حل الكلمات المتقاطعة .. تسلية ذكية مارسها “العندليب” على فراش المرض

 

الكلمات المتقاطعة هي لغز يحتاج إلى الكثير من المهارة اللغوية لحلها. وهي تأتي في شكل مربع مقسم لمربعات صغيرة تنتشر فيها الحروف الرأسية والأفقية لتكوّن فيما بينها كلمات أو عبارات، ويكون مفتاح الحل في وصف هذه الكلمات خارج المربع. وتفصل بين الكلمات داخل مربع الكلمات المتقاطعة مربعات سوداء اللون.

مبتكرها في شكلها الحديث صحافي أميركي أصله إنجليزي من ليفربول اسمه آرثر وين، نشر أول ألغاز الكلمات المتقاطعة في صحيفة «نيويورك وورلد» في 21 كانون الأول عام 1913، لكنه كان أول من يعترف بأنه لم يخترع الكلمات المتقاطعة التي تعود جذورها إلى العصور القديمة.

وفي عشرينات القرن الماضي انتشرت الكلمات المتقاطعة في الكثير من الصحف والمجلات، كما انتقلت من الصحف الأميركية إلى صحف أوروبا. وفي بريطانيا وصلت الكلمات المتقاطعة إلى صحيفة «التلغراف» في عام 1925 ثم «التايمز» في عام 1930، وكانت أكثر تعقيداً من النسخ الأميركية. وظهر أول كتاب لها في منتصف العشرينات وطبعته مطبعة «سايمون آند شوستر» الأميركية.

خلال الحرب العالمية الثانية، وزّع الجيش الأميركي على ملايين الجنود الذين حاربوا في أوروبا كتيبات الكلمات المتقاطعة لحلها أثناء فترات الهدنة. وكان الاعتقاد السائد أنها ترفع من الروح المعنوية للجنود.

وشكت مكتبة نيويورك العامة من أن «الصرعة» الجديدة التي تسمى الكلمات المتقاطعة دفعت بالمئات إلى المكتبة من أجل الاستعانة بالقواميس والموسوعات لحل الغاز الكلمات؛ مما عرقل جهود طلاب العلم من الاستفادة من خدمات المكتبة.

تطورت الكلمات المتقاطعة بطرق مختلفة في أوروبا وخارجها ووضع لها البعض قوانين صارمة، أحد أمثلتها نشر في كتاب في عام 1966 اسمه «فن الكلمات المتقاطعة». وكان تحدي الكلمات المتقاطعة في بريطانيا هو في اكتشاف الكلمات من الشرح الغامض لها الذي يحمل أكثر من معنى، وقد يكون الكلمة نفسها، لكن بحروف مبعثرة.

ونشر المحرر المسؤول عن الكلمات المتقاطعة في صحيفة «الغارديان»، هيو ستيفنسون، ثلاث صفحات في الصحيفة حول أساليب شرح الكلمات المتقاطعة التي يستخدمها مؤلفو هذه الكلمات لمساعدة القراء على حل اللغز الذي تنشره الصحيفة يومياً.

وفي أميركا تعتبر الكلمات المتقاطعة في صحيفة «نيويورك تايمز» هي المقياس لمن يدعي الذكاء في هذا المجال، وتقدم الصحيفة كلماتها المتقاطعة يومياً في 15 حرفاً أفقياً ومثلها رأسياً، تزداد في نهاية الأسبوع إلى 25 حرفاً رأسياً ومثلها أفقياً. وتكون الكلمات المتقاطعة يوم الاثنين هي أسهل ما تقدمه الصحيفة، ثم تزداد صعوبة حل الكلمات مع تقدم أيام الأسبوع حتى يوم السبت التي يعد أصعب أيام الأسبوع. وفي العدد الأسبوعي للصحيفة يوم الأحد تكون صعوبة الكلمات المتقاطعة مماثلة لدرجة صعوبة كلمات يوم الخميس من كل أسبوع.

وفي عام 2007، قامت الصحيفة بتجربة فريدة، حيث طلبت من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون أن يقوم بإعداد الكلمات المتقاطعة ضمن عدد خاص في الصحيفة عن جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي يسمى «بيبي بومرز». وأقبل القراء على حل الكلمات المتقاطعة التي قدمها كلينتون سواء بشراء الصحيفة أو الإقبال على موقعها الإلكتروني. واعترف كلينتون بعد ذلك بأنه من هواة الكلمات المتقاطعة، وأنه كان يمارسها في البيت الأبيض أثناء فترة رئاسته.

من المشاهير الآخرين الذين أدمنوا على حل الكلمات المتقاطعة كل من هنري كيسنغر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق وتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق. كما كانت الممثلة الإيطالية صوفيا لورين تسعد بوجود اسمها ضمن ألغاز كلمات المسابقات في الصحف الإيطالية. وعربياً، كان المطرب الراحل عبد الحليم حافظ يداوم على حل الكلمات المتقاطعة، خصوصاً أثناء فترات مرضه. كما كان الفنان الراحل حسن فايق من عشاق حل الكلمات المتقاطعة.

والمعهود في الكلمات المتقاطعة الحديثة أن تأتي في شكل مربعات وتحتوي على فواصل من المربعات السوداء، لكنها ليست دوماً على هذا النموذج؛ فالكلمات المتقاطعة قد تأتي على شكل ماسٍ، وقد لا تحتوي على مربعات سوداء. كما أن الصحف والمجلات تشتري الكلمات المتقاطعة من متعاونين متفرغين لهذا النشاط، وتدفع الصحف الأميركية ما بين 50 و300 دولار لكل مسابقة مع حلولها للنشر الفوري. كما تمنح بعض المطبوعات مكافآت للقراء الذين يستطيعون حل الكلمات المتقاطعة وتقديم الحلول في يوم الصدور نفسه.

ويعود سر شهرة الكلمات المتقاطعة إلى أنها متاحة بكل لغات العالم، ولا يلزم لممارستها سوى قلم ونسخة اللعبة، حتى ولو كان تاريخ نشرها قديماً، كما يمكن ممارستها في أي مكان. وهي مسلية ومنشطة ذهنياً وتزيد من القدرة اللغوية لدى الأفراد.

مع زيادة الإقبال على المواقع الإلكترونية والاعتماد على التواصل الاجتماعي عبر الهواتف الجوالة الذكية هناك مخاوف من تراجع شعبية الكلمات المتقاطعة. ويقول الأستاذ الجامعي مايكل شارب، إن الكلمات المتقاطعة لن تموت في المستقبل، لكنه يتوقع أن تواجه الكلمات المتقاطعة المزيد من العقبات والموانع مع مرور الزمن. وهو يرى أن الكلمات المتقاطعة توجهت لأجيال تعودت على شراء الصحف اليومية وحل الكلمات المتقاطعة في أوقات فراغها، لكن الجيل الجديد لا يبدو أن لديه الشغف بالقراءة أو بالكلمات المتقاطعة.

وقد بدأت الكلمات المتقاطعة العربية أولاً في مجلات الأطفال مثل «السندباد» و«بلبل» و«كتكوت»، وكانت في شكل بسيط بكلمات سهلة تناسب الأطفال. والتقطت مجلة «الشبكة» اللبنانية الفكرة وطورتها للكبار. ولما كان توزيعها كبيراً خارج حدود لبنان، انتشرت أيضاً الكلمات المتقاطعة عربياً وزادت شهرتها.

وفي عام 1965 بدأت مجلة «الكواكب» المصرية في عرض مسابقات الكلمات المتقاطعة التي تلقتها من مصممها إبراهيم عطية. وفوجئت المطبوعة بحجم الإقبال على قراءتها، إلى درجة أن بعض القراء أرسلوا خطابات إلى المجلة بحلول الكلمات المتقاطعة. ولتشجيع القراء على المراسلة قدمت المجلة جوائز للفائزين في حل الكلمات المتقاطعة عبارة عن اشتراكات دورية فيها لمن يقدم الإجابات الصحيحة. ثم انضمت الصحف اليومية إلى نشاط نشر الكلمات المتقاطعة يومياً وتقديم جوائز للفائزين بحلها.

ويعتبر البعض أن الكلمات المتقاطعة تثري الذخيرة اللغوية لدى الأفراد وتنشط خلايا المخ، وكان البعض من الموظفين يبدأ يومه على المكتب بالقهوة والصحيفة لحل الكلمات المتقاطعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى