حرفتي تحمي بيئتي.. مبادرة تعيد تحويل النفايات لتحف إبداعية بالرمثا

تعيد بلقيس الأعرج “صنارة كروشيه” تقتنيها أمها للعمل بعد توقف استمر لأعوام، لتحيك خيوط الغزل والصوف بمهارة، قطعاً زاهية ألوانها تعكس ملكة إبداعية كانت تأمل تحقيقها منذ صغرها.

وإذا ما نظرت من خلف عقفة صنارة الكروشيه، ستجد عينين مليئتين أملاً وتصميماً بالاعتماد على الذات الذي تقول بلقيس إنه كان دافعاَ نحو تحقيق موهبتها، فتتعلم تارة كل جديد فيها، وتلبي رغباتها في الريادة تارة أخرى.

وتقول “أسسنا مبادرة -حرفتي تحمي بيئتي- يقودها فريق من اربع جامعيات في مقتبل العمر”؛ وترمي المبادرة إلى ابتكار منتجات حرفية، وإعادة تدوير النفايات الصلبة في مدينة الرمثا لتحف فنية وإبداعية.

فريق المبادرة تنبه مبكراً لضرورة ترجمة ما لديه من مواهب قبيل تخرج غالبيتهم من الجامعة، فواقع الحال يفرض نفسه أمام كل الخريجين الجدد الذين لا يجدون وظائف تمكنهم من الاستقرار، ولا يضير بعضهم انتظار فرصة العمل والمكتب لسنوات، فهذان “أمران يعدان ضرباً من الخيال في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي نعيش”، وفق ما تقول الأعرج.

وتسعى المبادرة وفق بلقيس، إلى التخلص من النفايات الصلبة في الرمثا بإعادة تدويرها وصولا لبيئة نظيفة، وتحسين المستوى المعيشي للأسر. وتقول “بحثنا عن كيفية مزج إعادة التدوير مع موهبتنا كفتيات للخروج بمبادرة يكون شكلها النهائي مبتكراً وغريباً في مجتمعنا”.

وتشدد الأعرج على أنه “لو جاءتني فرصة عمل فلن التحق بها لأننا نملك اليوم مشروعاً نفتخر به أمام الجميع”، مشيرة إلى أن فريق المبادرة نال ثقة المجتمع من حوله، وأثبت أن الفتيات قادرات على الإنتاج بشغف، ولسن عاجزات ينتظرن مصباحاً سحرياً للوظيفة.

انطلق فريق “حرفتي تحمي بيئتي”، باحثاً عن نفايات صلبة يُستفاد منها، من خلال جولاته على المنازل المجاورة باحثاً عن الزجاج والقماش والأخشاب غير المستخدمة، لتقوم الفتيات بإعادة تدويرها، وتبتكر منها تحفاً فنية، فجرى إرساء دعائم المبادرة حسب عضوة المبادرة غصون المنيص التي تقول إن الفريق خضع لدورات في مجال إعادة التدوير والتمكين مع الجمعية العلمية الملكية ما ساعده على تعزيز معرفته بما يطمح إليه، لكن آفاق الفريق باتت أرحب تحتاج دعماً مادياً لإنجاز المبادرة.

وتضيف أن فريق المبادرة، الذي اختار لنفسه مشروع “حرفتي تحمي بيئتي”، ليعيد تدوير النفايات الصلبة وتجميعها ويبتكر أشكالاً فنية جميلة بديلاً عن الوظيفة، قدم الفكرة إلى الجمعية العلمية الملكية بعد إتمام الدورات، فقررت الجمعية بعدها تبني المبادرة ضمن مشروع تعزيز دور الشباب في القضايا البيئية، وتنفيذها لإيمانها بأهمية تدوير المخلفات وإعادة استخدامها، مشيرة إلى أن الجمعية استأجرت مكانا لعرض منتجات المبادرة، وجهزته بالمواد الأولية اللازمة لإنجاح الفكرة.

وتقول “ساهمت بتوسيع آفاق زميلاتي في المبادرة تجاه ما يمكنهن استغلاله وصناعته من أشكال التطريز المختلفة مثل الشبر والفلاحي والباتشورك والمجسمات”، لافتة إلى عقد دورات تدريبية بعنوان “دوريها بالحرفة” للسيدات المهتمات بفكرة المبادرة، بينما يجري تسويق المنتجات حاليا في محل خصص للعرض وعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.

بعد تدشين المبادرة، خرج فريقها إلى المجتمع المحلي وألتقى السيدات اللواتي تحمسن للفكرة ولم يقفن عند حد توفير ما لا حاجة لهن به للمبادرة وفق ما تقول المنيص التي تشير إلى أن بعضهن قرر استنساخ المبادرة.

وتقول “عندما لاحظنا إهتمام السيدات بالمبادرة قررنا عقد دورات تدريبية لهن حول إعادة التدوير وإنتاج الأشغال اليدوية منها في منازلهن”، مضيفة بأن التغذية الراجعة اتسمت بالإيجابية خاصة مع احتفاظهن ببعض النفايات الصلبة في المنزل للاستفادة منها في الصناعات اليدوية بعد أن كان مصيرها القمامة.

أما عضوة المبادرة منوة المنيص تقول “ننتج يوميا قطعا مختلفة وعصرية من الكروشيه والمطرزات والمزهريات والوسائد والجوارب والقبعات والحقائب، والأكسسوارات بشكل عام”، مشيرة إلى أن العمل يجري حاليا على إطلاق دليل لمنتجات المبادرة بعد أن جرى تسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتضيف “نتطلع لتلبية رغبات المجتمع خاصة السيدات في إيجاد ما يبحثن عنه في السوق من منتجات عصرية ومميزة للمنزل”.

وتقول إن فريق المبادرة سيوسع دائرة تسويق منتجاته إلى المتاجر السياحية، إضافة إلى مشاركته في البازارات والمعارض.

وتشير المنيص إلى أن المبادرة واجهت في البداية جملة صعوبات لكون القائمات عليها فتيات اتجهن للسوق مباشرة وافتتحن محلا لعرض منتجات المبادرة، لكن الصعوبات تبددت لاحقا بعد أن برزت إيجابياتها ومنتجاتها للمجتمع.

وتبين أن عملية تصنيع القطع الفنية المصنوعة من النفايات الصلبة والمشغولات اليدوية تحتاج مجهوداً وترجمة للطاقات الإبداعية الكامنة قد يستغرق بضعة أيام أحيانا بالرغم من التكلفة المادية الزهيدة لمواده الأولية.

وتتلخص أنشطة المبادرة التي تنفذها الجمعية العلمية الملكية بدعم من مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، بزيارة بعض الجهات الرسمية كالبلدية لغايات كسب دعم المعنيين، وتصميم استبانة للبحث الميداني بهدف استطلاع آراء سيدات وفتيات الرمثا حول فكرة المبادرة، وفق مختصة دراسات المياه في الجمعية مجد الحاج قاسم.

وتبين أن الجمعية عقدت سلسلة جلسات منها لكسب التأييد، وأخرى توعوية للمهتمات من السيدات والفتيات حول فكرة المبادرة، وأهدافها، وكيفية الانتساب إلى الدورات التدريبية المنعقدة من خلالها.

وتضيف بأن القائمات على مبادرة “حرفتي تحمي بيئتي” أثبتن قدراتهن الرائعة على إدارتها بكفاءة، حينما بذلن جهودا كبيرة للمواءمة ما بين دراسة بعضهن، وعمل البعض الآخر، وتسيير أمور المبادرة بمنتهى الحرفية.

وتؤكد مجد قاسم على استمرار الجمعية العلمية الملكية في السعي لتعزيز دور المجتمع المدني في التصدي للتحديات البيئية عبر زيادة وتفعيل مشاركة الشباب وتسخير طاقاتهم الإيجابية في خدمة مجتمعاتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى