تمسّك الحكّام العرب بالسلطة الى آخر نفس

 تعيش الدول العربية حالة “تجمد” زمني منذ أكثر من مائة عام نتيجة لتشبث حكّامها بكراسي السلطة؛ مما أدى إلى استمرار الدكتاتورية، وإهدار ثروات شعوبها، وانتشار الأوبئة القبليّة والطائفيّة التي قادت الوطن العربي إلى حروب مدمرة، واحدثت شرخا في تركيبته الاجتماعية.

يحمي الحكام العرب أنظمتهم الدكتاتورية سواء كانت ملكيّة أو جمهورية بصناعة الخوف وبابتكار وسائل قمع تضع رقاب شعوبهم تحت رحمة سيوفهم، وباختراع عدو داخلي أو خارجي ليضمن ذلك لهم مقايضة شعوبهم لحرياتهم على حساب وهم الأمن والاستقرار.

ولترسيخ حكمهم يعمل الحكام العرب على تفكيك مصادر القوة للمجتمع المدني بإبطال عمل المؤسّسات المدنية ومنعها من المساهمة في بناء الوطن، وتحوليها إلى مجرد أدوات تجميلية لأنظمتهم؛ ويتحكمون في صنع القرار للتغيير أو تفصيل دساتير لتعضيد دعائم أنظمتهم، وينشؤون برامج تعليمية تقليدية لا تساعد على صناعة الانسان وتطوير الفكر والثقافة المجتمعيّة، بل تنشر الجهل والتخلف، والإدمان على الأبراج الفلكيّة، والنفاق والدجل وقراءة الكف والورق.

وكذلك يعمل الحكّام العرب على تفكيك النسيج الاجتماعي في أوطانهم بنشر الثقافة القبليّة أو الطائفيّة واعتمادها كمرجعيّة سياسيّة واجتماعيّة لتقاسم مراكز السلطة والنفوذ، مما يأدي الى اضعاف أي معارضة مستقبلية لأنظمتهم، ويزيل عن دولهم الصفة الوطنيّة، ويقوّض حركاتها النهضويّة، ويجعلها قابلة للتسلّط والاستعمار، وعرضة للتفكّك والانهيار، والتحوّل الى دويلات تحكمها جماعات أهلية متناحرة تغرقها في حمامات من الدماء.

أما على الصعيد الاقتصادي فإن الحكام العرب ينفقون خيرات أوطانهم على بناء القصور وشراء أسلحة لاستخدامها ضد شعوبهم؛ فقد ذكر تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن ثلث مبيعات الأسلحة في العالم، أي ما يعادل 500 مليار دولار تذهب للشرق الاوسط، ويفتحون خزائنهم للغرب لدعم أنظمتهم وحمايتهم، ويجوّعون شعوبهم كوسيلة لضمان تبعيّتهم؛ فقد أفاد تقرير البنك الدولي لعام 2015 أن هناك 100 مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، وإن 40 مليونا يعانون من نقص في التغذية الصحيّة. وبسبب التسلط والجهل والفقر أصبح المواطنون العرب، وخاصة الشباب الذي يكوّنون 30% من 400 مليون عربي يرون الوطن عدوا يعمل على اذلالهم، وقهرهم، وافقارهم، ويقتل احلامهم، ويقضي على مستقبلهم.

لقد تحول الحكام العرب إلى أصنام على هيئة بشر؛ حيث نجد صورهم على جدران المدارس، والجامعات، والمكاتب، والبيوت، والمستشفيات، وصالات الافراح، ومواقع التواصل الاجتماعي، وقوالب الحلوى. ولهذا لا يمكن لامتنا العربية أن تنهض وتزدهر ما دام يقودها قادة مستبدون، لأن الاستبداد كما وصفه المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي هو “أعظم بلاء؛ لأنّه وباءٌ دائمٌ بالفتن، وجَدْبٌ مستمرٌّ بتعطيل الأعمال، وحريقٌ متواصلٌ بالسلب والغصب، وسيلٌ جارف للعمران، وخوفٌ يُقطّع القلوب، وظلامٌ يُعمي الأبصار، وألمٌ لا يفتر، وصائلٌ لا يرحم، وقصّة سوء لا تنتهي”.
 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى