“النكبة” .. 70 عامًا من الاحتلال الاسرائيلي والتشرد الفلسطيني

احيا الفلسطينيون، امس (15 أيار)، الذكرى السنوية الـ 70 لاحتلال بلادهم من قبل الحركة الصهيونية بدعم بريطاني، والتي يطلقون عليها مصطلح “النكبة”، لما خلفته من واقع مأساوي تمثل باحتلال أرضهم وتشريدهم منها، بعد مجازر بشعة أرتكبت بحقهم، لتخلف واقعًا سياسيًا جديدًا أوجد كيانًا سُمّي بـ “إسرائيل” وذلك على القسم الأكبر من فلسطين.

وشكّلت “النكبة” عملية تحوّل مأساوي في خط سير حياة الشعب الفلسطيني بعد سلب أرضه ومقدراته وممتلكاته وثرواته، وما تعرّض له من عمليات قتل ممنهج وتهجير على أيدي العصابات الصهيونية عام 1948.

وبدأت وقائع النكبة، فعليًا، قبل تاريخ 15 أيار 1948؛ والذي اختاره السياسيون لتأريخ بداية النكبة الفلسطينية (احتلال فلسطين)، عندما هاجمت عصابات صهيونية قرىً وبلدات فلسطينية بهدف إبادتها أو دب الذعر في سكان المناطق المجاورة بهدف تسهيل تهجير سكانها لاحقًا.

ووفقًا لما يؤكده العديد من المؤرخين والباحثين فإن عملية التهجير القسري للفلسطينيين تمت “بشكل مبرمج ومخطط، بهدف تطهير فلسطين من سكانها العرب”، فيما واكبت تلك العملية حملات مكثفة من الإرهاب والمجازر والتي شكلت إحدى الأسباب الرئيسية لترك عرب فلسطين لقراهم ومدنهم.

وتشير البيانات الموثقة إلى أن العصابات الصهيونية سيطرت خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة؛ حيث قامت بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية، كما اقترفت أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين، أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.

كما تم تشريد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم؛ داخليًا (للعديد من المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة) وخارجيًا (لبعض الدول العربية).

لاجئون وأرقام

بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني، فقد قدر عدد الفلسطينيين في العالم نهاية عام 2017 بحوالي 13 مليون نسمة، ما يشير الى تضاعف عددهم أكثر 9 مرات منذ أحداث نكبة 1948.

وأفادت المعطيات الرسمية أن أكثر من نصف الفلسطينيين 6.36 مليون نسمة في فلسطين التاريخية؛ 1.56 مليون في المناطق المحتلة عام 1948.

واستنادًا الى نتائج التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت للجهاز الاحصاء الفلسطينية لعام 2017، بلغ عدد السكان في الضفة الغربية “بما فيها القدس” 2.9 مليون نسمة، وحوالي 1.9 مليون نسمة في قطاع غزة، وفيما يتعلق بمحافظة القدس فقد بلغ عدد السكان حوالي 435 ألف نسمة.

وبناء على هذه المعطيات فإن الفلسطينيين يشكلون حوالي 49.4 في المائة من السكان المقيمين في فلسطين التاريخية.

وأشارت المعطيات إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين وفق سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) المسجلين كما هو في الأول من كانون أول للعام 2017، بلغ حوالي 5.87 مليون لاجئ فلسطيني.

ويعيش حوالي 28.4 في المائة من اللاجئين في 58 مخيمًا رسميًا تابعًا لوكالة الغوث الدولية تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، 9 في سوريا، 12 في لبنان، 19 بالضفة الغربية، و8 في قطاع غزة.

وأوضح جهاز الإحصاء الفلسطيني أن هذه التقديرات تمثل الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين باعتبار وجود لاجئين غير مسجلين، إذ لا يشمل هذا العدد من تم تشريدهم من الفلسطينيين بعد عام 1949 حتى عشية حرب حزيران 1967 ولا يشمل أيضًا الذين رحلوا أو تم ترحيلهم عام 1967.

وأظهرت بيانات التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2017 أن نسبة اللاجئين الفلسطينيين تشكل 42.5 في المائة من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين في دولة فلسطين.

نكبة مستمرة

ومع حلول ذكرى النكبة هذا العام، تتواصل مأساة اللاجئين الفلسطينيين من خلال رفض الاحتلال المطلق تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وتعويضهم عن الأضرار والمعاناة الكبيرة التي لحقت بهم.

وتواصل سلطات الاحتلال حتى يومنا هذا عمليات الطرد والتهجير القسري بحق الفلسطينيين من خلال هدم البيوت في القدس والضفة المحتلتيْن، وتدمير آلاف المنازل ومصادرة الأراضي وضمها، والاعتداء على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية، عدا عن الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة وأهله وتدمير بناه التحتية وخنقه بحصار جائر مستمر منذ سنوات طويلة.

ورغم الواقع المأساوي ما بعد النكبة، والذي يشهد الشعب الفلسطيني فصوله هذه الأيام، إلا أن رهان الخبراء والسياسيون على “حجم الوعي” لدى الشبان الفلسطينيين والمسؤولية التي يحملونها على عاتقهم في تغيير هذا الواقع، عبر مناهضة الاحتلال والتي برزت مؤخرًا من خلال انتفاضة القدس؛ حيث برز الجيل الجديد الذي لم يعش النكبة لكنه يلمس واقعها يوميًا.

قوانين تلاحق ذكرى النكبة

نحو سبعة عقود مرت على أحداث النكبة، إلا أن حكومة الاحتلال والأحزاب الإسرائيلية لا زالت تضع العراقيل أمام إحياء هذه المناسبة، ناهيك عن استهداف الفلسطينيين المُقيمين بالأراضي المحتلة عام 1948، بأشكال متعددة.

فقد شرع حزب “يسرائيل بيتنا” العام الماضي، بتحريك مشروع قانون يجيز فرض عقوبات على المؤسسات الأكاديمية التي تسمح بإحياء ذكرى النكبة في الداخل الفلسطيني المحتل 48.

وادعى وزير جيش الاحتلال، أفيغدور ليبرمان، أن أي فعاليات للاحتفال بذكرى النكبة “من شأنها المس برموز الدولة العبرية”.

ويمنح مقترح مشروع القانون، رئيس مجلس التعليم العالي في الدولة العبرية، صلاحيات لفرض عقوبات صارمة على الجامعات والكليات والمؤسسات الأكاديمية التي تسمح وتجيز للطلاب من فلسطينيي الداخل القيام بنشاطات لإحياء ذكرى النكبة أو المس بالرموز اليهودية والصهيونية.

كما صادقت اللجنة الوزارية للتشريع في تل أبيب على “قانون القومية”، “تأكيد جديد على النظام العنصري الذي يحكم اسرائيل سعيًا لتكريس الاحتلال وتهديد الوجود الفلسطيني في الاراضي المحتلة عام 1948”.

وينّص “قانون القومية” على أن “لغة الدولة (إسرائيل) هي اللغة العبرية، وتغيير مكانة اللغة العربية من لغة رسمية إلى لغة لها مكانة خاصة في الدولة، وللمتحدثين بها الحق في المنالية اللغوية لخدمات الدولة”.

كما يحتوي نص القانون على بند يعطي دولة الاحتلال الحق في “أن تتيح لمجموعة؛ بما في ذلك أبناء مجموعة دينية واحدة أو أبناء قومية واحدة، إقامة بلدة جماهيرية خاصة”.

ومن الجدير بالذكر، أن الاحتلال شرّع منذ عشرات السنين قانونًا أساسيًا يُعرّف دولته بأنها “يهودية وديمقراطية”، وفي حال تم تمرير مشروع القانون الجديد في الـ “كنيست” فإنه سيقدّم “إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي”.

ويحسم مشروع القانون قضية تتعلق باللاجئين؛ حيث ينّص على أن “الحقوق القومية تمنح فقط للشعب اليهودي والحق بالهجرة حكر على اليهود”، وبهذا يلغي أحد ثوابت الفلسطينيين في المفاوضات، وهو ما قد ينهي العملية السلمية وينقلها إلى مسار آخر.

ويرى الفلسطينيون أن هذا القانون استمرار للسياسات التي تمارسها الحكومات الإسرائيلية بحقهم، وأن التمييز العنصري بات عنوان لكل قانون.

الاستيطان

وأظهرت المعطيات، أن عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في نهاية العام 2016 في الضفة الغربية بلغ 425 موقعًا، منها 150 مستوطنة و107 بؤر استيطانية، يقيم فيها 636,452 مستوطنًا.

ويتضح من البيانات أن حوالي 47.5 في المائة من المستوطنين يسكنون في القدس المحتلة، حيث بلغ عـددهم حوالي 302,188 مستوطنًا؛ منهم 222,325 في القدس.

وتشكل نسبة المستوطنين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية حوالي 21.8 مستوطنًا مقابل كل 100 فلسطيني، في حين بلغت أعلاها في محافظة القدس حوالي 68.3 مستوطنًا مقابل كل 100 فلسطيني.

وأشارت البيانات إلى أن جدار الضم والتوسع عزل أكثر من 12 في المائة من مساحة الضفة الغربية، مما أدى الى فرض قيود على نحو 1.9 مليون نسمة يعيشون في مناطق قريبة من الجدار والمستوطنات، ونحو 400 ألف نسمة منهم يعيشون في مناطق (ج) التي تخضع لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية.

واشنطن نقلت سفارتها للقدس

وهذا العام وفي الذكرى الـ 70 للنكبة، نقلت واشنطن مقر السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة، تنفيذًا لقرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، الذي حدد الموعد ليتزامن مع الذكرى السبعين لاحتلال فلسطين.

ومنذ انطلاق “مسيرات العودة” في قطاع غزة بتاريخ 30 آذار الماضي، للمطالبة بتفعيل “حق العودة” للاجئين الفلسطينيين ورفع الحصار الإسرائيلي عن القطاع، قتل جيش الاحتلال 115 فلسطينيًا؛ من بينهم 6 شهداء احتجز جثامينهم ولم يسجلوا في كشوفات وزرة الصحة، وأصاب أكثر من 12000 آخرين.

وتتزامن “مسيرة العودة” مع إحياء الذكرى الـ 70 لاحتلال فلسطين، ومع نقل واشنطن لسفارتها من تل أبيب إلى القدس، بموجب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في 6 كانون أول 2017، مدينة القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.

وقوبل إعلان ترمب برفض فلسطيني ودولي، أعلن على إثره الفلسطينيون تجميد اتصالاتهم السياسية مع الإدارة الأمريكية، في حين تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يرفض محاولات تغيير الوضع القانوني لمدينة القدس المحتلة.

واختارت واشنطن الرابع عشر من أيار الجاري، موعدًا لافتتاح سفارتها في مدينة القدس المحتلة، والذي يصادف عشية الذكرى السنوية السبعين للنكبة (احتلال فلسطين) وتهجير “إسرائيل” لما يقارب 760 ألف فلسطيني من ديارهم عام 1948.

انتهاكات الاحتلال في القدس

وذكرت المعطيات أن الاحتلال أقدم خلال العام 2017 على هدم وتدمير 433 مبنى، 46 في المائة منها في مدينة القدس، وتوزعت المباني المهدومة بواقع 170 مبنى سكني (منها 148 في القدس) و263 منشأة، مما أدى الى تشريد 128 أسرة تتألف من حوالي 700 فرد نصفهم من الأطفال.

كما أصدر الاحتلال خلال العام 2017 أوامر بهدم 1,030 مبنى في الضفة الغربية والقدس، وأدى هدم المباني الى خسائر اقتصادية كبيرة حيث تبلغ قيمة المتر المربع حوالي 300 دولار أمريكي، أي أن خسائر الفلسطينيين في القدس بلغت حوالي 51 مليون دولار أمريكي خلال الأعوام 2000-2017

وأشارت إلى أنه في الوقت الذي يقوم به الاحتلال بهدم المنازل الفلسطينية ووضع العراقيل والمعوقات لإصدار تراخيص البناء للفلسطينيين، تقوم بالمصادقة على تراخيص بناء آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين.

وصادق الاحتلال على بناء حوالي 16,800 وحدة سكنية جديدة، حوالي ثلثها في مدينة القدس المحتلة، كما صادق في العام 2017 على إقامة 4 مستوطنات جديدة واحدة جنوبي نابلس، و3 في الأغوار في محاولة لمضاعفة عدد المستوطنين في الأغوار ثلاث مرات.

مصادرة الأراضي

وذكرت المعطيات أن الاحتلال يسيطر على أكثر من 85 في المائة من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27,000 كيلومتر مربع، بما فيها من موارد وما عليها من سكان، وما تبقى من هذه المساحة لا تخلو من فرض السيطرة والنفوذ من قبل الاحتلال عليها.

وصادق الاحتلال خلال العام 2017 على مصادرة نحو 2,100 دونم من أراضي الفلسطينيين، بالإضافة الى الاستيلاء على مئات الدونمات الخاصة بالفلسطينيين من خلال توسيع الحواجز الإسرائيلية وإقامة نقاط مراقبة عسكرية لحماية المستوطنين.

وتم تجديد أوامر بالاستيلاء على 852 دونم من أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، وتجريف واقتلاع حوالي 10 آلاف شجرة خلال العام 2017، وتم تحويل آلاف الدونمات للمستوطنين لزراعتها حيث بلغت المساحة المزروعة في المستوطنات الإسرائيلية أكثر من 70 ألف دونم في العام 2017 غالبيتها من الزراعات المروية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى