“داعش” تهاجم حماس جراء تقاربها الاخير مع الحكومة المصرية
على مدى عدة أشهر، تفرغ تنظيم داعش في كافة منافذه الإعلامية، لمهاجمة حماس بكل قوة، ويتهمها بمولاة الطغيان، والتعاون مع أعداءه في إشارة إلى النظام المصري، حتى نفذ تهديداته قبل أيام، وأظهر تسجيلا مرئيا بثه عبر حسابات تابعة له بعنوان “ملة إبراهيم”، وخلاله قتل بوحشية وتوتر واضح أحد أفراده، بزعم تعاونه مع «كتائب القسام».
في الإصدار الحديث، مارس ما يسمى بتنظيم ولاية سيناء، فرع داعش في مصر، الترهيب بكل صوره ضد حركة حماس وذراعها العسكري كتائب القسام، ودعى أنصاره في قطاع غزة إلى ضرب المقرات الأمنية والمحاكم التابعة للحكومة هناك، وفي نهاية الإصدار، ظهر عدد من المسلحين يجلس أمامهم شخص يرتدي ملابس الإعدام، قبل أن يفصح المتحدث في الإصدار عن هوية المحكوم عليه بالإعدام وهو “موسى أبو زماط”، القيادي السابق في التنظيم، والذي حكمت عليه المحكمة الشرعية الداعشية بالإعدام على خلفيه دعمه لكتائب القسام بالسلاح، واعتبرت ما فعله “دعماً للمرتدين الكفرة”.
عمل أبو زماط، ـــ بحسب رواية التنظيم ــ على توصيل السلاح إلى كتائب القسام، ولم يحدد أي سلاح ومن هي الجهة الراعية لذلك، ولم يتخل داعش عن عمليات الكيد التي تظهر في تصرفاته، وأعطى شارة القتل إلى أحد رجال حماس، الذين انضموا مؤخرا إلى داعش تنظيم الدولة واسماه “التائب” من القسام، ويدعى محمد الدجني؛ ونفذ الداعشي الجديد فتوى القيادي الثاني في صفوف ولاية سيناء “محمد الصعيدي”، والذي طالب بإعدام أبو زماط بسبب تهريبه سلاحاً وموادا إلى حماس في قطاع غزة من سيناء وبالعكس، وهي الفتوى التي اعتمدها قاضي التنظيم “كاظم الغزاوي” وأصدر بياناً لأعضاء “ولاية سيناء” بضرورة تنفيذ حكم إعدامه.
لماذا حماس الآن؟
منذ تحسين العلاقة مع الجانب المصري، وتفعيل الاتفاقات الأمنية، ومنع التهريب على الحدود، وسد الطرق على عناصر داعش، والمسالك التي كانوا يتبعونها للتسلل إلى سيناء والتنظيم يتهم حركة حماس، بموالاة الطواغيت، والانشغال بقطاع غزة، ونسيان باقي فلسطين، وكلما تم تطبيق اتفاقية التعاون الأمني بين السلطات المصرية «حماس»، كلما أثيرت حفيظة التنظيم، إلى أن وصل إلى أعلى شططه بوصف حماس بالمرتدة، وليست وحدها بل كل من يتعاون معها مرتد أيضا، ويجب تطبيق الحد عليه وهو ما حدث.
عملية الإعدام تركت أثرا وضجة كبيرة في غزة خصوصا أن المتحدث الذي ظهر في إصدار داعش، وكان يتولى تشخيص الوقائع وسردها، وأيضا الشخص الذي يحمل السلاح، ونفذ عملية الإعدام، معروفان في سيناء وغزة على حد سواء، كما ان شقيق المتحدث في الإصدار قتل في اشتباكات سابقة مع الجيش المصري.
عائلة محمد الدجني، من ناحيتها، تبرئت من ابنها، بعد ظهوره في مقطع فيديو، يقتل شابا بتهمة نقل السلاح لكتائب القسام، وقالت في بيان وزعته على وسائل الإعلام: «فوجئنا أمس بالحادث الأليم الذي قامت به فئة ضالة مما يسمى بتنظيم داعش «الدولة الإسلامية» بحق مجاهد من أبناء حركة حماس وجناحها العسكري كتائب القسام، ونعلن براءتنا من هذا الفعل المخالف لشرع الله وغيره من الأفعال التي تتنافى مع ديننا الحنيف وقيم شعبنا.
المثير أن الإصدار الدموي لداعش، لم يوصف ما يحدث في مصر، ووضع التنظيم في ظل تشديد الحصار عليه من مصر، وبعديدا عن حماس حشر التنظيم «إسرائيل»، في الأزمة حتى يتلاعب بمشاعر رجاله، خصوصا أن عملية قتل كهذه، ربما لن تجد تأييد من الجميع وقد تثير فتنة، ووجه تهديدات للكيان الصهيوني، واحتار أن يختم بها الإصدار.
ما قبل الإعدام.. كيف كانت العلاقة بين داعش وحماس؟
لم تشعر حماس يوما بالخوف من “داعش غزة”، تقديراتها كانت تشير إلى كيان يتشكل بخفى حنين، ولكنه لا يزال تحت السيطرة، فتحركات العناصر السلفية ــ التكفيرية، مرصوده، وكافة ما يمتلكونه من أسلحة ومعدات وأموال، تفاصيلها الدقيقة عند حماس، والأمن الداخلي لحكومة غزة السابقة.
لم تلجأ حماس للتصعيد مع داعش، حتى بالرغم من تنامي القلق عند بعض قيادتها، بسبب اتفاق المصالحة الذي أُبرم بين السلفيين والحركة، عقب مقتل القيادي السلفي يونس الحنر في خلال عملية دهم عام 2015، للحركة، وهو ما أثار غضب كبيرا تفهمته الحركة، وقللت من التعاطي الأمني مع مجريات الأحداث، وسمحت للمجموعات السلفية بنشاط محدود كان أحد معالمه تنظيم تظاهرة علنية رُفعت فيها أعلام داعش عقب إعادة صحيفة شارلي إيبدو نشر الرسوم المسيئة.
بدأت حماس تشعر بالازمة الكبرى، بعدما كشفت أجهزتها، في عملية خاطفة للقبض على أحد قيادات داعش، في مخيم النصيرات، أموال ضخمة، ووثائق تكشف تلقي السلفيين دعماً مالياً كبيراً خصصت أجزاء منه لشراء أسلحة فردية وصواريخ جراد، وأوراق أخرى تظهر بناء هيكل للتنظيم في غزة بشكل متسارع؛ وبدأت حماس تشدد قبضتها الأمنية من جديد، وألقت القبض على سلفي متشدد وهو «أبو المحتسب المقدسي» أحد أبرز قيادات التنظيم السلفي، والأمير العام لجماعة التوحيد والجهاد، والمتهم بالمسؤولية عن إطلاق الصواريخ على مستوطنات غلاف غزة، أثناء الهدنة التي توافقت عليها الفصائل قبل ثلاث سنوات.
وخلال التحقيق، تمكنت الأجهزة الأمنية من الوصول إلى الأسماء الحقيقية لمنتسبي التشكيل السري الذي كان يعمد في أوراقه إلى استخدام الألقاب دون الأسماء. منذ ذلك الوقت، لتعتقل حماس حوالى 380 سلفياً، مُنع عنهم الاتصال والزيارة، وأخضعتهم لمحاكمة عسكرية، ووجهت إليهم تهم مناهضة النظام وحيازة أسلحة غير مرخصة .
ورغم تشكيل حماس جهاز أمني عقب حرب 2014 بهدف حماية الهدنة وملاحقة مخترقيها، إلا أن عناصر داعش استطاعت المناورة وإطلاق صواريخ اتخذتها إسرائيل حجة لضرب المقاومة، ويستغل عناصر التنظيم من عملهم في بعض الفصائل، امتيازات سهولة التحرك والعبور من الحواجز الأمنية، وخصوصا حركة الجهاد الإسلامي.
عناصر التنظيم المتظرف، أنشأت مئات الحسابات بأسماء مستعارة على مواقع التواصل، إضافة إلى تفعيل موقع إلكتروني حمل اسم «ابن تيمية للإعلام»، ويتولى نشر أخبار المعتقلين لدى حماس، وخصوصا «طامح الغزاوي»، هو اسم مستعار لناشط سلفي مشهور، كان مكلفا بنشر معلومات أمنية، واعترف أخيراً بفعالية الحملة الحمساوية ضدهم، وقال في منشور له، إن حماس زجت بمعظم سلفيي معسكر الشاطئ داخل أقبية التحقيق والتعذيب دفاعاً عن الرافضة واستجابة لنداءات تنظيمات الضرار.
كيف ردت حماس على هجوم داعش؟
في أخر زيارة للوفد الأمني الحمساوي للقاهرة أعطي ترحيبا شدديا بقائمة المطالب المصرية، وأعد ملفاً خاصاً بكل الأسماء الواردة في القائمة لتوضيح الصورة لأجهزة الأمن المصرية، وأقر خطة تأمين الحدود المشتركة بل تعزيزها، للتضييق بشدة على «ولاية سيناء» وخصوصا في عمليات التسرب إلى الأنفاق الباقية ما بين رفح المصرية والفلسطينية، وتجاهل وقتها ثرثرة التنظيم ولم يعطه بالا .
انتفاخ داعش على المواقع، والتهديدات المتتالية لم ترد عليها حماس بشكل رسمي، كما أنها حتى الآن لم ترد على عملية إعدام أبو زملوط لم يظهر رد واضح من حماس حتى الآن، على عملية إعدام «أبو زماوط»، ولكن الدكتور محمود الزهار، القيادي البارز في الحركة، كان أطلق تهديدات عدة، ضد تنظيم الدولة، بسبب تهديدات للقطاع، وأكد أن التنظيم ينفذ حملات تشنها أطراف دولية وعربية ضد حماس، معترفا في الوقت نفسه شيء أن حماس تعامل مع القضية أمنياً، كلما وقعت مخالفات أمنية، موضحا أن أعضاء التنظيم يعاملون حسب القانون، ورغم ذلك من يريد أن يناقشهم فكرياً ناقشوه وتعاملوا معه بجدية.
اللافت أن اتهامات الزهار للتنظيم، لم تخرج عن السياقات المعتادة للدول التي يرتكب بها التنظيم جرائم كبرى، وخصوصا مصر، التي توترت علاقاتها مع حماس في وقت سابق بسبب عناصر داعش، وأكد الزهار أن تهديدات داعش ليست إلا انعكاسا لسياق الحملات التي يشنها المعارضون لحماس على غزة، وتلقى دعما من دول عربية و« إسرائيل »، وحتى من بعض التنظيمات الفلسطينية الصغيرة الكبيرة، ولفت إلى أنهم يعتمدون على مصداقيتهم، رافضا اعتبار انتشار الفكر المتشدد في غزة تقصير دعوي وأمني، وأكد أنه انعكاس لهامش الحرية الكبير الذي وفرته حماس في غزة، وخصوصاً في موضوع مقاومة الاحتلال والسماح للجميع برفع السلاح ضد الاحتلال، وقلل من ظاهرة تنظيم الدولة وقتها، وقال أنهم مجموعة صغيرة محصورة في مجموعة يتقلبون ويتنقلون بين الفصائل، ويتم التعامل معهم وفق الأصول القانونية أمنياً حال ارتكاب مخالفات، بجانب مناقشتهم فكرياً .
صدام داعش بحماس يأخذ في التصاعد بشكل غير مسبوق، من ناحية تؤكد الأحداث وعد الحركة لمصر والمجتمع الدولي بتتبع عناصر التطرف داخل سيناء وخارجها، ولكنها تضع حماس ربما لأول مرة في اختبار حقيقي مع سرطان يزحف إليها من الداخل، كما أصاب البلدان المجاورة، هل سينجح في إلهاءها عن إسرائيل وقضيتها الأساسية في ظل ظروف بالغة التعقيد؟ الأيام القادمة ستجيب عن ذلك!