مطلوب اجراءات استباقية للحفاظ على الامن الغذائي

خلال مشاركته في اجتماع لجنة الصحة النيابية الاسبوع الماضي بحضور العديد من المسؤولين والنقابيين المعنيين وممثلين عن القطاع التجاري والصناعي، اكد وزير الصحة د. علي حياصات بأنه لن يسمح بالمس بغذاء المواطن، مؤكدا ان التعديلات على قانون الرقابة على الغذاء والدواء لسنة 2014 ستضع حدا لكل من يمس هذا الغذاء .
من جهتهم طالب عدد من النقباء وممثلون عن غرف الصناعة والتجارة اللجنة النيابية بمراعاة العقوبات الواردة في القانون اثناء بحث التعديلات ودعوا لتوحيد المرجعيات التي تراقب الغذاء لأن تعددها يشتت الجهود في الرقابة ، وشددوا على ضرورة صقل مهارات مراقبي الغذاء ليتمكنوا من القيام بواجبهم على اكمل وجه .
وكان مدير عام المؤسسة العامة للغذاء والدواء هايل عبيدات قد اكد في لقاء سابق جمعه مع رئيس وأعضاء لجنة الصحة النيابية أواخر الشهر الماضي، انه يؤيد تغليظ العقوبات في القانون المعدل لقانون الرقابة على الغذاء، من اجل صون غذاء المواطن من ممارسات ضعاف النفوس، لافتاَ الى ان تغليظ العقوبة لا يعني الافتراء على المؤسسات الغذائية.
تأكيد وتأييد هايل عبيدات على تغليظ العقوبات، اثنى عليه أعضاء لجنة الصحة النيابية، بينما اعتبر رئيسهم النائب رائد حجازين ان غذاء المواطن خط احمر لا يجوز المساس به، في حين اكد زملاؤه في اللجنة على ضرورة ردع جميع من يتلاعبون بغذاء المواطن.
هايل عبيدات، ومن موقع العارف والمطلع، لفت الى وجود لوبيات تعمل من اجل حماية من يعملون في قطاع الغذاء بطريقة مخالفة للقانون والتعليمات، مشيراً في الوقت ذاته الى وجود الكثير من المؤسسات والتجار المخلصين لوطنهم وللمواطنين من خلال تقديم الغذاء الصحي والسليم لهم.
وفي وقت سابق من ذات الشهر اطلق رئيس جمعية حماية المستهلك د.محمد عبيدات تصريحات صحفية انتقد فيها ما اسماه نظام الفزعات الذي تقوم به مؤسسة الغذاء والدواء، وطالب بتنظيم حملة رقابة منظمة ومبرمجة للتأكد من سلامة الغذاء الذي يقدم لكل من هم على الارض الاردنية، بعيداً عن اسلوب الفزعات بين الحين والآخر، الذي بات لا يجدي نفعاً، داعياً الى ضرورة وضع خطة وطنية مبرمجة وشاملة لفحص ورقابة الغذاء بالتنسيق مع جمعية حماية المستهلك التي تمتلك باعاً طويلاً من الخبرة في ملف الغذاء والدواء.
كما اشاد رئيس جمعية حماية المستهلك د.عبيدات بالمؤتمر الصحفي المتلفز الذي عقده وزير الصحة اللبناني وائل ابو فاعور، والذي اعلن فيه عن وجود كم كبير من المخالفات الصحية والغذائية التي ترتكبها مزارع ومطاعم ومصانع غذائية هناك، وتساءل عبيدات: متى سنصل الى المرحلة التي تطلب فيها المطاعم والفنادق والجهات ذات العلاقة المباشرة بالغذاء زيارتها للتأكد من منتجاتها؟ مؤكداَ انه لا فائدة من الكلام الاستعراضي في مجالات الصحة والزراعة، الذي بات هدراً للوقت واضاعة للموضوعات لصالح البعض، والتركيز على قضايا غير ذات اولوية، مشدداُ على ضرورة ايجاد مرجعية حكومية للمستهلك، أسوة بمرجعيات التجار والصناع والزراع، وان غياب هذه المرجعية سيبقي التغول على حقوق المستهلكين سيد الموقف.
وائل ابو فاعور، وزير الصحة اللبناني في حملته على الفساد الغذائي التي ترتب عليها انعقاد العديد من المؤتمرات الصحفية، كشف للبنانيين ”بلاوي زرقا” عن غذائهم الملوث بالمياه العادمة، والذي ترتع فيه الميكروبات والجراثيم، وحدد بالاسم والعنوان كل المتورطين بتسميم ابناء بلده، بل وفضح التضامن المافيوي في مؤسسات الدولة، الذي كان يدير ظهره لكل الصيحات التي يطلقها اصحاب الضمائر الذين أرادوا انقاذ الناس من انفاق نقودهم على اطعمة واشربة تقودهم الى التهلكة.
ومع كل التقدير لجرأة ”ابو فاعور” الاّ اننا في الاردن، تلقينا قبل عقدين من الزمن تحذيراً مماثلاً، وربما أكثر خطورة، حين اعلن وزير الصحة الاسبق الدكتور عبد الرحيم ملحس يرحمه الله على رؤوس الاشهاد ان الاردنيين يأكلون زبالة العالم، عندها ثار عش الدبابير وباشر اللدغ والطنين، وتحركت اللوبيات والمافيات التي استفزتها تصريحات الوزير، وبادرته بمواجهة شرسة لا هوادة فيها ربما تكون قد كلفته منصبه، في حين ظل الحال لاحقاً على ما هو عليه.
فملحس يرحمه الله دخل مع حيتان الغذاء والدواء في حرب طاحنة انتقلت الى صفحات الصحف ووسائل الاعلام، ومع ذلك لم يهادن، بل اتخذ العديد من القرارات الوزارية التي تمنع اؤلئك الحيتان من استيراد اي دواء او غذاء فاسدين، منسجماً بجرأة مع صيحته المشهورة حين قال : ”غذاؤنا ودواؤنا فاسدين، ويريدون اطعامنا زبالة العالم”.
هذا الموقف المسؤول والجريء جرّ على الرجل حرباً ضروساً وصلت حدّ مهاجمته تحت قبة البرلمان من نواب طالبوه بالاعتذار، وقادوا ضده حملة عنيفة ادت الى اقالته من الوزارة ولو صورة استقالة، بحيث انتصر الحيتان على الوطنيين الانقياء.
باستذكار اقالة/استقالة الوزير ملحس، قفز الى الذهن سؤال طرحه الصحفيون على الوزير اللبناني الشاب وائل ابو فاعور حول مدى شعوره بالأمان بعدما نبش عش الدبابير، فقال بلا تردد: ”حزبي يحميني، فأنا قدت هذه الحملة وقمت بها بموجب تعليمات حزبية”، وبعد ذلك بيومين او ثلاثة ظهر رئيس حزبه ”وليد جنبلاط” على شاشة التلفاز، وقال انه يفتخر بما قام به ابن الحزب ابو فاعور، ويشدّ على يديه.
ولعل ما يخجلني ان اقارن او اطابق بين مظلة حماية اخونا اللبناني في دولة كل حزب فيها يشكل دولة، وبين ما لاقاه ملحس، ومن ثم الوريكات، وكلاهما طبيب يشار اليه بالبنان.
بالامس القريب سبقنا في الاردن ابو فاعور ايضاً، حين اتخذ الدكتور عبداللطيف وريكات وزير الصحة القادم من الخدمات الطبية في المؤسسة العسكرية قراراً حاسماً بتفعيل الرقابة على الغذاء والدواء وامّن الغطاء الكامل لعمل المؤسسة المعنية بالموضوع، ومن ثم وقف موقفاً حازماً من شحنة قمح غير صالحة للاستهلاك البشري كانت في طريقها عبر ميناء العقبة الى بطون الاردنيين، وبدلاً من ان نشكره على صلابته واريحيته، طار الرجل مع اول تعديل وزاري، في حين ما يزال المتلاعبون بغذائنا يبرطعون، ويكرعون كؤوسهم على وقع انين المسمومين الممغوصين، والمتوجعين الذين امرضتهم الاغذية الملوثة والفاسدة، والّا كيف نفسر عشرات حالات التسمم في المدارس وغيرها، ووصول بعض الاصابات حد الوفاة، دون ان نجد من يقول ”يا مايلة اتعدّلي”، باستثناء حملات تفتيشية تشنها الجهات المنوط بها التفتيش هنا وهناك، رغم ما يحيط بمفتشيها وبمسؤوليهم من مخاطر وتهديدات تطلقها والغيلان التي تتكالب على مراكمة الارصدة والارباح حتى ولو كانت عن طريق القرش الحرام.
المراقبون الذين استذكروا بالخير الطبيبين الطيبيين ملحس ووريكات استوقفهم كم التصريحات التي تتحدث عن اكتشاف ومصادرة واتلاف اطنان من الطعام والغذاء الفاسد وتساءلوا – طالما ان الحال كذلك خ عن حجم كميات الاطعمة التي دخلت بيوت وبطون كل المقيمين على ارض الوطن، دونما وازع من ضمير او رادع ترتعد له الفرائض، ذلك ان هكذا اغش هو بمثابة شروع في القتل، لا تكفي فيه مصادرة المادة الملوثة/ المغشوشة، والحكم على الفاعل بالسجن ثلاث سنوات وتغريمه ثلاثة الاف دينار في اقصى الاحوال، وفق الفقرة ” أ ” من المادة ” 22 ” من قانون الرقابة على الغذاء المعدل لسنة 2003.
ان الابشع من الغش والتدليس والتزوير والتمرير هو استغلال فقر الناس بضخ السلع والمعلبات ونحوها من المواد التي شارفت على الانتهاء – ان لم تكن قد انتهت فعلاً وجرى التلاعب بتاريخها مرة تلو اخرى – الى الاسواق الشعبية والارصفة لبيعها باسعار رخيصة، او ضمن عروض خاصة في بعض المولات تجذب المستهلك الضعيف القدرة الشرائية، فيجد فيها ما يقدمه لاسرته وهو يجهد نفسه للحفاظ على ما وجهه امامهم، وتكون الطامة الكبرى بأنه حمل الى منزله نفايات ودفع ثمنها طائعاً مختاراً، وهو هنا فوق فقره يكون قد ابتاع ما يقتله، او يؤذي صحته في اضعف الاحوال.
المراقبون يقولون ان الذي يتابع مستويات ومسميات الامراض بين ظهرانينا يعرف ان هناك مشكلة كبرى يتسبب بها الطعام الفاسد، او المتدني المعايير الذي يتم استيراده وطرحه في الاسواق، وهو في الاغلب عبارة عن سلع ممنوع دخولها لبلاد اخرى، لأنها رسبت في الفحص المخبري وفقاً لمعايير مشددة، مطالبين بضرورة اعادة النظر بمعايير الاستيراد ايضاً، خصوصاً فيما يخص المواد الحافظة.
ويقول المراقبون ايضا انهم فهموا من تحذير هايل عبيدات من وجود لوبيات تؤمن الحماية للتجار و المستوردين، ان هناك متنفذين متورطين في الملعوب، وبالتالي فإن الحكومة عبر هؤلاء، سواء أكانوا على رأس عملهم او غادروه بالتقاعد او خلافه متورطة في حماية تجار الموت، وبالتالي لا سبيل امامها الا تغليظ العقوبات والتوسع في توصيفها لتقترب من حدود الشروع في القتل، مع استمرار وتكثيف حملات التفتيش، وايضا مغادرة حكاية الخوف من التشهير، وفزاعة نشر الغسيل كي لا يضر بالسياحة والاقتصاد، فحرصنا على نظافة ومأمونية ما يدخل افواه الناس هو خير دعاية تروّج للسياحة وتستقطب الزوار، اذ لا بد من تعديل القانون بصورة تفضح الجناة والمتورطين شأن ما فعل الاخوة في لبنان الذين قالوا ما قالوه تحت مظلة القانون وحمايته، مع الاخذ بعين الاعتبار اهمية تأمين الحماية لجميع العاملين في الدائرة المعنية بمحاربة هذا الفساد القاتل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى