ناصر القدوة الاوفر حظاً .. صراع مرير خلف الكواليس بين القيادات الفتحاوية المتسابقة على وراثة ابو مازن وهو مازال حياً

اخيراً، غادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اليوم الاثنين، المستشفى الاستشاري العربي بمدينة رام الله، بعد أن تماثل للشفاء.

ووفقاً لوكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، فقد قال الرئيس عباس، في كلمة مقتضبة له، “سنصل إلى الدولة قريبا وسأخرج من المستشفى لتكون القدس عاصمتنا”، مشيرا إلى أنه “سيواصل عمله بداية من الغد”.

ونقلا عن المدير الطبي للمستشفى الاستشاري العربي برام الله الدكتور سعيد سراحنة، فقد شهدت صحة الرئيس تحسنا مستمرا وسريعا.

وكان القيادي في حركة فتح أحمد المندوه قد نفى، خلال تصريحات صحفية، ما تداولته بعض الصحف والمواقع الاجتماعية، أمس، بشأن وفاة عباس، مؤكداً أنه حال حدوث أي طارئ، ستعلن الحركة ذلك.

ورغم مغادرة عباس للمستشفى، الا ان المعركة التنافسية التي تعيشها حركة فتح ما زالت أكثر حدة من حجم الغموض الذي يحيط بصحته، حيث تظهر هذه الخلافات المشتعلة بين اقطاب الحركة الفتحاوية حجم الجدية التي تحيط بمناخ السلطة عقب دخول عباس للمستشفى منذ بضعة ايام.

وكان بيان مفاجئ للرئاسة الفلسطينية، قد أفاد بتأجيل خروج الرئيس عباس من المستشفى، دون إعطاء مزيد من المعلومات، ثم تبعه تصريح لرئيس مجلس إدارة المستشفى الاستشاري الدكتور فتحي ابو مغلي اكد فيه أن عباس بصحة ممتازة، وان خللا لوجستيا وراء تأجيل خروجه من المشفى الى الان.

وقد فتحت هذه التصريحات المتضاربة حول صحة عباس اب الجدل واسعاً، خاصة بعد أن سربت مصادر اعلامية عن اجتماع مفاجئ لمركزية عباس برئاسة محمود العالول وسط انتشار امني واسع في في مقر المقاطعة برام الله والمناطق المحيطة بها.

وقالت المصادر أن عائلة الرئيس محمود عباس قد غادرت مدينة رام الله نحو الأردن في ظل الوضع الصحي الحرج، وسط انباء عن نقل ابو مازن لمستشفى بالخارج للوقوف على مدى خطورة وضعه الصحي.

صراع التماسيح

مصادر مطلعة كشفت عن صراع حامي الوطيس يدور بين شخصيات بارزة في مركزية عباس تطمع في أن تجلس على كرسى الرئيس، مما أدى لنشوب صراع قد ينفجر في أي لحظة ويقلب الأمور رأسا على عقب.

المصادر أكدت أن سباق القيادات الفتحاوية على كرسي الرئاسة ليس وليد الحدث الحالي، إذ أن هناك حرب نفوذ حقيقية تعيشها مدن ومخيمات الضفة المحتلة، هذه الحرب تجاوزت القوانين ومؤسسات السلطة الرسمية إلى تشكيل قوى نفوذ – ميليشيا- مدعمة بالعائلات الكبرى والتكتلات الشعبية.

أبرز تلك القيادات الفتحاوية التي دخلت هذه الأيام إلى “حلبة المصارعة” هم محمود العالول نائب رئيس حركة فتح، بالاضافة الى جبريل الرجوب وتوفيق الطيراوي وماجد فرج.

“العالول”  يقاتل بكل ما أوتي من قوة للحفاظ على تكليفه كنائب لرئيس حركة فتح رغم مطالبات أعضاء في اللجنة المركزية وعلى رأسهم ” الطيراوي والرجوب” بأن يتنحى عن منصب نائب رئيس الحركة؛ حيث كانت المركزية  قد وافقت على تكليفه نائبا لمدة عام فقط وهذه هي الحجة القانونية التي يدّعم بها كل من الطيراوي والرجوب موقفهما.

وفي مواجهة ذلك، بدأ محمود العالول بمحاولات السيطرة على مفاصل التنظيم في محافظات الضفة، وامتدت مساعيه إلى القطاع، حيث يتخندق الناطق باسم الحركة عاطف أبو سيف إلى جانبه في محاولة ترتيب البيت الفتحاوي وصولاً للسيطرة على مقاليد الحكم الثلاث السلطة وفتح والمنظمة .

ويفيد مصدر مقرب من “العالول” انه ينطلق في مساعيه من كونه عضو فعلي في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حيث سيخلف الرئيس عباس بعد شغره منصب نائب حركة فتح، كون الرئيس أبو مازن مرشح عن فتح في اللجنة التنفيذية وبالتالي من يخلفه في رئاسة اللجنة التنفيذية هو من ينوب عنه أي العالول.

قيادة بديلة

بدورها، اكدت مصادر فلسطينية مطلعة، أن الإدارة الأمريكية نشطت من محاولاتها خلال الأسابيع الماضية، لفتح «قنوات اتصال» مع شخصيات فلسطينية «غير حزبية»، للحديث عن المرحلة المقبلة، بعد قرار القيادة الفلسطينية وقف اتصالاتها مع واشنطن، رفضا لقرار الرئيس دونالد ترامب، اعتبار مدينة القدس عاصمة لدولة الاحتلال.

وأشارت المصادر إلى أن المستوى السياسي الفلسطيني يعلم جيدا التحركات الأمريكية واتصالاتها الأخيرة التي أجريت مع بعض الشخصيات الفلسطينية، التي تضمنت دعوة البعض لزيارة واشنطن خلال الأيام الماضية، بعيدا عن القيادة.

وتريد الإدارة الأمريكية بذلك «إحراج» القيادة الفلسطينية وإضعاف موقفها القاضي بتجميد الاتصالات لحين عدول أمريكا عن قراراتها الأخيرة، وهو أمر تدركه جيدا مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، كما أكدت المصادر السياسية.

وكشفت المصادر أن تلك الاتصالات تضاعفت خلال الأيام القليلة الماضية، وتحديدا قبل وصول المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جيسون غرنبيلات، إلى المنطقة الأسبوع الماضي.

وخططت الإدارة الأمريكية من وراء زيادة الاتصالات للترتيب لعقد لقاء يجمع عددا من الشخصيات الفلسطينية مع غرينبلات، الذي لم يحظ هذه المرة بأي لقاء مع الجانب الفلسطيني الرسمي، واكتفى بالاجتماع بالمسؤولين الإسرائيليين، وهو أمر لم يكن قائما منذ تعيين الرجل في هذه المهمة.

وتدرك القيادة الفلسطينية أن الإدارة الأمريكية تريد من وراء عقد اللقاء، إظهار عدم قدرة القيادة الفلسطينية على بسط سيطرتها السياسية على كل المكونات الفلسطينية، وهو ما لم ينجح، بسبب حالة الإجماع الفصائلي اaلفلسطيني على قرار «المقاطعة»، الذي يحظى بدعم قوي من حركة حماس في غزة أيضا.

ودفع الحديث عن المخطط الأمريكي لـ «خلق وتأهيل قيادات بديلة»، وفي ظل الرفض الشعبي للسياسات الأمريكية الأخيرة التي فجرت موجة غضب عارمة لا تزال قائمة ضد الاحتلال، إلى نفي العديد من الشخصيات الفلسطينية في مجالس خاصة، وجود أي نية لديها للاجتماع مع المبعوث الأمريكي في القدس.

يشار إلى أن غرينبلات سبق وأن عقد «بعلم السلطة» لقاءات مع شخصيات فلسطينية عدة، خلال جولة سابقة للمنطقة، ناقش معهم سبل الدفع بعملية السلام، وسبل تعزيز الاقتصاد الفلسطيني في المرحلة اللاحقة، ضمن خطة سلام شاملة.

اللعب على آلام غزة

الغريب الذي كشفته مجموعة من التسريبات الموثوقة، هو حضور ورقة غزة بقوة في ميدان السباق على كرسي عباس، لكن ليس من باب احتوائها وإعادة شعبية “فتح” التي أضعفتها سياسات الرئيس محمود عباس، إنما من باب تشديد تلك العقوبات وزيادتها، وكأن “كرت بلانش” المناصب الكبرى في رئاسة السلطة، هو اتخاذ خطوات أكثر تطرفاً تجاه القطاع.

وبحسب التسريبات، فقد رفض “العالول” في اجتماع ضم غالبية أعضاء اللجنة المركزية وصف الإجراءات  المالية في غزة بالعقوبات، داعياً إلى ضرورة وقف صرف كل رواتب الموظفين، في المقابل أكدت المصادر ذاتها، أن توفيق الطيراوي هدد  “العالول” بنشر محضر الجلسة  في الاعلام؛ “ليكتشف أبناء فتح من الذي يحاربهم” وفق قول الطيراوي.

وكان العالول في وقت سابق من أنصار الإبقاء على “شعرة معاوية” مع غزة، لكنه رأى أن صرف نسبة 50% من الراتب كثير، وطالب بتخفيض النسبة إلى 40%.

هذه التطورات دعت مسؤول ملف المفاوضات في السلطة الفلسطينية صائب عريقات للجوء إلى الإعلام الإسرائيلي لإحراج العالول عبر التصريح بأن عدم صرف رواتب غزة جاء نتاج أسباب فنية واقتصادية، لكنه سرعان ما تراجع بعد موجة غضب انتابت الشارع من تصريحاته .

المصادر ذاتها تفيد أن عريقات أيضاً هو إحدى الشخصيات التي تخوض صراع المناصب هذا، وهو الذي عاد بعد عملية زراعة الرئة، بعافية أكبر، يحدوه الطموح لخلافة الرئيس كونه امين سر اللجنة التنفيذية وكما جرت العادة منذ خلافة الرئيس أبو مازن لياسر عرفات حيث كان في وقتها امينا لسر اللجنة التنفيذية .

الحراك الفتحاوي الداخلي لا يغيب عنه قطبا الصراع في فتح، توفيق الطيراوي وجبريل الرجوب اللذان يعملان بشكل مستمر على تحشيد مسلحين من منطقتي بلاطة والخليل وعدد من المحافظات الفلسطينية في الضفة لحماية انفسهم لمرحلة ما بعد شغر منصب الرئاسة .

وأمام “تماسيح فتح” يقف رئيس الوزراء الحالي رامي الحمد الله، منتظراً مصيره بقلق، وهو الذي لم ينجح خلال منصبه الوزاري من امتلاك أدوات ومقومات تؤهله لخوض الصراع، وبقي مصيره معلقاً بصحة الرئيس محمود عباس، الذي يحمل اليوم الثاني من غيابه، غياب كثيرٍ من الشخصيات وصعود أخرى.

القدوة يدخل السباق

من جهتها، كشفت مصادر فلسطينية رفيعة عن توافق داخل الأروقة القيادية لحركة فتح والمجلس المركزي للمنظمة على تعيين ناصر القدوة لخلافة عباس.

وعلمت المصادر أن اتصالات مصدرها برام الله تمت مع بعض العواصم العربية بينها القاهرة وعمان لاطلاعهم على ما تم التوصل إليه بشأن خلافة الرئيس عباس، وأنه لا يوجد فراغ سياسي حال غيابه عن رئاسة السلطة.

ووفق مصادر عربية مطابقة، فإن القاهرة هي أول من وجه باتجاه د. ناصر القدوة، حيث عملت المخابرات المصرية طيلة الـ72 ساعة الأخيرة على إقناع الجميع للوصول لهذه النتيجة.

وتابعت المصادر أن شخصيات في مركزية فتح من قطاع غزة ارتكزت بتوجيه ودعم المخابرات المصرية على التوزيع الجغرافي بحيث يتولى قيادة حركة فتح من الضفة الغربية، وقيادة المنظمة من أريحا، ورئاسة السلطة من قطاع غزة.

يشار أن الرئيس محمود عباس يعاني من أزمة صحية حادة نُقل على إثرها في المستشفى الاستشاري برام الله منذ منتصف الأسبوع الماضي.‏

وتبقى حالة الجدل والنقاش قائمة ومفتوحة على مصراعيها بشكل حثيث حول الخليفة المرتقب لعباس، وستكون المرحلة المقبلة صعبة على الشعب الفلسطيني في ظل وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتصعيده الخطير ضد الفلسطينيين، والتحرك لإيجاد رئيس فلسطيني جديد يتماشى مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.

تعقيب على الحالة الفتحاوية

وتعقيباً على هذه الحالة الفتحاوية المأزومة، قال النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي د. حسن خريشة، إن: “مرض الرئيس محمود عباس، كشف سوأة السلطة وحقيقة قيامها على أساس حزبي لا مؤسسي”، مبينًا أن حالة التسابق من مسؤولي السلطة للظفر بمنصب الرئيس تثير الاشمئزاز.

وبيّن خريشة أن هناك انقلابًا ناعمًا على النظام الأساسي للمنظمة، عبر محاولات تعيين رئيس جديد خلفاً لعباس، بعيدًا عن المؤسسة المنتخبة “المجلس التشريعي”، مشيرًا إلى أن حراكًا يقوده طامعون بمنصب الرئيس لتثبيت أنفسهم على كرسي الرئاسة تشهده الكواليس في ظل تردي حالة الرئيس عباس الصحية.

وأشار إلى أنه حتى اللحظة يعتري مبنى المقاطعة وساكنيها حالة من التخبط في ظل عدم الحديث عن بديل يحضى بالاجماع، سواء من ابناء حركة “فتح” أو من خارجها في المنظمة ومؤسساتها حصرًا”، منوهًا إلى أن استمرار الغموض يشي عن مستقبل قاتم على الصعيد السياسي، وهو ما يتحمل وزره من ينقلب على النظام الأساسي.

وأوضح خريشة أن “اللاهثين” خلف منصب الرئيس وبعيدًا عن الطرق الدستورية السليمة يعلمون جيدًا بعدم إمكانية وصولهم إلى المنصب عبر الانتخابات وصناديق الاقتراع، ما يدفعهم لمحاولة اغتصاب المنصب غصبًا، مبينًا أن منح المجلس التشريعي صلاحياته هو الطريق الأسلم للخروج بالحالة الفلسطينية برمتها من المآزق التي تخنقه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى