تفاصيل العلاقة الفاسدة بين القذافي وساركوزي .. من الارتزاق الى الاغتيال قبل افشاء السر طبقاً لما جرى مع سنمار

اعتبر سيف الاسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، أن توقيف الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، حول شبهات بتمويل ليبي لحملته الانتخابية في العام 2007 “جاء متأخرًا”.

ورحّب القذافي بخطوة اعتقال ساركوزي، واصفًا القضاء الفرنسي بالعادل، رغم قوله إنها خطوة متأخرة، متسائلًا: “بماذا سيفيد اعتقاله الليبيين بعد سبع سنوات من الحرب والدمار؟”.

وأكد، في رسالة لقناة ” أفريكا نيوز”، أنه سيقدم شهادته خلال محاكمة ساركوزي، لكونه كان على اطلاع بتسلّم ساركوزي أموالًا ليبية لتمويل حملته الانتخابية الخاصة بالرئاسة العام 2007.

وكشف سيف الإسلام عن “امتلاكه أدلة قاطعة لإدانة ساركوزي، وتسجيلات صوتية بحوزة مدير المخابرات السابق عبد الله السنوسي لأول اجتماع بين القذافي وساركوزي قبل حملته الانتخابية، وكذلك بشير صالح المدير العام لمؤسسة ليبيا للاستثمارات”.

ولفت إلى طرف آخر في القضية، وهو كلود غيان، الذي سبق وأن شغل منصب الأمين العام للرئاسة الفرنسية ووزير الداخلية في عهد ساركوزي، والذي تمّ إيقافه في إطار التحقيق في اتهامات بتمويل ليبي لحملة ساركوزي الانتخابية.

وشرح قائلاً: “إضافة إلى كلّ هذا فقد كنت شاهدًا على تسليم الدفعة الأولى من الأموال إلى كلود غيان في طرابلس والدفعة الثانية سلّمت إلى غيان من قبل بشير صالح في باريس”.

وقالت “يورو نيوز” إنه سبق أن أطلق القضاء الفرنسي تحقيقًا بعد اكتشاف تحويل مبلغ مالي بقيمة 500 ألف يورو في العام 2013 لحساب كلود غيان، الذي كان مقربًا من نيكولا ساركوزي، وقد برر الوزير السابق التحويل بأنه ثمن عملية بيع لمحام ماليزي للوحتين تعودان إلى القرن الثامن عشر، لكن الخبراء اعترضوا على قيمة اللوحتين.

ودعا سيف الإسلام القذافي في رسائله النصية إلى تنظيم انتخابات “حرة ونزيهة لإنقاذ ليبيا من خطر الفوضى التي تتربّص بها”، مشددًا على دعم مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهذا الصدد.

وختم بالقول: “أريد أن أدق ناقوس الخطر، إذا تأخرت الانتخابات لفترة أطول ستكون هناك حرب لا نهاية لها في ليبيا، ونحن نرى بالفعل علاماتها في الأفق”.

ويشار في هذا الصدد الى ان اتصالات جس نبض بين ممثلين لساركوزي الذي كان مرشحاً للرئاسة الفرنسية في انتخابات ٢٠٠٧ والزعيم الليبي معمر القذافي قد مهدت للقاء مباشر بين الرجلين المتشابهين.

وهكذا جرت صفقة سرية فى غرف مغلقة تعهد بمقتضاها «ساركوزى» دعم السياسة الليبية مقابل تمويل حملته الانتخابية بـ(٥٠) مليون يورو ــ حسب وثيقة موقعة من رئيس الاستخبارات الليبية على عهد «القذافي».

باعترافات أمام جهات التحقيق جرى نقل (٥) ملايين دولار من قيمة الصفقة في ثلاث حقائب من طرابلس إلى باريس.

بطبيعة هذه الصفقات السرية دخل على الخط وسطاء تحوطهم ظلال وشبهات، بعضهم اعترف بدوره في الصفقة وبعضهم الآخر اختفى في ظروف غامضة.

تكشفت القضية ــ للمرة الأولى ــ في الأيام الأخيرة لـ«القذافي» حين قاد ساركوزي عام (٢٠١١) من موقعه فى قصر الإليزيه العمليات العسكرية لحلف «الناتو».

قبل أربعة أيام ــ بالضبط ــ من العمليات العسكرية اعترف «القذافي» في تسجيل صوتي للقناة الفرنسية الثالثة بتمويل حملة ساركوزي.

انطوى ذلك الاعتراف ــ قرب النهايات ــ على تعمد فضح الرجل، الذي يطلب رأسه الآن.

فيما قال إن «صديقي العزيز ساركوزي مصاب بخلل عقلي».

كان ذلك تقديرا سياسيا خاطئا لطبيعة الصفقة وطبيعة الرجل دفع ثمنه حياته اغتيالا وتمثيلا بجثته.

هكذا ينتهي عادة هذا النوع من الصفقات بمآس سياسية وإنسانية.

إذا لم يكن هناك نظام يستمد قوته من شعبه فإن انكشافه أمام احتمالات السقوط مسألة وقت.

ما يحدث فى قصور الحكم، هنا وهناك بامتداد الخريطة العربية، من صفقات مماثلة ينذر بمآس مقاربة.

منذ عام (٢٠١٣) بدأت تحقيقات وتواترت شهادات وأدلة، بعضها موثقة، تثبت التهمة على الرئيس الأسبق.

كان دور الصحافة الفرنسية حاسما فى متابعة الملف وكشف خفاياه.

وكان التوقيف الاحترازي لـ«ساركوزي»، كأي متهم بفساد وغسيل أموال وتجاوزات مالية وضريبية ومخالفة قوانين الانتخابات، نقطة الذروة فى قصة قد تقضى المحاكم بإيداعه خلف قضبان السجون، كأول رئيس فرنسي يلقى هذا المصير.

ذلك السقوط يؤذن بإعادة فتح ملف الفساد المستشري في النخبة السياسة الفرنسية الحاكمة.

هناك قصص رويت عن فساد رؤساء سابقين، أموال دفعت ومجوهرات أهديت من دول إفريقية مقابل الصمت على تجاوزاتهم المريعة بحقوق مواطنيها.

وهناك وقائع نشرت عن سوء استخدام السلطة طالت رئيسين هما «فاليرى جيسكار ديستان» و«جاك شيراك».

في الانتخابات الأخيرة خسر المرشح الرئاسي الأوفر حظا «فرانسوا فيون» السباق إلى الإليزيه على خلفية اتهامه باختلاس أموال عامة والاحتيال بإسناد وظائف وهمية لزوجته وولديه.

كان الاتهام بتوقيته ورسالته داعيا إلى السقوط المتزامن للحزبين الكبيرين المهيمنين على الحياة السياسية الفرنسية ــ «الجمهوريون» و«الاشتراكي» ــ في الانتخابات الرئاسية والنيابية على التوالى وصعود ظاهرة «إيمانويل ماكرون» على نحو غير متوقع.

إذا ما فشل الرئيس الحالي «ماكرون» فى معركة نزاهة الحكم، أو نالته اتهامات من هذا النوع، فإن صعود اليمين المتطرف إلى السلطة مسألة شبه محتمة.

عندما يفقد الفرنسيون ثقتهم فى نخبتهم السياسية قد يضعها فى أقصى اليمين.

بقياس على أحوال نخب العالم العربى فقد توضع الثقة حيث التطرف الديني ــ وهذه كارثة تاريخية متكاملة الأركان.

لم يكن «ساركوزى» وحده فى التورط بفساد، لكنه الأشد اندفاعا بلا حياء فى طلب الأموال مقابل المواقف.

ولم يكن «ساركوزي» وحده فى غزو «الناتو» لليبيا باسم حماية أهلها قبل أن يوضع مصيرهم لصراع الميليشيات وجماعات العنف والإرهاب وتحت سيف التقسيم المحتمل.

كان معه ــ من أصدقاء «القذافي» القدامى ــ رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرليسكوني، الذي عاد مجددا بقوة للحياة السياسية بعد الانتخابات النيابية الأخيرة.

كلاهما عقد صفقات وادعى صداقات، لكنهما فى لحظة الحسم لم يتورعا عن تدمير ليبيا بلا رجفة عين.

إنها اللعبة الكبرى داخلة فيها مصالح عليا وترتيبات لموازين قوى فى جنوب البحر المتوسط.

وهذه مسألة تحالفات استراتيجية تتجاوز بما لا يقاس أي صفقات سرية أقرب إلى السرقات الشخصية، كالتى أوقف بسببها ساركوزي.

وفق أصول نفس اللعبة جرى تحطيم العراق عند احتلال عاصمته بغداد عام (٢٠٠٣) وتفكيك دولته وجره إلى صراعات مذهبية وعرقية مفتوحة، كما جرى السيناريو معدلا فى سوريا ودول عربية أخرى.

كان على الخط نفسه رئيس الوزراء البريطانى «تونى بلير» ووزيرة الخارجية الأمريكية «هيلارى كلينتون» وليبيون تصوروا أن الخلاص ممكن من بوابة تدخل «الناتو»، وهو رهان دمر ليبيا ووضعها على حافة الانتحار الداخلي.

الأهداف المقصودة تتجاوز سعى «ساركوزي» للتخلص من عبء الصفقة السرية على مستقبله السياسى بإنهاء نظام «القذافي» الطرف الآخر فيها إلى تفاهمات استراتيجية ذات طابع جماعى لها صلة بإعادة ترتيب المنطقة ورسم خرائطها من جديد ودمج إسرائيل فى تفاعلاتها لاعبا محوريا.

المثير فى قصة «ساركوزي» أن طموحه بلا سقف واندفاعاته بلا حد حتى أنه طلب الرئاسة مجددا فى انتخابات (٢٠١٧) رغم خسارته قبل خمس سنوات أمام «فرانسوا أولاند».

باليقين كان من أسبابه طلب الحصول على حصانة رئاسية تمنع ملاحقته جنائيا.

بمقاربة ما فهو الوجه الفرنسى لرئيس الوزراء الإيطالى الراحل «جوليو أندريوتى»، الذي تحطمت سمعته تماما بانكشاف علاقاته الوثيقة مع عصابات المافيا، لكنه استعار أساليبها دون ارتباطاتها.

وباليقين فإن خروجه من الحلبة السياسية داعٍ لارتياح واسع فى أوساط عديدة، بينهم الوسط الرئاسى الحالى، وداخل حزبه الذي أنهك بسبب تفشي الفساد في نخبته، كما في الصحافة التي قادت الحملة عليه.

هذه لحظة تصفية حساب مع إرثه، الذى ولد عداوات عميقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى