) الأصليين فيما قبل “الاستيطان الأوروبّيّ” ، أو لعلّها المؤلّفة نفسها ، و هي “الأوستراليّة” بالجنسيّة ، تنتمي حتّى اليوم إلى إحدى تلك القبائل التي لا تجيد الّلغات الحيّة !

( ز – )

لا يُمكننا أن ندعو هذا السّلوك المنحاز ، للمؤلّفة ، إلى الأيديولوجيا الإسلاميّة الرّجعيّة التي لم تعرفها ( سورية ) إلّا بقيادة الرّجعيّات الإسلاميّة ذات الجذر الوهّابيّ – الإخوانيّ الواحد ، بالسّلوك أو المنهج “الأكاديميّ” .. ، بقدر ما نعتبره ، و تعتبره “الموضوعيّة” و “التّاريخيّة السّياسيّة” ، وقاحة علنيّة في تسويق “جماعة الإخوان” تسويقاً سياسيّاً معاصراً ، و تزويراً مادّياً مباشراً للتّاريخ و حقائق الفترة السّياسيّة التي تدّعيها “المؤلِّفة” كحدود لبحثها المزعوم .. و الذي تعمل منه على السّيطرة على المعطيات الأيديولوجيّة الاجتماعيّة الدّينيّة و الأيديولوجيّة ، التّحريضيّة على الدّولة السّوريّة ، و النّفاذ إلى الحرب السّوريّة المعاصرة لتبرير جرائمها الإرهابيّة ، و إلى ما بعد ذلك من تلميع لجماعة الإخوان المسلمين ، من أجل مستقبل سياسيّ افتراضيّ لهم ، جعلت له دراستها الإنشائيّة الموسومة بالأكاديميّة ، جسراً للتّرويج و التّسويق و المبادلات التّجاريّة السّياسيّة و المقايضات و المُقاولات .. !

( ح – )

و على أنّ “المؤلّفة” تدّعي ما هو مخالف لما يعرفه العالم المعاصر كلّه ( و يبدو باستثنائها ، و من وراءَها ! ) من أنّ العداء المسلّح الذي مارسه “الإخوان المسلمون” “ضدّ النّظام السّوريّ” – وفق ما تُعبّر – قد بدأ ، فقط ، منذ عام ( ١٩٧٩م ) ..

و هو ما لا تؤيّده الأحداث و الوقائع ، حتى باعتراف أعداء ما يسمونه بِـ”النّظام السّوريّ” ؛ فإنّه ما من بدّ من الوقوف على الفترة ما بين عام ( ١٩٧٩ و ١٩٨٢م ) ، حيث تكتب “المؤلّفة” عن تلك الفترة أنّها “سلسلة الأحداث المعقّدة التي تلت.. ، و بلغت ذروتها في انتفاضة و مجزرة حماة ١٩٨٢ و التي قتل فيها حوالي ٢٥ ألف شخص” [ ص ٥١ ] .

و بالعودة إلى الوثائق الدّوليّة الثّابتة و الرّصينة ، و إلى مؤرّخين موضوعيين و غير مؤدلجين بالعداء للدّولة السّوريّة أو بالتّهويل الممالئ لِـ”الإخوان المسلمين” ؛ فإنّ تحدّي “الإخوان المسلمين” للدّولة الوطنيّة في ( سورية ) ، انتقل إلى العلن ، خاصّة في نهاية السّبعينات من القرن العشرين المنصرم ، حيث أخذ “الإخوان” يهاجمون “نظام الحكم” في ( سورية ) من موقع “مذهبيّ سنّيّ” ، تحت ذريعة أنّ “ادّعاء النّظام للعلمانيّة ليس سوى جريمة تعكس هرطقة العلويين و كفرهم” ..

[ راجع : كمال ديب . سورية في التّاريخ . المكتبة الشّرقيّة . بيروت . لبنان . الطّبعة الأولى – ٢٠١٧م.

ص ٥٤١ ] .

[ و الجدير بالذّكر في هذا المقام أنّ المؤرّخ الّلبنانيّ – الكنديّ ( كنديّ من أصول لبنانيّة ) كمال ديب ، ينقل في هذا “الاقتباس” عن :

[Alasdair Drysdale, Syria’s troubled Ba’thi regime, Current history]

[ ( و هو بروفيسور “ألاسدير درايسديل” . زميل سابق في كلّيّة المناهج الليبيراليّة في “جامعة نيوهامشير” في أميركا . مختصّ بالشّؤون السّياسيّة السّوريّة و سياسات المشرق العربيّ ، على الحصر ) ] :

[ التّعريف بالبروفيسّور عن “الشّبكة العنكبوتيّة العالميّة” ] ..

هذا و لا تملك “مؤلّفتنا” إلّا أن تقتبس من “أنصاف” أكاديميين معروفين بارتباطاتهم بمنظمات الـ ( NGOs ) الدّوليّة المعروفة بارتباطاتها المشبوهة مع بيوت المال و السّلاح و الشّركات الرّاعية للإرهاب الدّوليّ على مستوى العالم ، و الّذين ينتشرون في “اقتباساتها” انتشارَ مواقفهم و مواقعهم و أفكارهم في تأجيج استلاب حرّيّات الوعي الإنسانيّ غير المجرّب و لا الخبير بتوضّعات الخارطة الأيديولوجيّة السّياسيّة

و إمعاناً في الكذب الذي تعتمده ( كوندويت ) عمداً ، كما قدّمنا بالمعلومات الموثّقة ، أعلاه ، فإنّها تستمر في تضليلها السّياسيّ المشبوه و “المأجور” – و هذا بكلّ تأكيد ، لا سيّما أنّها لا تجهل ما نسوقه من معلومات ، ذلك لأنّها قضتْ في سورية سنوات عدّة درست فيها اللغة العربيّة ! – إذ تتجاهل أنّ المواجهات الجدّيّة مع “الإخوان المسلمين” في (سورية) ، بدأت منذ حزيران/ يونيو (١٩٧٦م) بعد موت الدّاعية و النّاشط السّياسيّ “الإخوانيّ” (مروان حديد) في السّجن ، إذ انطلقت “حربٌ إخوانيّة” ضدّ جميع مظاهر و مؤسّسات الدّولة و مكاتب “حزب البعث” و “مراكز الشّرطة” و “الثّكنات العسكريّة” و “المصانع و المعامل” ، و ضدّ “الخبراء الرّوس” ، و غير ذلك ؛ بما في ذلك مسلسل الجرائم و سلسلة الاغتيالات التي قاموا بربطها المتوالي ، لأهمّ الشّخصيّات العلميّة و الفكريّة و السّياسيّة و البعثيّة ، السّنّيّة و العلويّة و المسيحيّة ، و من دون تمييز ، بجريمة أنّ الأهداف التي انصبّت عليها جرائمهم ، هي عبارة عن شخصيّات من الشّأن العامّ ، و هو ما يعكس حقدهم السّياسيّ و توحّشهم القبليّ ، و ليس قابليّاتهم و ممارساتهم الدّيموقراطيّة و “جيناتهم” البرلمانيّة الحضاريّة العلمانيّة التي تحاول “المؤلّفة” المزيّفة أن تثبته بالتّأليف الحرّ الذي كثيراً ما تتشابه فيه مع “السّقوط الحرّ” لأجسام غريبة من فضاءات الخيالات و الأحلام !

بين عامي ( ١٩٧٩ و ١٩٨٠م ) تركّزت “حرب عصابات الإخوان” على “الدّولة” ، في مدينة (حلب) .

في تشرين الأول/أكتوبر عام ( ١٩٧٩م ) اعتقلت الشّرطة “إمام الجامع الكبير ” بحلب ، الشيخ الإخوانيّ ( زين الدّين خير الله ) لتحريضه الطّائفيّ على “الدّولة” في “خطبة جمعة” ، فاندلعت مواجهات كبيرة بين “الإخوان” و “القوى الأمنيّة” ، اعتقل فيها الزّعيم “الإخوانيّ” المعروف ( حسني عَابو ) و حوكم قضائيّاً و أعدم ، فخلفه في “الطّليعة” مهندس من (القنيطرة) يُدعى ( عدنان عقلة ) الذي قتل هو أيضاً عام ( ١٩٨٢م ) ، بعد أن كان “الإسلاميّون” قد أصدروا ، في تشرين الثّاني/ نوفمبر من عام ( ١٩٧٩م ) أصدر بياناً باسم “قيادة الثّورة” أعلنوا فيه أنّ “الجهاد قد دخل مرحلة التّصميم الجديدة إلى أن يسقط حافظ الأسد” .

[ كمال ديب . المصدر أعلاه . ص ٥٥٤ ] .

( ي – )

في مطلع عام ( ١٩٨١م ) ، تمّ توافق “قيادات الإخوان” في داخل ( سورية ) مع ( عصام العطّار ) ( المقيم في مدينة آخنْ في ألمانيا الغربيّة ) منذ عام ( ١٩٦٤م ) ، ضمن إطار “الجبهة الإسلاميّة” لتسيق التّعاون بين “الدّاخل” و “الخارج” . و في ١٧ آذار دهم مسلّحون منزل (العطّار) في ( آخن ) و قُتلت زوجتُه حيث لم يكن هو داخل منزله .

و في هذا العام ( ١٩٨١م ) انتقلت “الحرب” إلى داخل دمشق نفسها ، فاستهدفت تفجيرات “عصابات الإخوان” جميع مؤسّسات و مظاهر و أفراد الدّولة و المجتمع و “الخبراء السّوفييت” ؛

و في ٢٩ تشرين الثاني/ نوفمبر من عام ( ١٩٨١م ) قامت عصابة “الإخوان المسلمين” بتفجير سيارة مفخخة في “حي الأزبكيّة” في ( دمشق ) تحمل ( ٣٠٠ كغ ) من مادة ال ( تي .أن . تي ) شديدة الإنفجار أودت بحياة أكثر من ( ١٧٥ ) شخصاً من المدنيين الأبرياء في مجزرة مروّعة .

كانت معركة ( حماة ) في عام ( ١٩٨٢م ) هي المعركة الحاسمة بين “الإخوان المسلمين” و الدّولة ، حيث مثّلت قوى اجتماعيّة و سياسيّة رجعيّة في ( حماة ) منذ عام ( ١٩٦٣م ) ، و حكم “البعث” ، نموذجاً للعداء ضدّ الدّولة .

استمرّت المواجهات المسلّحة المتوحّشة لِـ”الإخوان” في ( حماة ) لقوّة الدّولة ، فجسّدت هذه “المعركة” القضاء على “التّزمّت الدّينيّ و غُلاة الدّين في حماة” .

[ كمال ديب . المرجع أعلاه . ص ٥٦٤ ] .

( ك – )

هذا جزء يسير من تاريخ “الإخوان المسلمين” المعاصر ( و “الدّيموقراطيّ” جدّاً – وفقاً لمؤلّفتنا : كوندويت ) بين الأعوام ( ١٩٤٧ و ١٩٦٣ و ١٩٧٩ و ١٩٨٢م ) ، و الحافل – وفق تزويرها و اقتباساتها و مرجعيّياتها الدّوليّة النّاشطة جدّاً في “حقوق الإنسان” و النّضالات البرلمانيّة السّلميّة ! – بالنّضال البرلمانيّ الدّيموقراطيّ لجماعة “الإخوان المسلمين” في سورية المعاصرة .

  • ثالثاً – تحليل و نقض أهمّ “استنتاجات” و “استدلالات” ( د. كوندويت ) :

بعد هذا الموجز الذي سقناه من رصد و نقد الوقائع الأبرز من مضامين “مادّيّات” الكتاب الذي نقرأه للأكاديميّة الأوستراليّة المزعومة ( و الزّعيمة ، الدّعيّة ) ، يجدر ، الآن ، تحليل بعض أهمّ “استنتاجاتها” و “استدلالاتها” النّاجمة عن قسرها للدّلالات السّياسيّة لتجعل منها رصيداً “ديموقراطيّاً” ( و برلمانيّاً ، و “نضاليّاً” ) لجماعة “الإخوان المسلمين” في سورية ، لتمهيد “الرّأي العامّ” و “الخاصّ” لاحتضان ذئاب الإسلام المعاصر ، الدّمويّة ، هؤلاء ، احتضاناً رسميّاً في “المحافل الدّوليّة” ، و تعويمهم كمشاركين سياسيين و “دستوريين” و “برلمانيين” احتماليين أو افتراضيين في حكم سورية الجديدة .

( أ – )

تقول ( كوندويت ) :

” هناك حاجة لتقييم سجلّ الجماعة من خلال المؤشّرات على المشاركة الدّيموقراطيّة و توفير مقياس جوهريّ لالتزام الجماعة تُجاهَ العمليّة الدّيموقراطيّة في سنوات تأسيسه . على الرّغم من أنّ “الإخوان المسلمين” لم يستلموا السّلطة التّنفيذيّة أبداً في سوريا ، إلّا أنّ هذه المؤشّرات [ طبعاً ، و التي أوفيناها ، نحن ، تفنيداً و تظهيراً لاتّجاهاتها الإجراميّة السّياسيّة المسلّحة ، الدّمويّة ، الدّينيّة و المذهبيّة و الطّائفيّة ، المستقرّة ] تكشف عن مجموعة كبيرة من الأدلّة [!] التي يمكن من خلالها إثبات تحليل نهج الجماعة تُجاهَ الدّيموقراطيّة ، و ما يُميّزها عن الكثيرين من منافسيها في العصر البرلمانيّ” ( ص ٥٣- ٥٤ ) .

و بالنّظر إلى تاريخ “الإخوان المسلمين” الحافل بسياساتها التّكفيريّة المسلّحة فإنّهم ، و من دون أن يتسلّموا “السّلطة” في سورية ، فإنّه حتّى في تاريخ مشاركاتهم البرلمانيّة قبل عام( ١٩٦٣م ) ، أثبتوا أنّهم ، و بدءاً من عام ( ١٩٤٦م ) ، قادوا الموقف الاجتماعيّ و السّياسيّ البورجوازيّ المدينيّ ، و بخاصّة في المدن الكبرى ، دمشق و حلب و الّلاذقيّة و حمص و حماة ، على أرضيّة دينيّة مذهبيّة و طائفيّة ، في الوقت الذي لم تكن المذاهب و الطّوائف الأخرى ، غير “السّنّيّة” ، من “مسيحيّة” و “علويّة” و “درزيّة” و “إسماعيليّة” .. ، تمتلك أيّة أدوات مادّيّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة أو عسكريّة مسلّحة أو منافسة للسّلطات الإسلامويّة البورجوازيّة من متديّني بورجوازيي المدن السّوريّة و الطّبقات الوسطى السّوريّة ، أو قادرة على أيّ دفاع سياسيّ اجتماعيّ ذاتيّ موازٍ للتّمييز العنصريّ الذي أجّجتْهُ جماعة “الإخوان المسلمين” ضدّ “الأقلّيّات” ..

إذ يؤكّد التّاريخ المكتوب و التّاريخ المحفوظ في ذاكرة “هؤلاء” أنّ “العلويين” قد عانَوا “اضطهاداتٍ” اجتماعيّة و سياسيّة منظّمة قادها “الإخوان المسلمين” ، حيث أصرَّ “الإخوان” على لقب “النّصيريّة” الذي استعادتْه “الجماعة” إلى التّداول – كاتّهام تكفيريّ للعلويين – ، و عاملت “الجماعةُ” العلويين بفوقيّة ؛ و هو الواقع الذي دفع “الأقلّيات” الدّينيّة – المذهبيّة و الطّائفيّة إلى تنظيم صفوفها في تحالفات و أحزاب عابرة للطّوائف بعد أن تخرّج من تلك الأقلّيّات أجيال جديدة من شباب العلويين و الدّروز و المسيحيين مسلّحين بالعلم و الخبرة ، منذ أربعينات القرن العشرين .

[ راجع : كمال ديب . المصدر المذكور أعلاه . ص . ص ١٩٢- ١٩٦ ] .

عاصرت هذه الوقائع ظروف “الانقلابات” و البرلمانات” السّوريّة ، و بشكل خاص منذ برلمان عام ( ١٩٥٠م ) . و فيما تلا ذلك ، و قُبيل قيام “الوحدة” بين سورية و مصر ، “كان ( أنور السّادات ) أحد الضّباط المصريين الأحرار القريب من الإخوان المسلمين و البعيد عن فكر عبد النّاصر ، قد ترأّسَ “المؤتمر الإسلاميّ” الذي تأسّس عام (١٩٥٥م) ، فعقد صلات مع رجال الدّين المسلمين في سورية” .

[ المصدر . ص ٢٥٨ ] .

و هكذا ، لا يُمكن في ظلّ هذه الظّروف السّياسيّة و الإقليميّة التي تحبّ “المؤلِّفة” (كوندويت) إظهارها على أنّها ظروف مشاركات “برلمانيّة” لجماعة “الإخوان المسلمين” ، أن يستنتج أحدٌ ، في مطلق الإيحاءات السّياسيّة التّاريخيّة ، أنّها ظروف تُظهر “ديموقراطيّة” الجماعة ، سوى ( كوندويت ) ، نفسها ؛ إذ تشير كلّ هذه “المؤشّرات” – على العكس ، بالضّبط – إلى جاهزيّة سياسيّة دكتاتوريّة دينيّة للجماعة ، كانت سوف تتضاعف و تتصاعد لو أنّها تمكّنت من “استلام السّلطة التّنفيذيّة” – كما تُعبّر ( كوندويت ) – في سورية .

و أمّا عنْ أنّ “قبول الجماعة بتشكيل الميثاق ، و التّكيّف مع السّياسة ، و نهج التّعامل مع الحكومة التّنفيذيّة ؛ تشكّل مؤشّرات ديموقراطيّة” لعمل “الجماعة” [ كوندويت . ص ٥٤ ] ؛

فهذا يُشبه أن نقول إنّ الإنسان قادر على العيش على “نجم الشّمس” لو أنّه ، فقط ، استطاع الوصول إلى الشّمس ! أو أنّ الفكر السّياسيّ “العولميّ” الذي تنطلق منه ( كوندويت ) ، و لغة التّحليل السّياسيّ – كما هما عند “المؤلِّفة” – قد أصبحا قائمين قياماً كافياً (!) على “حروف الامتناع” الّلغويّة ( لو ، و لولا ) ، التي لا تقدّم في البيان سوى خذلان “الامتناع” للامتناع و الوجود معاً ! و هذا هو أقصى التّهافت السّياسيّ في لغة البيان و اختراع التّبيين .

( ب – )

تُطنب ( د. كوندويت ) في تورّطها الدّلاليّ المبطّن بالتّفاؤل التّاريخيّ الذي يشقّ الطّريق إلى التّرويج للرّغبة المعاصرة لها و للقوى العالميّة و العولميّة في تقديم “الجماعة” على أنّها “الحلّ السّياسيّ” الأمثل للظّروف السّوريّة التي ساهمت فيها “الجماعة” – كما سنبيّن في استعراض ما أسماه “الإخوان” في بداية الحرب المعاصرة على سورية ، بِـ”بيان تأييد و نصرة الشّعب السّوريّ الشّريف في ثورته المباركة” ! – و ذلك بعملها الدّؤوب على توفير و تأليف و تكريس الأكاذيب المتكرّرة التي يؤدّي تكرارها إلى إحاطة القارئ بظروف إقناعيّة حول أفضليّة “الإخوان المسلمين”(!) الذين كانوا سيشكّلون البيئة الظّرفيّة النّموذجيّة الفارقة ، للسّلطة “الدّيموقراطيّة” ، “لو” أنّهم تمكّنوا من “استلام الحكم” في سورية بعد “الاستقلال” .

تقول ( كوندويت ) :

” إنّ دعوة “الإخوان المسلمين” لدور أكبر للإسلام في الحياة العامّة وجدت دعماً سهلاً ، و قد جذبت إلى الجماعة عدداً من المواقف السّياسيّة المحافظة ، و هذا ميّزها عن منافسيها الأكثر راديكاليّة مثل الشّيوعيين و البعثيين ، في الدّولة المستقلّة حديثاً كانت الطّبقات التّقليديّة تفقد قواها في السّياسة الاقتصاديّة و السّياسيّة الجديدة في سوريا ، و التمست هذه الطّبقات تمثيلاً سياسيّاً من شأنه حماية الوضع الرّاهن . تبعاً لذلك تبنّى الإخوان التزاماً بحقوق الملكيّة الخاصّة ، و الّليبيراليّة الاقتصاديّة و دستوراً علمانيّاً ذو “طابع إسلاميّ” كان جذّاباً إلى تلك الدّائرة . و كان هذا النّمط أكثر وضوحاً بين كبار أعضاء الإخوان الذين كانوا يمثّلون الطّبقات البورجوازيّة المتعلّمة في سوريا ، في هذا الصّدد فإنّ دفاع الإخوان عن أفكار الدّيموقراطيّة المحافظة لم يكن محاولة لحصد أصوات المجتمع الأوسع و إنّما في الواقع عكس مصالح قادتها ، فكثير من كبار الشّخصيّات في جماعة “الإخوان المسلمين” حملت شهادات في الدّراسات العليا و شهادات متقدّمة ، و هذا كان مهمّاً جدّاً ، نظراً إلى أنّ ما يُقدّر بين ٦٥- ٧٠٪ من سكّان سوريا كانوا أمّيين في ذلك الوقت . علاوة على ذلك تلقّى عدد من الأعضاء المؤسّسين للجماعة تعليماً في الغرب ، كما كان لخلفيّات القاعدة قادة الجماعة الأوائل تأثيراً واضحاً على شخصيّتها و أيديولوجيّتها” ( ص ٦٠ ) .

في هذا “النّصّ” تجادل ( كوندويت ) ، دفاعاً عن “الإخوان المسلمين” و كأنّها ، هي نفسها ، عَضوٌ قياديّ متقدّم في تنظيم “الجماعة” ، و هو ما يعكس تبنّيها الأيديولوجيا “الإخونجيّة” الإسلامويّة – التّكفيريّة تبنّياً مباشراً من دون أدنى تحفّظ ، سواءٌ في هذا الموضع أو في مجمل دفاعها عن حاضر و “مستقبل” الجماعة السّياسيّ ، و هو ما يعكس حُلُماً يُراودها بناء على مؤشّرات دوليّة واهمة حول “صناعة” مستقبل سوريّ أخرقَ انطلاقاً من وضع سياسيّ “دوليّ” معاصر ، تعمل فيه على طمأنة حاضر الرّأي العامّ بما يخصّ “ثقافة” الجماعة المتقدّمة و تعليمهم العالي و أخلاقهم السّياسيّة المحافظة .. ، من أجل مشاركة تقبّل الكَثرةِ الاجتماعيّة للجماعة في حكم سورية “المتوقّع” الجديد . و مع ذلك فإنّ “إشكاليّة – مشكلة” هذا الاقتباس لا تنتهي عند هذه الحدود .

يتّضح من اقتباس ( د. كوندويت ) أنّها تخلط تقدّمهم العلميّ فيما مضَى ، و الذي كان ممكناً في حينها نتيجة جذورهم الاجتماعيّة البورجوازيّة و الطّبقيّة المتوسّطة المدينيّة ، في الوقت الذي لم يكونوا ، على هذا الأساس ، يشكّلون أكثرَ من (١٪) واحد بالمائة من مجموع سكّان سوريّة الفقراء الرّيفيين ؛ و عندما هي تقدّر أنّ هذا الأمر ليس من مصلحتهم نتيجة عزلتهم الاجتماعيّة و الطّبقيّة في مجتمع من الفقراء المدينيين و الرّيفيين ؛ فإنّها سرعان ما تستدرك الأمر على أساس “محافظتهم” السّياسيّة في مقابل حركات كانت في حينها حركات جماهيريّة و شعبيّة واسعة ، مثل حركة “البعث” و “الشّيوعيين” ، و هو ما جعلها تصف هؤلاء الآخرين بالرّاديكاليين ، و هي الصّفة التي كانت تطلق في أيّام المدّ الوطنيّ و القوميّ و العلمانيّ على جماهير السّكان الذين لا مصلحة تاريخيّة لهم في قبول الالتحاق بمعسكر “الغرب” الاحتقاريّ و الإفقاريّ للمجتمعات و الدّول و الشّعوب ، و تمثيله المحلّيّ من قبل طبقة كومبرادوريّة تابعة و ملحقة بالأيديولوجيا الإمبرياليّة في نظام دوليّ كولونياليّ كان “الإخوان” و الرّجعيّون من الطّبقات الاجتماعيّة و الفئات السّكانيّة المسحوقة ، يمثّلون بالنّسبة إليه عملاء الكولونياليّة الغربيّة ، في المجتمع السّوريّ ، أحسن تمثيل .

و عندما تريد ( كوندويت ) أن تصادر توقّعات بداهات الوعي الاجتماعيّ في استيعابه لعمالة “الجماعة” للغرب ، فإنّها لم تدّخر مغامرتها الجوفاء فيوصفهم بالعلمانيين !؟

و إنّه لأمر مفجع للحقيقة أنّ جماعة “الإخوان المسلمين” هي “جماعة” علمانيّة لا يتقبّلها الخيال ! نحن ، هنا ، أمام أكبر تزوير لتاريخ الوعي السّوريّ و احتقاره ، إذ لا يُمكن لواحد في رأسه دماغ أن يستوعب أو يصدّق علمانيّة جماعة “الإخوان المسلمين” التي قامت في المبتدأ على أساس الأيديولوجيا الدّينيّة التّكفيريّة في مصر و سورية و التي لا يمكن لها أن تتجاوز أدوات الجريمة المباشرة بحقّ المجتمع كافّة ، كما أثبت التّاريخ للجميع ، أو أن تكون قائمة ، وجوديّاً ، من دون هذه الأيديولوجيا الدّمويّة الإقصائيّة الطّاردة للعلمانيّة و العلمانيين ، في الوقت الذي نعرف فيه ، جميعاً ، أو يجب أن نعرف ، أن جوهر “العلمانيّة” هو التّسامح الاجتماعيّ و السّياسيّ الاعتقاديّ الشّخصيّ و العامّ ، من أجل صفات الوطنيّة و الثّقافيّة الأخلاقيّة و التي مبدأها أنّها تستوعب جميع المواطنين ، و هو الأمر الذي يتجسّد في الأيديولوجيّات الأخرى الوطنيّة كالبعثيّة و الشّيوعيّة التي وصفتها ( كوندويت ) بِ ” الرّاديكاليّة ” ( الثّوريّة و الانقلابيّة “اليساريّة” في واقع متخلّف و مغلق و مشاريع محلّيّة عميلة و مأجورة للغرب ، كان “الإخوان” أبرزها ) ، و ذلك لتنفير البسطاء من تلك “الرّاديكاليّة” ، و لتحريض الحاضر على الماضي ، في دولة أثبت تاريخ سورية الاجتماعيّ و السّياسيّ بعد عام ( ١٩٦٣م ) و حكم البعث للدّولة و المجتمع ، أنّها دولة وطنيّة ، على رغم جميع انتقاداتنا الموضوعيّة ، و انتقادات الآخرين المفهومة و المعتبرة ، للدّولة السّوريّة في هذا التّاريخ المديد ..

مع العلم أنّ مفهوم “الرّاديكاليّة” المعاصر هو جوهر وصف و مواصفات “الانقلابيّة” الرّجعيّة الدّينيّة المسّلّحة التي تمثّلها جماعة “الإخوان” تمثيلاً حيّاً ، كما هو أمر واقع بنية الحرب السّوريّة ، المنظوميّة ، اليوم ، و الذي يمثّل فيه “الإخوان” رأس حربة “الرّاديكاليّة” المجرمة في زهق الأرواح و تخريب الوطن .

يقول لنا تاريخ سورية المعاصر أنّ “العلمانيّة” قد جاءت مع حكم “البعث” الدّستوريّ الأوّل ( عام ١٩٦٣م ) ، بموجب “الدّستوريّة السّياسيّة” العلمانيّة التي لا تكتسب لها أيّ معنى ، إن لم تكن تعبّر ، كما عبّرت ، عن حماية المجتمع من نفسه ، عندما كانت سياسة قائمة على غير التّمييز الدّينيّ و الاعتقاديّ ؛ و هذا أمر يصف به الدّولة البعثيّة أعداؤها قبل أصدقائها كما يعرف “الجميع” ، و ذلك بما فيهم “الإخوان المسلمين” الذين اتّهموا دولة “البعث” بالعلمانيّة ( و لو أنّهم ألحقوها بالهرطقة العلويّة ) بشكلٍ سخيف و حُجّة نابية ، كما كان قد تقدّم معنا ، في سابق توثيقاتنا لهذا الحديث .

( ج – )

في “استنتاجات” ( كوندويت ) في الفصل الأخير من “الكتاب” و الذي حمل هذا “العنوان” (استنتاجات) تقول :

“يقدّم السّلوك السّياسيّ للإخوان المسلمين على مدار عقوده التّأسيسيّة صورة لحزب كان مشاركاً جدّاً لكنّه غير هامّ في البرلمان السّوريّ على الرّغم من أنّه لم يتمتّع بنجاح انتخابيّ كبير . فقد أظهر استعداداً للتّكيّف مع السّياسات المشاركة في الحكومة و تشكيل الإئتلاف مع الأطراف الأخرى عبر الطّيف الأيديولوجيّ لتعظيم تأثيره و تقرّبه من التّيار السّياسيّ الرّئيسيّ” ( ص.٧٩- ٨٠ ) .

غير أنّ “المؤلّفة” لا تعلّل استنتاجها تعليلاً استدلاليّاً واقعيّاً و اجتماعيّاً ، و إنّما تعمل على “تبريره” “أخلاقيّاً” و ليس على تسويغه الدّلاليّ . و يمكن للقارئ غير المنحاز بنمطيّة مسبّقة دينيّة و أيديولوجيّة و سياسيّة و طائفيّة أن يُدرك معنا ، ببساطة ، و بسبب ما قلناه سابقاً في أهمّ مفاصل نقدنا لكتاب لأكاديميّة ( كوندويت ) ، ما سوف نقوم بتعليله لِـ”استنتاجها” الذي أدرجناه في هذا “الاقتباس” .

لا تريد “المؤلِّفة” الدّخول في فضاءات الحقيقة الاجتماعيّة و السّياسيّة لظاهرة “الجماعة” ، لأنّها ما إنْ تدخل في هذه “الفضاءات” حتّى تنهار حُججها بالجملة ليتعرها هدفها المختلط المؤلَّف من تضليلها الاستدلاليّ للقارئ زائداً إيحاءها بحمائميّة “الإخوان المسلمين” و مضمون حركتهم “الإنسانيّ” جدّاً (!) ، مع ما يُضاف إلى ذلك من رغبتها في منحهم “الفرصة” السّياسيّة التّاريخيّة للمشاركة المعاصرة لهم في الحياة السّياسيّة السّوريّة ، تحت شعار البرلمانيّة” الدّيموقراطيّة الحرّة .. و كلّ ذلك تمهيداً لممارسة جوهر فكرهم و حركتهم ، الجذزيّ ، و هو الإقصائيّة التّكفيريّة المعروفة في أفكارهم و ممارساتهم الإجراميّة التي وثّقها العالَمُ كلُّه و التّاريخ ( و سيكون أخيراً لنا كلام في إثبات هذه الحقيقة ) .

و لعلّ أهمّ الأسباب التي تنوح “مؤلّفتنا” بسببها على انقراض جماعة “الإخوان المسلمين” المتوالية مع الزّمان ، هو فقدانهم التّعبير الواسع و العام عن وجدان العرب السّوريين ، و هو الذي تسبّب بما تقوله ( كوندويت ) حول عدم أهمّيّة وجودهم و اشتراكهم في “البرلمانات” الأكثر رجعيّة و بورجوازيّة و إقطاعيّة في سورية قبل عام ( ١٩٦٣م ) ، و ذلك بسبب عدم تعبيرهم عن “الاجتماعيّ” العامّ ، و بسبب فقدانهم الأرضيّة الجماهيريّة الشّعبيّة في أوساط الفقراء من المواطنين في سورية الذين كانت نسبتهم هي الغالبة كما هو معروف و من دون أن ندخل في ألاعيب الإحصائيّات غير النّزيهة .

و لقد أكّد هذا الواقع تاريخٌ مديدٌ في سورية ، كما أكّدته “المؤلّفة” نفسها ، من دون أن تدري ، عندما ساقت الوقائع و الحقائق ، كما رأينا ، أعلاه ، على البورجوازيّة المدينيّة و الإقطاعيّة المتأصّلة بين انتماءات أعضاء “الجماعة” ، و تلّمهم المتقدّم و الأكاديميّ في مجتمع غالبيّته السّاحقة من الفقراء و الجائعين من عمال و فلّاحين و أقزامِ كَسَبَة ؛ و هو ما يُفسّر لنا ما تثبّته “المؤلِّفة” بالنّصّ على عدم تمتّعهم “بنجاح انتخابيّ كبير” .

و أمّا عن تكيّف “الجماعة” مع سياسات الحكومة ، كما تقول “المؤلِفة” ، و تقرّبهم من “التّيار السّياسيّ الرّئيسيّ” – ما قبل حكم “البعث” – فهو ما يجعلها تقضي على “ديموقراطيّتهم” من دون أن تدري ، لسببين ؛ الأوّل ، هو أنّ المشاركات السّياسيّة العامّة لم تكن متاحة ، ما قبل “البعث” ، إلّا للطّبقة الوسطى من البورجوازيّات التّابعة و الملحقة ثقافيّاً و بنيويّاً بالغرب ، و عجز الفقراء الذين هم سواد الشّعب السّوريّ عن المشاركة في الاجتماعيّة و السّياسيّة لانشغالهم بتأمين أسباب عيشهم و استمرارهم الوجوديّ ، و لاستبعادهم المباشر و الموضوعيّ ، بالتّالي ، من لعبة الانتخابات و الحياة السّياسيّة العامّة ؛ و الثّاني ، و الأهمّ تنظيميّاً و أيديولوجيّاً ، فهو ما يعبّر عنه ذلك “التّكيف” و “التّقرّب” من الأكثريّات البرلمانيّة ذات الصّبغة البورجوازيّة المتوسّطة ، عن انتهازيّة سياسيّة خطرة عمل ، و يعمل ، عليها “الإخوان المسلمين” ، اجتماعيّاً و عاطفيّاً ، منذ نشأتهم و حتّى اليوم .

و تتابع ( كوندويت ) في مغالطاتها التي تبثّها في ” البحث ” ، فتقول :

” في الواقع ، عند مقارنة الجماعة مع العديد من منافسيها الذين شاركوا في الانقلابات ، كانت مساهمة الإخوان في الحياة السّياسيّة في سوريا شاذّة إلى حدّ ما في تمسّكها العالي بقواعد و أعراف النّظام الدّيموقراطيّ في سوريا” ( ص ٨١ ) .

“في الواقع” ؟! – كما تقول ( كوندويت ) .. ! هذا استنتاج فارغ للمؤلّفة ، و مبنيّ على فراغ بالمطلق ، و على الكذب و التّزوير ، و الدّعاية و الرّأي المنحرف نحو خيانة أدنى المناهج و المبادئ “الأكاديميّة” التي تتلطّى وراءها “المؤلّفة” في “العرض” و “الاستنتاج” ، و على طول “الكتاب” . و لقد كان يمكن لها ، بالتّالي ، أن تستغني عن كلّ “كتابها” الذي نحن بصدده ، و الاكتفاء بهذا “القرار” التّأليفيّ التّركيبيّ ، و لكنْ غير “المنطقيّ” ( فلسفيّاً ) ، و أعني الكاذب بمعلوماته المعدومة ، و الكاذب بوثائقه المبنيّة على “وثائق” و آراء لآخرين ، مشابهة لآرائها الفراغيّة ، و التي يجمعها معهم “منهج التّزوير” الواحد لحقائق التّاريخ ، و “منهج الكذب المفضوح” ، و منهج العاطفة و التّعاطف المُغرِض بخلفيّاته المفهومة و التي صارت أثمانها الدّعائيّة و الماليّة و التّخريبيّة الحداثويّة المعاصرة ، معروفة للجميع .

تريد “المؤلِّفةُ” في نهاية كتابها أن “تلخّص” ما لم تستطع قوله من خلال “العَرْضِ” قولاً أكيداً أو مدعوماً بأيّة حقيقة تاريخيّة ، و أيضاً ، ما لم تستطِع إثباته “المُقنِع” حتّى لأغبى السّاذَجين ، حين تتجاوز كلّ “مقدّماتها” البيانيّة متحزّبة لما عجزت عنه من إثباتات ، مخالفة جميع وقائع و حقائق التّاريخ القريب في سورية ، لتقول :

” يمكن للجماعات الإسلاميّة أن تشارك بصدق في العمليّات الدّيموقراطيّة ، لاسيّما عندما تكون المشاركة الدّيموقراطيّة ، كما في حالة “الإخوان” السّوريين ، مصفوفة بشكل مباشر مع تفضيلات أعضائها و أنصارها . “و قد يكون لسلوك الإخوان السّياسيّ المبكّر أهمّيّة معاصرة ، بالنّظر إلى أنّ الدّارسين الذين يعتمدون على الخبرة في المواضيع الأخرى ، وجدوا أنّ المشاركة الدّيموقراطيّة المبكّرة تساهم في بلورة المجموعات التي تتعلّم و تترسّخ من خلال العمليّة الانتخابيّة” ص( ٨٢ ) .

و بعد أن تورد “المؤلِّفة” في سياق آخر “استنتاجاتها”(!) قولاً ، صدر ، في بداية الحرب على سورية عام (٢٠١١م) ، يبعث على السّخرية و الاحتقار و الحذر الشّديد ، عن أحد مجرمي “الإخوان المسلمين” ، “الشّخصيّة البارزة [ المعاصرة ] للإخوان ، ( زهير سالم )” – كما تدّعي في وصفه (و هو عضو القيادة الإخوانيّة و المتحدث الرسمي السّابق لجماعة الاخوان المسلمين في سورية) ، فتقول .. – ما يزعمه هذا “البارز” جدّاً(!) على لسان “الجماعة” :

“نحن نؤمن بأنّ الطّريقة الوحيدة لمعارضة النّظام هي بالوسائل السّلميّة على خطى قادتنا التّاريخيين للمنظّمة ، مصطفى السّباعي و عصام العطّار” .. (ص ٨٢) ؛ بعد ذلك ، تعود لتنهي “كتابها” بخاتمة نهائيّة هي أشبه بقرار سياسيّ “دوليّ” ، فتقول :

” إلّا أنّ الحقبة الدّيموقراطيّة في سوريا قد توفّر أيضاً مؤشّراً على الجاذبيّة الانتخابيّة المحدودة لجماعة الإخوان إذا ما خاضت الانتخابات مرّة أخرى . فيُشير سجلّ المجموعة المحدود في النّجاح الانتخابيّ و الوجود في المنفى على أنّه سيصعب عليها بناء قاعدة انتخابيّة مهمّة في حالة إعادة إجراء انتخابات حرّة و نزيهة في سوريا” ( ص ٨٢ ) .

و الآن ، أشرفنا على نهاية القراءة النّقديّة لكتاب ( د. دارا كوندويت ) ؛ إذ لم يبقَ أمامنا ، من عمليّة “النّقد” ، إلّا هذا المفصل الطّرفيّ الأخير .

و نظراً لأهمّيّة هذه “الخاتمة” الاستثنائيّة للكتاب ، فسنوزّعها ، كما يلي ، على فقرات أربع ، للتّوضيح و الإيضاح و التّرتيب بالأفكار ، و هو ما سوف يساعدنا على التّواصل مع قارئنا ، على أحسن وجه .

1▪ إنّ الثّابت في تاريخ هذه “الجماعة” ، أنّه ليس هنالك ؛ إذ لم يكن ، يوماً ، أبداً ؛ من هو أفضل فيها من غيره ، من أعضائها ، من الآخرين ، و لا كذلك ممّن هو من “أنصارها” الأيديولوجيين .

2 ▪ لم تمارس “الجماعة” ، اجتماعيّاً أو سياسيّاً ، أيّة ممارسة ديموقراطيّة – كما أكّدْنا من خلال التّاريخ الثّابت و الموثّق و الوقائع الحيّة – كما أنّها لم تشارك أيّة مشاركة ديموقراطيّة ، في تاريخها السّوريّ – و لا في غيره – ؛ إذ أنّ نشاطها السّياسيّ و العسكريّ المسلّح كان يعكس دوماً انتهازيّة سياسيّة ظرفيّة مُبَيِّتَةً فيها نواياها الانقلابيّة التي تحوّلت مباشرة إلى حرب عصابات مسلّحة ضدّ الدّولة و المجتمع و “الجماعات” ، في سورية ، التي لا تعترف فيها ، و ذلك عند أوّل فقدانٍ للأمل في الاستيلاء على “السّلطة” و الحكم ، مع مجيء نقيضها الاجتماعيّ و الأيديولوجيّ إلى “السّلطة” في سورية مع عام (١٩٦٣م) .

3▪ إنّ تصريح ( زهير سالم ) ، المتحدّث بإسم “الجماعة” ، لا يتّفق مع أيّة واقعة في تاريخها السّوريّ المعروف للجميع ؛ كما أنّه ، و هو الجاري في أثناء الانقلابيّة التّصريحيّة الصّريحة ، بُعيد قليلٍ جدّاً من بداية الحرب على سورية ، بمشاركتهم المباشرة بهذه “الحرب” ، يتناقض و يتكاذب – بتوزيع سخيف للأدوار – مع البيان الشّهير للإخوان المسلمين السّوريين في بداية “الحرب” السّوريّة ( و الموقّع في ٢٨ آذار/ مارس ٢٠١١م ، من قبل “المراقب العامّ للإخوان المسلمين” – الدّكتور محمد رياض الشّقفة ) ، و المسمّى بِ “بيان تأييدٍ و نُصرةٍ للشّعب السّوريّ الشّريف في ثورته المباركة” المعروف جيّداً للمتابعين ، و ذي المضمون المذهبيّ – الطّائفيّ المباشر ، على خطى تصريحات “القادة الإخوانيين” الأوائل بالتّحريض الطّائفيّ الصّريح و المباشر ، و الدّعوة ، من خلال ذلك ، إلى “الحرب الأهليّة” السّوريّة اليائسة ، بالتّعابير الحسّيّة العلنيّة الدّاعية إليها ؛ و هو ما يتطابق مع مواقف سابقة للجماعة ، كما مرّ معنا في هذا الحديث .

 

4▪ و من باب “الاحتياط” لما هو متوقّع من قبل “دكتورتنا كوندويت” ، من فشل الإخوان في تحقيق أيّة نتائج عبر أيّة وسيلة ديموقراطيّة أو انتخابيّة سوريّة ؛ فهي تستدرك بأنّه من “الممكن” و “المحتمل” ، و الذي يكاد يكون “مؤكّداً” لها ، و لهم ، في الوقت نفسه ، أن تفشل “الجماعة” في الممارسة الدّيموقراطيّة للتّعبير عن الميل الاجتماعيّ و السّياسيّ السّوريّ ، في ما تسمّيه ( كوندويت ) بِ “الجاذبيّة الانتخابيّة المحدودة” للإخوان المسلمين ، إذ تقفز قفزة فراغيّة عمياء في الظّلام ، لتبرّر لهم ذلك “بالسّجلّ الانتخابيّ المحدود” و “الوجود في المنفى” و هو ما يمنعهم من “بناء قاعدة انتخابيّة مهمّة” في حالة إجراء “انتخابات حرّة و نزيهة” في سورية ؛ حتّى لَيُخيّل

إلى القارئ أنّ “الإخوان المسلمين” في سورية هو تنظيم في “المرّيخ” ، مُتَجَاهِلَة بسخفٍ أمر أنّ إذا كانت “قيادة الإخوان” ( و هي عادةً – كقيادة – ما لا تتجاوز العشرة أو العشرين مسؤولاً ، في أيّ حزب أو تنظيم في العالَم ) في “الخارج” ، فإنّ هذا لا يعني أنّ “قاعدتها الانتخابيّة” – حالَ واقعيّة وجودها – هي في سورية و ليست في دولة أخرى أو في كوكب آخر !

  • رابعاً و أخيراً – ملاحظاتنا الأخيرة على “كتاب” :

” المشاركة السّياسيّة للإخوان في سوريا ”

( د. دارا كوندويت )

1▪ ليس من المستغرب ما تواجهه “الحقائق” التّاريخيّة ، اليوم ، من تزوير و إعادة إنتاج وفق الميل العالميّ للعولمة التي هي تعني ، فيما تعني ، هذا الحشد الهائل للدّعاية الإعلاميّة العالميّة وفق خطّة “محكمة” (بالنّسبة إلى أصحابها) من أجل تزوير الوعي المعاصر و تزييفه ، بتقييده بجملة واسعة من “الأفكار” التي يُؤَمِّلُ منها منها “واحدُنا” من البشر ، و مهما كانت صفته أو كان موقعه ، أن تكون بديلاً للفكر السّياسيّ المتماسك ، في آخر نماذجه في الوعي البشريّ . إنّ مجرّد النّيّة في “إعادة كتابة التّاريخ” المزعومة ، و أيّاً يكن الذي يتبنّاها و يجعلها له خلفيّة في الممارسة ، إنّما تعكس الكثير من “التّزوير” ، و القليلَ القليلَ من البحث عن “الحقيقة” .

في هذا السّياق ، نحن علينا أن نتبنّى التّاريخ “المكتوب” ، بخاصّة ، على أنّه “واقعة” تاريخيّة يمكن مواجهتها بالنّقد عندما تكون ظروفه المعرفيّة متوجّبة و متوفّرة بصيغة المادّة العلميّة الثّابتة . و من الطّبيعيّ ، هنا ، إدراك دلالة “المادّة العلميّة” بوصفها “المعلومة” الثّابتة و المحقّقة منهجيّاً ، و التي لا تخضع إلى شرط “الثّابت” الذي يتألّف من الأثر المكتوب ، غير الأكيد و غير النّقديّ ؛ إذ ليس من “الثّابت” أو من مواصفاته أن يكون التّعبير عنه بالتّوافق “الفكريّ” الأيديولوجيّ ، بقدر ما هو “الثّابت” الذي تؤيّده “المعلومات” المتوفّرة عندما يكون من الممكن ، منهجيّاً ، إخضاعها للتّثبّت و التّحقّق و العدالة في التّعيير .

2▪ ليست “المنهجيّة” وصفة أو صفة تقترن بالأكاديميّة ، إذ أنّ “الأكاديميّة” بذاتها ليست منهجاً وافياً ، و بخاصّة عندما تقترن بصدورها عن فكر أيديولوجيّ بادي المصلحة السّياسيّة التي أخذت شكل التّباينات الشّديدة بفجواتها العائدة إلى انحطاط الأخلاق البحثيّة في كتابة السّياسة .

3▪ يأتي “الكتاب” الذي نحن بصدده لمؤلّفته الأوستراليّة ( د. دارا كوندويت ) ، بوصفه مثالاً على تحوّل “الأكاديميّة” التّقليديّة من “نموذج” نزيه و أخلاقيّ و موضوعيّ ، إلى “نمط” يعمل على قولبة الخلخلة النّفسيّة التي يكون عليها أن تخترق “الفكر” و جرّه إلى مواطن عدم الثّقة و فقدان الثّقة بذاته ، فإذا هو مادّة جاهزة للتّحوير الذّاتيّ و الموضوعيّ في وقت واحد .

4▪ إنّ المضمون الذي يحفل به “الكتاب” المذكور ، يتجاوز وقائعه ، نفسها ، إلى محيط بلا ضفاف من التّناقضات المقصودة بعينها ، و التي تمثّل أكبر درجة من “الحيطة” التي تعمل عليها “العولمة” في تزييف “الثّوابت” السّياسيّة و التّاريخيّة التي هي ، عادة ، ما نقصده بالواقعيّة عندما يدور الحديث حول الموضوعيّة و العقلانيّة في البيان و التّبيين .

5▪ تلجأ مؤلّفة “الكتاب” إلى هذا الضّرب من “المنهجيّة” الأيديولوجيّة و السّياسيّة ، لتهجر كلّ منهجيّة علميّة أو معرفيّة ، وفق ما قلناه على إيحائها بالحياديّة الموضوعيّة التي ، بالفعل ، هي تسلكها ، في “الأعمّ” من التّوثيقات و التّضمينات ، و لكنْ ، إيضاً ، تلك التي تخرقها و تخترقها باختراقات من صنفين :

  • الأوّل هو تجاوز هذه “الموضوعيّة” بأسلوب عصيّ على التّحليل ، إلّا على المتمرّسين في “النّقد” بملكات لم يؤتَها الكثيرون من المشتغلين حتّى بالنّقد الفكريّ أو التّاريخيّ أو السّياسيّ ؛
  • و الثّاني هو اعتمادها ، في سبيل خلخلتها للثّقة الفكريّة بالوقائع و الحقائق ، و بالتّاريخ الثّابت ، على مرجعيّات و مصدريّات عالية التّعولم و الشّهرة و “الأكاديميّة” ، و في الوقت نفسه فاقدة لكلّ قيمة إنسانيّة بفعل ما قد تجاوزت طموحاتها الحالات الشّخصيّة ، إلى القوالب المعاصرة و المعولمة و الأنماط البشريّة التي بالغت كثيراً بشراهتها الدّنيويّة من أجل تحقيق مجموعة من المصالح مختلفة الأسماء و الصّفات و التّسميات ؛ فيما تتصوّر “المؤلّفة” أنّها قد أراحت ضميرها “العلميّ” و “الأكاديميّ” و “القيميّ” و “الأخلاقيّ” ، بانضمامها إلى جوقة الدّعاية منتشرة الكَثرويّة ، و التي أصبحت مقياساً جديداً للقيمة ، باستثناء أنّ “المؤلّفة” و أضرابها يدركون أنّهم خارج كلّ أخلاق و أخلاقيّة و يقين . إنّ للشّراهة المادّيّة و المعنويّة ضريبةً كبيرة جدّاً ، ليس آخرها التّخلّي عن كلّ حياء شخصيّ !

6▪ و بسبب “المنهجيّة” هذه ، التي اعتمدتها “دكتورتنا الأوستراليّة” ، فإنّ “قراءة” كتاب ككتابها الذي عملنا على مقارباته النّقديّة المتنوّعة ، هو من الأعمال التي تثير المشكلة و الإشكاليّة ، ليس بسبب صعوبة بنيانها أو لغتها أو أفكارها المبدعة و النّادرة ، و إنّما ، و حسب ، بسبب العكس : و أعني بسبب سخافة مضمونها و “الّلَعُوبيّ” ذي الدُّربة العالية و التّمرّس المكثّف بالتّواطؤ و التّضامن مع “الّلغة السّياسية” الأقوى و الأعنف التي تعكس الميل المعاصر السّياسيّ ، و هو في حالتنا هذه الميلُ العولميّ الذي يُحيط بالعناية أكثر الظّواهر العالميّة خساسة و عمالة و جاهزيّة للاستخدام .. ، و هو أيضاً ، في حالتنا هذه ، ما يستقرّ في “الهيئات” السّياسيّة البديلة للمواطنين ذوي البعد الأعظميّ عن الالتصاق المخلص بقضايا و مصائر بلدانهم و شعوبهم في صيغة من صيغ الأمميّة العولميّة المعاصرة كالّتي يمثّلها في بلداننا تنظيم (جماعة ، حركة) “الإخوان المسلمين .

من هنا ، فقط ، يمكننا العودة بذاكرة القارئ إلى ما قد تقدّم ، جميعه ، من محاولات “المؤلّفة” في كتابها “هذا” ، لتسويق جماعة “الإخوان المسلمين” في سورية ، من جديد ، بصيغة “الدّيموقراطيّة” و “الانتخاباويّة” ( من :الانتخابات ) و “الشّعبويّة” و “الكثرويّة” الهزيلة ، و صناديق الاقتراع ، على الرّغم من توقّعاتها و توقّعلت “الإخوان” أنفسهم باستحالة إعادة تسويقهم على مستوى الحكم ؛

و هو الأمر الذي جعلها تتبنّى مشروعهم في صيغة “المشاركة” في “الحكم” ، و لكن تلك المشاركة التي تحضّر ، وفق أصحابها – “الإخوان المسلمين” – لاستحضار ماضٍ دارس يظنّونها قابلاً للاستعادة التّفصيليّة في أمل من آمال الانقضاض الكامل على “الحكم” و “السّلطة” في أوّل سانحة ، قد تُقيَّضُ لهم ، في انزلاقة من انزلاقات الزّمان في خرابات المكان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى