التجسس مقابل التطبيع.. هكذا تولت الاجهزة الاسرائيلية تعليم الانظمة الخليجية فنون التجسس الالكتروني على شعوبها

 

مثل خلية نحل، يعمل خريجو الوحدات العسكرية الإسرائيلية على تطوير التكنولوجيا لصنع أدوات الحرب السيبرانية، التي تمكنهم من شن حرب إلكترونية وعمليات تجسس تخدم مصالح دولتهم.

وقد أضحت إسرائيل بفضل هؤلاء من أوائل الدول المُصدرة لبرامج التجسس والتقنيات السيبرانية، وصارت مصدرًا رئيسيًا لأدوات التجسس على المدنيين في العالم؛ مصدر متوافر بسهولة للأنظمة الديكتاتورية التي تدفع الملايين مقابل أي برنامج يمكنها من التنصت على المدنيين المعارضين، وهذا ما أدركت أهميته دول الخليج العربي مثل الإمارات والسعودية والبحرين التي هرولت سرًا وعلنًا نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأنظارها تتجه نحو برامج التجسس الإسرائيلية، تلك البرامج ذائعة الصيت التي ستمكنها من الوصول لكل ما تريد من معلومات في الأجهزة الخلوية لمعارضيها وكذلك شخصيات سياسية من غير موطنها تعاديها.

إمبراطورية التجسس الإماراتية بيد إسرائيلية

في كل صباح، يصل مجموعة من الموظفين الإسرائيليين إلى مبني ضخم تظهر واجهاته الزجاجية باللون الرمادي يقع في مدينة هرتسليا في تل أبيب، ولدخول أبواب المبني الإلكترونية يجب على هؤلاء وضع البطاقة الذكية الخاصة.

إنها مجموعة صناعة برامج التجسس (NSO) التي أسسها العديد من الجواسيس والعسكريين السابقين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، لتكون جزءًا من شبكة الشركات الإسرائيلية، حيث يعمل موظفوها في مكاتبهم الخاصة على إنشاء أكثر أجهزة التجسس المحمولة في العالم، دون أن يعترض عملهم أحد بالرغم من تورطهم في صنع برامج تجسس كانت ضمن أخطر الهجمات في عالم التجسس.

وقد كانت الإمارات من أوائل الدول الخليجية التي استعانت بأحدث برامج التجسس التي تنتجها هذه المجموعة، ففي واحدة من تلك التعاملات، التي جرت في عام 2016 عندما أرادت أبوظبي كبح جماح الناشطين والحقوقيين من خلال التجسس عليهم، اشترت أبوظبي من المجموعة برنامج «بيجاسوس»، كي تتمكن من تسجيل المكالمات الهاتفية واعتراض الرسائل النصية، بما فيها الرسائل على البرامج المشفرة، وقد كانت أشهر الأسماء التي كشف النقاب عنها اسم الناشط في مجال حقوق الإنسان الإماراتي أحمد منصور، فقد تلقى منصور رسالة نصية قصيرة بدت له مشبوهة بعنوان عن أسرار جديدة بشأن معتقلين تعرضوا للتعذيب في الإمارات مرفقة بعنوان موقع غير معروف، وذلك بعقد يتراوح من 10 مليون دولار إلى 15 مليون دولار، من «مكتب الإحصاء الوطني» الإسرائيلي، الذي اعتبر أبوظبي واحدًا من أكبر عملائه في شراء أدوات المراقبة.

لكن الأخطر مما سبق هو ما كشف في اليوم الأخير من أغسطس (آب) 2018، إذ أظهرت رسائل بريدية سرّبتها صحيفة «نيويورك تايمز» أن الإمارات وظفت مجموعة NSO لاختراق هاتف أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، وأمير سعودي، وصحافيين. وتبين دعوتان قضائيتان مُقدَّمتَان من قِبَل مواطن قطري وصحافيين ونشطاء مكسيكيين استهدفهم برنامج التجسّس أن الإمارات وقّعت عقدًا لشراء برنامج المراقبة الإسرائيلي، وأظهرت كذلك طلب الإماراتيين التقاط المكالمات الهاتفية لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في عام 2014، وكذلك الأمير السعودي متعب بن عبد الله – الذي كان ينظر إليه باعتباره منافسًا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان – وذلك حسب تقرير «نيويورك تايمز». وبإمكان برنامج «بيجاسوس» كما أسلفنا، الوصول إلى كافة تفاصيل الاتصال، والرسائل النصية، ورسائل البريد الإلكتروني، والبيانات من منصات الإنترنت مثل فيسبوك، وسكايب، وواتساب، وفايبر وغيرها، ويمكنه مراقبة المكالمات الهاتفية التي تجرى وجهًا لوجه.

إسرائيل تكرم الرياض ببرنامج تجسس متقدم

كما هو معروف، احتجزت السعودية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وسرعان ما ربط تصرف الرياض هذا بموقف الحريري وعلاقته الداخلية بحزب الله اللبناني ذراع إيران في لبنان.

لكن كيف وصلت المعلومات التي أفادت الرياض بمخالفة الحريري لما تريده من تدخل في الشأن اللبناني؟

لقد كان الحريري تحت مجهر المراقبة في عقر بيته ببيروت، والمفاجأة الأكبر أن الإماراتيين هم من وصلوا لهذه المعلومات بعد أن تمكنوا من مراقبة هاتف الحريري مستخدمين برنامج التجسّس الإسرائيلي.

ربما قدرت الرياض «جميل» أبوظبي في خدمتها، لكنها قررت مؤخرًا العمل مباشرة مع الإسرائيليين للحصول على برامج تجسس، بدليل ما كشف في سبتمبر (أيلول) 2018 من أن السعودية كانت من بين 45 دولة استخدمت برنامج التجسس الإسرائيلي سيئ السمعة «بيجاسوس».

كانت هذه المعلومات بحسب فريق البحث الذي يعمل في المركز الحقوقي البحثي التكنولوجي «مختبر المواطن» في جامعة تورونتو بكندا، والذي أفاد: «اكتشفنا بأن هناك توسعًا كبيرًا لبرنامج «بيجاسوس» في دول مجلس التعاون الخليجي في الشرق الاوسط إجمالًا؛ استطعنا تحديد ستة مشّغلين مع عمليات ضخمة في دول مجلس التعاون الخليجي، يشمل على الأقل مشلغين يعملان بتركيز على الإمارات العربية المتحدة، ومشغّل آخر يركّز على البحرين، وآخر على المملكة العربية السعودية. قد يكون ثلاثة من المشغّلين قد قاموا بإجراء عمليات تجسس تتجاوز منطقة الشرق الأوسط؛ تشمل كندا، وفرنسا، واليونان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية»،

وأضاف التقرير: «في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2018، قامت منظمة أمنستي بنشر تقرير بأن واحدًا من أعضاء فريقها إضافة إلى ناشط سعودي – مقيم خارج السعودية -، قد تم استهدافهم ببرنامج «بيجاسوس» مجموعة NSO. يبدو بأن ذات المشغّل المسؤول عن هذا الاستهداف يقوم بالتجسس عبر الشرق الأوسط، وأوروبا وأمريكا الشمالية أيضًا».

بيد أن ما كشفته في الثالث من أكتوبر (تشرين الثاني) الماضي مؤسسة «سيتزن لاب» الكندية المتخصصة في الأمن الإلكتروني كان أيضًا خطرًا، فقد تجسست السعودية على الناشط السعودي المعارض عمر عبد العزيز المقيم بكندا والناشط في مجال حقوق الإنسان، واستخدمت الرياض للوقوف على النشاط الحقوقي لعبد العزيز في الخلاف الدبلوماسي مع كندا حول قضايا حقوق برنامج تجسس إسرائيلي تنتجه NSO، وقد أرسل لهاتف عبد العزيز إشعار مزيف عن تتبع شحنة بريد، فاخترق هاتفه عبر مشغل «بيجاسوس» مرتبط بالسعودية، وقام بنسخ جهات الاتصال من هاتفه وكذلك الصور العائلية الخاصة، والرسائل النصية، والمكالمات الصوتية عبر برامج المحادثة الشهير، بل كان بإمكان المشغلين تشغيل كاميرا هاتفه والميكروفون لالتقاط المحادثات المحيطة.

أما الأكثر جرأة في تحركات السعودية نحو شراء القرصنة الإسرائيلية باعتبارها سلاحًا مفضلًا، فكانت في 29 أكتوبر الماضي، حين كشف النقاب عن شراء السعودية أجهزة تجسس إسرائيلية بقيمة 250 مليون دولار في صفقة سرية لنقل تقنيات تجسس إسرائيلية. وقد أكرمت دولة الاحتلال الرياض ببيعها هذه التقنيات الأكثر تطورًا لها بوصفها أول بلد عربي، وجاء في تقرير موقع «الخليج أون لاين» أن: «منظومات أمنية وصلت إلى السعودية وصارت قيد الخدمة الفعلية، بعدما تلقت فرق فنية سعودية دورات تدريبية على كيفية تشغيلها، وهذا التعاون ليس الأول من نوعه بين إسرائيل والسعودية»، إذ يضيف التقرير الحصري: «دولة الإمارات قد حصلت قبل عام تقريبًا على أجهزة تجسس متطورة من نوع «بيجاسوس»، وطائرات استطلاع حديثة من إسرائيل، لكن ما تم نقله للرياض يعد الأكثر تقدمًا ودقة من أي أجهزة عسكرية قد بيعت لأي دولة عربية أخرى».

إسرائيل تدرب البحرينيين على التجسس في عقر دارهم

واحدة من الدول الخليجية التي كانت على رأس القائمة في شراء برامج مراقبة وجمع معلومات استخبارية من شركات التجسس الإسرائيلية هي البحرين، تلك الدولة التي عنيت بملف المعارضة فيها بعد احتجاجات عام 2011 للأغلبية الشيعية في البلاد.

وقد كانت البحرين من بين 45 دولة اشترت برنامج «بيجاسوس» الإسرائيلي لإصابة أجهزة أندرويد وآيفون عبر إرسال رسائل نصّية للمستهدفين، وفي ديسمبر (كانون الأول) 2016، كشف النقاب عن استخدام السلطات البحرينية برنامجًا إسرائيليًّا من شركة «سيلبريت» التي تبيع منتجها لأكثر من 100 دولة  لاستخراج معلومات خاصة من هواتف المعارضة، وذلك بعد اختراق سجلات الدردشة، ونصوص الرسائل، وكافة الملفات والمعلومات بما فيها الصور والملاحظات، وقد استخدمت المعلومات التي استخرجها هذا البرنامج في محاكمة النشطاء على أنها أدلة إدانة. ويعرف اسم هذه الشركة سيئة الصيت بتورطها في ذات العام بقضية استئجار مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) لها لفتح هاتف آيفون، يعود لمنفذي عملية سان بيرناندينو في كاليفورنيا، بعد رفض شركة (أبل) إعطاء المكتب الشيفرة.

لكن أخطر ما يمكن اكتشافه في العلاقة بين برامج التجسس الإسرائيلية ودولة البحرين، هو ما أظهره تحقيق ضخم نقل معلوماته عن 100 مصدر في 15 دولة وأجرته حديثًا صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية حول صناعة التجسس الإلكترونية في إسرائيل.

يؤكد التقرير أن: «البحرين انضمت لقائمة الدول التي تتعامل مع الشركات الإسرائيلية العاملة في قطاع التجسس، وأن موظفين ومسؤولين إسرائيليين يذهبون إلى البحرين بشكل دوري لصيانة هذه الشبكات والأجهزة، لكن عبر استخدام جوازات سفر أجنبية، ويحظر عليهم عادة التنقل في البلاد، إذ يقتصر تواجد الإسرائيليين على غرفهم في الفنادق»، وبحسب التقرير؛ فإن أنظمة شركة Verint Systems المالكة لبرامج مراقبة بيعت في البحرين، مع برامج أخرى لجمع المعلومات من الشبكات الاجتماعية.

وتنقل الصحيفة عن أحد المدربين الذي أعرب عن ملله خلال تواجده في البحرين لعدم السماح له بالتنقل: «قمت بتدريب جنود وأعضاء وكالات الإنفاذ، ومن الأماكن التي دربنا فيها أناس يبدو أنهم أعضاء في الأسرة الحاكمة في البحرين، كان جميع أعضاء الفريق من الهنود، وكان إلى جانبهم رجال المخابرات البحرينية، بما في ذلك النساء، أعتقد أنهم سيستخدمون الأنظمة في أمور تتعلق بالاحتجاج المناهض للنظام».

وقد تجلى عبر هذه الاكتشافات الأخيرة، مدى التطبيع القائم بين دول الخليج وإسرائيل عبر بوابة القرصنة الإلكترونية والأمن السيبراني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى