صمد الرئيس الاسد بشجاعة فائقة وخسئ تحالف المراهنين على اسقاطه

في عين العاصفة، وفي قلب المؤامرة، وعلى امتداد اربع سنوات عجاف، صمد الرئيس العنيد والصنديد الدكتور بشار الاسد.. بل لعله علّم الصمود كيف يصمد، والهم الصبر كيف يصبر، وارشد الثبات كيف يثبت، ودرّب البسالة على فن الاستبسال، وبرهن للبشرية كافة ان المرء يمكن ان يتذوق حلاوة الاستشهاد وهو لا يزال على قيد الحياة.

على امتداد اربع سنوات عاتيات، صمد الرئيس الاسد وسقط الذين تسابقوا لاسقاطه، وانهزم الذين تجمعوا لهزيمته، وغاب الذين استماتوا لتغييبه، وخاب فأل الذين راهنوا على رحيله، وسلم بالامر الواقع ورفع الرايات البيضاء كل الذين وضعوا البيض في سلة ”المعارضة” المارقة والمرتزقة والمجللة بالعار والشنار.

صمد الاسد وترك للواهمين والمخدوعين والمتآمرين والمؤلفة قلوبهم ان ينكصوا على اعقابهم، ويثوبوا الى رشدهم، ويستديروا حول انفسهم مئة وثمانين درجة، ويسكبوا الماء البارد على رؤوسهم الحامية، ويعلنوا انه جزء من الحل، فيما هم يعرفون في قرارة انفسهم انه كل الحل وسيد الموقف وصاحب القول الفصل.

صمد الاسد وخرج من عنق الزجاجة، لان الجيش السوري قوي وعقائدي، ولان قطاعاً عريضاً من الشعب التف حوله  ودعم قيادته، فلم يعد باراك اوباما يؤكد ان ايام الرئيس السوري باتت معدودة، لان هذا الاوباما يدرك جيدا انه سيغادر البيت الابيض، فيما سيظل الرئيس الاسد  رابضاً على سفوح قاسيون، حسب ما تشير كل الوقائع على الارض.

ففي موقف درامي لافت، أقر وزير الخارجية الأميركي جون كيري بأنه سيكون على الولايات المتحدة أن تتفاوض مع الرئيس الأسد لإنهاء الحرب في سوريا التي تدخل عامها الخامس.

وقال كيري خلال مقابلة أجرتها معه أمس الاول قناة “سي بي أس” الإخبارية : “حسناً، علينا أن نتفاوض في النهاية, لقد كنا دائماً مستعدين للتفاوض في إطار مؤتمر جنيف 1″، مضيفا “أن واشنطن تعمل بكل قوة من أجل إحياء الجهود للتوصل إلى حل سياسي لإنهاء الحرب”.

واعتبر وزير الخارجية الأميركي رداً على سؤال حول استعداد بلاده للتفاوض مع الرئيس السوري أن “الأسد لم يكن يريد التفاوض”، مضيفاً أنه “إذا كان الرئيس السوري مستعداً للدخول في مفاوضات جدية حول تنفيذ مخرجات جنيف 1، فان ما نضغط من أجله هو أن نحثه على أن يفعل ذلك”.

وأشار كيري، في المقابلة التي أجريت معه خلال تواجده في منطقة شرم الشيخ المصرية، أن الحرب السورية “هي واحدة من أسوأ المآسي التي يشهدها أي احد منا على وجه الأرض”، مشدداً على أنه بالرغم من التحدي الذي يواجهه “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش”، فإن واشنطن “لا تزال تركز على إنهاء الحرب الأهلية السورية”.

ومن جانبهنعى روبرت فورد السفير الأميركي السابق في دمشق  الاستراتيجية الأميركية تجاه سوريا، وقال: أن ”الولايات المتحدة تخسر الحرب هناك”، قبل ان يدعوها الى ”مراجعة استراتيجيتها” الحالية ووضع أسس جديدة عسكرية ودبلوماسية وسياسية.

كما دعا فورد في مقال نشرته مجلة ”فورين بوليسي”، للتوصل الى اتفاق سياسي وطني في سورية بدل الدعوة الى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.

ورغم تشاؤمه من نجاح مشروع الرئيس الامريكي باراك أوباما الجديد في خلق قوة معتدلة جديدة وتدريبها لمواجهة ”داعش”، فقد وضع فورد شروطاً لتكون هذه المعارضة فاعلة، من أبرزها: أن تتوقف ”المعارضة المسلحة” عن ارتكاب الجرائم بحق المجموعات المدنية الداعمة لنظام الأسد، وأن تقطع كل علاقاتها بجبهة ”النصرة”، وأن تعلن قيادتها أنها مستعدة للتفاوض مع قوات الجيش العربي السوري لوضع ترتيبات أمنية محلية لحماية كلّ السوريين، وأن تدخل في مفاوضات من أجل التوصل الى اتفاق سياسي لوقف النزاع من دون المطالبة برحيل الأسد كشرط مسبق.

وفي سياق هذه المتغيرات الامريكية، أعلن جون برينان، مدير مركز الاستخبارات الأمريكية ”سي آي إية”، يوم الجمعة الماضي أن الولايات المتحدة وروسيا لا تريدان انهيار الحكومة ومؤسسات الدولة في سورية.

وقال برينان في كلمة ألقاها أمام المجلس بشؤون العلاقات الدولية في نيويورك، إن واشنطن لا ترغب في سيطرة الإرهابيين على دمشق.

وفي ما يبدو أنها ”استراتيجية جديدة” لائتلاف قوى المعارضة السورية، وافق رئيسه د.خالد خوجة، لدى زيارته باريس مؤخراً، ”على عدم ربط بدء التفاوض مع النظام السوري برحيل الرئيس بشار الأسد”.. في حين قال  بسام الملك، عضو هذا الائتلاف في تصريحات لوكالة الأناضول، امس الاول ان المؤتمر الثاني للمعارضة السورية التي تستضيفه القاهرة الشهر المقبل سوف يبحث مسألة بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم لمدة عامين، على أن تتم الدعوة بعد هذين العامين إلى انتخابات رئاسية مبكرة.

ومن جانبه أشار عاموس هرئيل، معلق الشؤون العسكرية في صحيفة ”هآرتس”،  الى أن اسرائيل تتخوف حالياً من تجدد المعارك في جنوبي سوريا، ونجاح الجيش السوري وحلفائه في استعادة السيطرة الكاملة على المنطقة الحدودية الجنوبية، وقال ان احتمال سقوط نظام الرئيس السوري بشار الاسد، قد بات أمراً من الماضي ولم يعد ممكناً، الا في حالة واحدة فقط، هي ”اغتيال الاسد”، بل إن ”تغيير النظام ورئيسه لم يعد أولوية أو حاجة ملحة لدى الغرب، بعد أن اكتشف الجميع أن أعداءه ليسوا أقل وحشية منه، بل إنهم يتباهون بوحشيتهم وهمجيتهم”.

واوضح هرئيل ان هذه الحقيقة تحتم على تل أبيب أن توازن بين أفعالها وتطلعاتها، و”قد يكون استمرار القتال في سوريا، كما يحدث في الاشهر الاخيرة، هو أهون الشرور بالنسبة إليها وسط مجموعة من الخيارات الصعبة”.

وجاء في تقرير بثته وكالة رويترز امس الاول من بيروت أن فرص نجاة الرئيس الأسد من الأزمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها قبل أربع سنوات، فقد تلاشت الأيام التي كان ظهوره الاعلامي خلالها يعد حدثاً إخبارياً نارياً، حيث توجد يوميا الان اخبار عن لقاءاته. ومن ضمن الوفود التي زارته مؤخرا أربعة نواب فرنسيين خالفوا سياسة حكومتهم.

ومما لا شك فيه أن الحرب أضعفته لكنه لا يزال أقوى من المجموعات التي تقاتل من أجل الاطاحة به. ولا تزال هناك دول قوية ترغب برحيله لكنهم لم يظهروا العزيمة التي يظهرها حلفاؤه الذين يستمرون بالوقوف إلى جانبه.

ومع حلول الذكرى السنوية الرابعة للازمة – تقول رويترز – فان دعوات خصومه الغربيين التي كانت تنادي برحيله باتت قليلة، وبدلا من ذلك تحول إنتباههم إلى محاربة تنظيم ”داعش” الذي يُعتبر عدوا مشتركا.

وفي حين أن الولايات المتحدة واعداءها العرب يقصفون المسلحين المتشددين في الشمال والشرق، فقد شن الاسد وحلفاؤه هجوما كبيرا في منطقة أكثر أهمية لهم وهي منطقة الحدود الجنوبية بالقرب من إسرائيل والاردن.

في الوقت نفسه خاض الاسد بثقة عالية حملة من نوع آخر حيث أجرى خمس مقابلات منذ شهر كانون الاول،  ثلاث منها مع وسائل إعلامية تابعة للدول الغربية الأكثر معارضة لحكمه وهي فرنسا وبريطانيا وامريكا.

اما وكالة الصحافة الفرنسية فقد قالت في تقرير لها بثته من بيروت ايضاً:  يبقى الرئيس السوري بشار الاسد على مشارف العام الخامس من الحرب لاعباً اساسياً، على الرغم من مقاطعة الدول الغربية والعربية له بعد رهانها على رحيله السريع وسقوط نظامه.

وقد أدى تنامي نفوذ تنظيم داعش الى تغيير الاولويات على المستوى الدولي. وبات خصوم الاسد الذين اشترطوا رحيله من دون تأخير، قلة اليوم، وقد يكون تحول الى محاور حتمي للمجتمع الدولي. وتجلى ذلك في زيارات واتصالات تقوم بها وفود اجنبية الى دمشق منذ فترة.

ويقول مدير المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن فولكر بيرتس ”تحسنت مكانة الاسد على المستوى الدولي بعدما تخلت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وآخرون عن المطالبة برحيله المباشر”.

ويوضح فولكر مؤلف كتاب ”سوريا بلا بشار” ان ”مواقف صادرة في الولايات المتحدة أو في عواصم اوروبية تؤشر الى قبول بالامر الواقع، بطريقة مباشرة او غير مباشرة، لناحية بقاء الاسد في الرئاسة والبحث في الوقت ذاته عن ائتلاف وحدة وطنية يجمع الاسد والمعارضة المناوئة للارهابيين”.

ويقول دبلوماسي أوروبي يتردد غالبا على دمشق ”تعتقد بلدان اوروبية كثيرة، باستثناء فرنسا وبريطانيا والدنمارك، ان تبني مطلب رحيل الاسد لم يعد ممكنا بعد مرور اربعة اعوام ومن بين هذه الدول التي ترغب بموقف اوروبي اكثر ليونة السويد والنمسا واسبانيا وتشيكيا ورومانيا وبولونيا، حيث ترى هذه الدول ان معاداة الاسد لم تؤت ثمارها.

وفي حين تبقى روسيا وايران، حليفتا الاسد الاكثر وفاء، ثابتتين في دعمهما المادي والعسكري والسياسي، تتخبط المعارضة السورية في انقساماتها وتعدد ولاءاتها وتجاذبات الدول الاقليمية، لا سيما السعودية وقطر وتركيا، داخلها. يضاف الى ذلك عدم وجود دعم عسكري ثابت لها انتظرته طويلا من الغرب.

وفي هذا الاطار- تقول الوكالة الفرنسية – يمكن ادراج اعلان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، على لسان رئيسه اخيرا ان رحيل الاسد ليس شرطا مسبقا لبدء التفاوض مع ممثلين عنه في شان تسوية.

وختمت وكالة الصحافة الفرنسية تقريرها بالقول : لا شك ان تصريحات الموفد الدولي الى دمشق ستافان دي ميستورا الذي قال في 13 شباط الماضي ان الاسد يشكل ”جزءا من الحل في سوريا”، قد اثارت ارتياحاً واسعاً في اوساط النظام السوري ومؤيديه، لانها تشكل اعترافاً من المجتمع الدولي بالحقائق الموجودة على ارض الواقع.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى