الرئيس بوتفليقة يقدم استقالته وينهي عهدته لكي تبدأ في الجزائر اعتباراً من اليوم “العهدة الشعبية”/ فيديو

بدأ اجتماع المجلس الدستوري في الجزائر لإقرار حالة الشغور الرئاسي بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مساء أمس الثلاثاء.

وحسب المادة 102 من الدستور، ففي حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهوريّة، وذلك وفقا لموقع قناة “النهار” الجزائرية.

ويتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظم خلالها  انتخابات رئاسية، ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.

ويأتي ذلك، غداة استقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من منصبه وإنهاء فترة ولايته الرئاسية قبل موعدها المقرر في 28 أبريل/ نيسان الجاري.

وكان التليفزيون الجزائري قد نشر مساء أمس الثلاثاء، الصور الأولى لتسليم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة استقالته إلى رئيس المجلس الدستوري.

وأظهر الفيديو الرئيس الجزائري وهو يسلم رسالة الاستقالة إلى رئيس المجلس الدستوري، الطيب بلعيز، ويجلس إلى جواره رئيس مجلس الأمة، عبدالقادر بن صالح.

جاء في نص الرسالة التي وجهها بوتفليقة: “دولة رئيس المجلس الدستوري، يشرفني أن أعلمكم أنني قررت إنهاء عهدتي بصفتي رئيسا للجمهورية، وذلك اعتبارا من تاريخ اليوم، الثلاثاء 26 رجب 1440 هجري الموافق لـ2 ابريل 2019”.

وأضاف: “إن قصدي من اتخاذي هذا القرار إيمانا واحتسابا، هو الإسهام في تهدئة نفوس مواطني وعقولهم لكي يتأتى لهم الانتقال جماعيا بالجزائر إلى المستقبل الأفضل الذي يطمحون إليه طموحا مشروعا”.

وأوضح: “أقدمت على هذا القرار، حرصا مني على تفادي ودرء المهاترات اللفظية التي تشوب، ويا للأسف، الوضع الراهن، واجتناب أن تتحول إلى انزلاقات وخيمة المغبة على ضمان حماية الأشخاص والممتلكات، الذي يظل من الاختصاصات الجوهرية للدولة”.

وتابع: “لقد اتخذت، في هذا المنظور، الإجراءات المواتية، عملا بصلاحياتي الدستورية، وفق ما تقتضيه ديمومة الدولة وسلامة سير مؤسساتها في أثناء الفترة الانتقالية التي ستفضي إلى انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية”.

وقال: “يشهد الله جل جلاله على ما صدر مني من مبادرات وأعمال وجهود وتضحيات بذلتها لكي أكون في مستوى الثقة التي حباني بها أبناء وطني وبناته، إذ سعيت ما وسعني السعي من أجل تعزيز دعائم الوحدة الوطنية واستقلال وطننا المفدى وتنميته، وتحقيق المصالحة فيما بيننا ومع هويتنا وتاريخنا. أتمنى الخير، كل الخير، للشعب الجزائري الأبي”.

ومن المقرر عقد اجتماع للمجلس الدستوري قريبا لمناقشة التماس بوتفليقة بالاستقالة.

وتشهد الجزائر موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، والتي نجمت عن خطط بوتفليقة للسعي لولاية خامسة منذ أواخر فبراير/ شباط.

وفي 11 مارس/ آذار، سحب بوتفليقة (82 عاما) محاولته لإعادة انتخابه وأجل التصويت الذي كان من المقرر في البداية في 18 أبريل/ نيسان. ومع ذلك، استمرت الاحتجاجات، مع مطالبة الناس بإجراء تغييرات فورية.

هذا وقد خرج مئات الجزائريين إلى الشوارع، أمس الثلاثاء، للاحتفال باستقالة الرئيس بوتفليقة بعد 20 عاما قضاها في السلطة، وسط مخاوف من تكرار تجربة العسكر في مصر.

وتداول ناشطون عبر صفحات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر فرحتهم العارمة، ولوح شبان بالأعلام الجزائرية وقادوا سياراتهم في شوارع وسط المدينة التي اندلعت فيها احتجاجات حاشدة ضد الرئيس المستقيل.

وعبر وسمي “بوتفليقة يستقيل” و”الجزائر تنتفض”، طالب ناشطون بتأجيل الفرح قليلا حتى تتبين معالم المرحلة الانتقالية، فيما حذر آخرون من العسكر، معربين عن خوفهم من أن يتكرر سيناريو “السيسي” في مصر.

وشدد ناشطون على ضرورة استكمال مسيرة الثورة وإجراء انتخابات رئاسية جديدة.

وتعقيباً على هذه الاستقالة، قال وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان إن استقالة الرئيس بوتفليقة تشكل “لحظة تاريخية في تاريخ الجزائر”، وإن باريس تثق في قدرة الجزائريين على مواصلة الانتقال الديمقراطي بطريقة هادئة، وصرحت وزارة الخارجية الأميركية بأن الشعب الجزائري هو صاحب القرار في المرحلة المقبلة.

وذكر وزير خارجية فرنسا في بيان أن الجزائريين قد أظهروا خلال حراكهم الشعبي في الأسابيع الأخيرة أنهم مصممون على التعبير عن إرادتهم بصوت عال.

وسبق تصريح لودريان تصريح للمتحدث باسم الخارجية الأميركية روبرت بالادينو أمس الثلاثاء قال فيه إن الشعب الجزائري هو من يقرر كيفية إدارة هذه الفترة الانتقالية.

وكان المتحدث نفسه قال قبل أسبوعين، تعليقا على تخلي بوتفليقة عن الترشح لولاية رئاسية خامسة، إن بلاده تدعم الجهود التي تبذلها الجزائر لرسم طريق جديد للمضي قدما على أساس حوار يحترم إرادة جميع الجزائريين.

مسيرة بوتفليقة

كان بوتفليقة من المناضلين في حرب 1954-1962 التي وضعت نهاية للحكم الاستعماري الفرنسي ثم أصبح أول وزير للخارجية عقب الاستقلال وأحد الوجوه الرئيسية التي وقفت وراء حركة عدم الانحياز ومنحت أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية صوتا على الساحة العالمية.

ناصر بوتفليقة الدول التي ظهرت في أعقاب العصر الاستعماري وتحدى ما اعتبرها هيمنة من جانب الولايات المتحدة وساعد في جعل بلده مهدا للتوجهات المثالية في ستينيات القرن العشرين.

واستقبل بوتفليقة تشي جيفارا، وتلقى نلسون مانديلا في شبابه أول تدريب عسكري له في الجزائر. ومنحت البلاد حق اللجوء للناشط والكاتب الأمريكي إلدريدج كليفر الذي كان من أوائل قادة حزب الفهود السود. واستقبل كليفر في البيت الآمن الذي كان يقيم فيه في العاصمة الجزائرية الناشط الأمريكي تيموثي ليري المدافع عن تعاطي المخدرات في العلاج النفسي وأحد قيادات حركة الثقافة المضادة في الولايات المتحدة.

ودعا بوتفليقة بصفته رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة ياسر عرفات لإلقاء خطاب أمام المنظمة الدولية في 1974 في خطوة تاريخية صوب الاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية.

إلا أنه بنهاية السبعينيات انقلبت الأمور على بوتفليقة في الداخل وسافر للعيش خارج البلاد. ثم عاد إلى الحياة العامة خلال صراع مع متشددين إسلاميين سقط فيه ما يقدر نحو 200 ألف قتيل.

قبل عشرين عاما..

وانتخب بوتفليقة رئيسا للمرة الأولى عام 1999 وتفاوض على هدنة لإنهاء القتال وانتزع السلطة من المؤسسة الحاكمة التي تكتنفها السرية وترتكز على الجيش.

وبفضل إيرادات النفط والغاز تحسنت الأوضاع في الجزائر وعمها قدر أكبر من السلام وأصبحت أكثر ثراء. لكن لا يزال الفساد والركود السياسي والاقتصادي متفشيا فيها في منطقة أدت الانتفاضات الشعبية بها إلى تغيير نظم الحكم في دول مجاورة.

وبفضل الحماية التي وفرتها احتياطيات النقد الأجنبي الضخمة المتاحة لها وتخوف شعبها من الاضطرابات الشديدة بعد الحرب الأهلية تجنبت الجزائر انتفاضات الربيع العربي التي أطاحت بقادة دول أخرى في المنطقة في العام 2011.

غير أن الاحتجاجات على سوء مستويات المعيشة ونقص فرص العمل والخدمات أصبحت شائعة ويتطلع المستثمرون الأجانب لتطبيق إصلاحات اقتصادية تقضي على البيروقراطية التي تعوق النشاط في كثير من الأحيان.

تلمسان أم وجدة..؟

يقول بعض المؤرخين إن بوتفليقة ولد في تلمسان بغرب الجزائر غير أن آخرين يقولون إن وجدة الواقعة على الحدود المغربية هي مسقط رأسه.

وفي سن التاسعة عشرة انضم بوتفليقة للثورة على الحكم الفرنسي تحت حماية هواري بومدين القائد الثوري الذي أصبح رئيسا للجزائر فيما بعد.

أصغر وزير في جزائر ما بعد الاستقلال

وبعد الاستقلال أصبح بوتفليقة وزيرا للشباب والسياحة وهو في الخامسة والعشرين من عمره. وفي العام التالي عُين وزيرا للخارجية.

وأصبح بوتفليقة بملابسه الأنيقة والنظارات الشمسية التي راجت في الستينيات متحدثا باسم الدول التي خرجت للنور بعد انتهاء الحكم الاستعماري. ومنحته السمعة التي اكتسبتها الجزائر من هزيمة فرنسا سلطة إضافية.

الدبلوماسية ملعبُ بوتفليقة

وطالب بوتفليقة بأن تحصل الصين الشيوعية على مقعد في الأمم المتحدة. وندد بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وأثارت دعوة عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة عاصفة. فقبل عامين فقط من ذلك الحدث احتجز مسلحون فلسطينيون أعضاء في الفريق الرياضي الإسرائيلي في دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ رهائن وقتلوهم.

وشاهد بوتفليقة من منصة الرئاسة عرفات وهو يخاطب الجمعية العامة في نيويورك متمنطقا بجراب مسدس.

وعندما خطف إليتش راميريز سانشيز المعروف بكارلوس الثعلب والمؤيد للقضية الفلسطينية وزراء نفط من اجتماع لأوبك في فيينا عام 1975 طالب بنقله جوا مع الرهائن إلى مدينة الجزائر. والتقطت الكاميرات لقطات لبوتفليقة وهو يعانق كارلوس في المطار قبل أن يجلس الاثنان للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن.

بعد السلطة.. المنفى الاختياري

عندما توفي بومدين عام 1978 فقد بوتفليقة مرشده، وتم عزله من منصب وزير الخارجية وبدأ التحقيق معه في مخالفات مالية. وقال بوتفليقة إن هذه الاتهامات ملفقة في إطار مؤامرة سياسية.

وغادر الجزائر في أوائل الثمانينيات واستقر في دبي حيث أصبح مستشارا لأحد أفراد الأسرة الحاكمة في الإمارة. وعاد إلى وطنه في 1987 لكنه عزف عن الأضواء ورفض عروضا لشغل مناصب حكومية.

سنوات العنف الأعمى

في الوقت نفسه كانت الأوضاع قد بدأت تتدهور في الجزائر. وألغت الحكومة المدعومة من المؤسسة العسكرية انتخابات برلمانية في 1992 كان الإسلاميون على وشك الفوز فيها. وفيما أعقب ذلك من صراع وقعت مذابح راح ضحيتها سكان قرى بكاملها وتعرض المدنيون في شوارع المدن للذبح.

عودة من المنفى وإلى السلطة

وبدعم من الجيش انتخب بوتفليقة رئيسا للبلاد في 1999 بعد أن تعهد بوقف القتال. وفي مواجهة معارضة ضارية من مؤسسة الحكم أصدر عفوا عن المتشددين الذين ألقوا السلاح. وانحسر العنف بصورة كبيرة.

عهدة ثانية وثالثة ورابعة

وأعيد انتخابه في 2004 ثم في 2009 رغم أن خصومه قالوا إن الانتخابات شهدت تزويرا. ومن خلال سلسلة من المعارك الضارية على النفوذ مع قوى الأمن خلف الكواليس أصبح بوتفليقة مع بداية فترة ولايته الثالثة أقوى رئيس تشهده الجزائر على مدار 30 عاما.

وفي العام الماضي شدد قبضته على السلطة بعزل أكثر من عشرة من كبار قيادات الجيش.

ولا يعرف شيء يذكر عن حياته الخاصة. فلا تذكر السجلات الرسمية له زوجة رغم أن البعض يقولون إنه تزوج عام 1990. وعاش بوتفليقة مع والدته منصورية في شقة بمدينة الجزائر حيث اعتادت أن تعد له الطعام.

وتقدم العمر بالرئيس الجزائري حاملا معه مشاكل صحية حيث أجرى أطباء فرنسيون جراحة له في 2005 لعلاج ما وصفه مسؤولون بقرحة في المعدة. وجاء في برقيات دبلوماسية أمريكية مسربة أنه مصاب بالسرطان. ونال منه الضعف بعد أن توفيت والدته في 2009.

حان الوقت لتسليم الراية؟ هكذا قال بوتفليقة

وقال بوتفليقة في خطاب ألقاه في سطيف بشرق الجزائر في مايو/ أيار عام 2012 إن الوقت قد حان لأن يسلم جيله الراية لقيادات جديدة.

وبعد شهور وفي أوائل 2013 أصيب بجلطة دخل على إثرها مستشفى في باريس لمدة ثلاثة أشهر. ولم يشاهد علانية إلا قليلا منذ ذلك الحين بعد عودته للجزائر للنقاهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى