عذابات غزة تمحق بايدن.. وهذه خارطة طريق ترامب في التسلط على الضعفاء، والتفاهم مع الأقوياء
بقلم: فهــد الريمــــاوي
وما مِن يدٍ إِلا يدُ اللهِ فوقها ولا ظالمٍ إلا سيُبلى بأظلمِ
أبو الطيب المتنبي
بين علامتي تعجب واستفهام، يندرج فوز دونالد ترامب الساحق، والمحمول على اكبر المفاجآت، في الانتخابات الرئاسية الأميركية على منافسته المسكينة كمالا هاريس، التي دفعت فواتير الانحياز المطلق الذي اقترفه رئيسها الظالم الآثم بايدن لحساب الوحشية الصهيونية في غزة والضفة ولبنان، بادعاء انه مسيحي صهيوني العقيدة، ولكنه في الحقيقة والواقع مجرد خادم ذليل في بلاط الصهيونية، ومطيّة طيّعة لليهودية العالمية، وتابع خانع يتلقى أوامره من مجرم الحرب نتنياهو، الذي اذله غير مرة على مرأى ومسمع من العالم كله.
كل استطلاعات الرأي كانت تشير، قبل يوم الاقتراع، الى تقارب الأصوات الانتخابية، وتباعد الفروقات بين ترامب وهاريس.. بل لعل بعض التوقعات كانت تميل لاحتمال فوزها عليه ولو بأغلبية ضئيلة، خصوصاً بعد تفوقها الملحوظ عليه في المناظرة التلفزيونية حيث حشرته في الزاوية الحرجة، بعدما كان قد حقق فوزاً كاسحاً على البليد بايدن في مناظرتهما التي قصمت ظهره، وأرغمته على مغادرة السباق الانتخابي مذموماً مدحوراً وغير مأسوف عليه.
الكثير من المحللين والخبراء والمراقبين عزوا أسباب هذا الانهزام الانتخابي الذي مُني به بايدن والحزينة هاريس الى أسباب متعلقة بالتضخم والمشكلات الاقتصادية، وقضية الهجرة غير الشرعية، والتخوف من استمرار سياسات بايدن الحربجية، وتردده وتأخره في اعتزال السباق الانتخابي.. غير انني شخصياً أعتقد أن هناك أسباباً أخرى غير منظورة وليست مادية تقف خلف فضيحة السقوط المدوي للحزب الديمقراطي، الذي لن يستعيد وزنه وعافيته وشعبيته في وقت قريب، بعدما أخرجه الخرف بايدن عن طبيعته شبه اليسارية والتقدمية، وأبعده عن جماهيره المعتادة من الملونين والوافدين وأبناء الطبقة الوسطى، وألقى به في وحول اليمين الفاشي والعنصرية البيضاء والصهيونية المتوحشة.
من أعالي الايمان بعدالة السماء، ومن فوق سقوف المعارف العلمية والعقلية السائدة، يحق لنا الاعتقاد ان للمقادير الغيبية دورها في هزيمة الظالم بايدن بيدِ مَن هو أظلم منه وأشد نكيراً، كما يحق لنا التيقن والتأكد ان لمظالم غزة وعذاباتها قدرة ربانية في الانتقام من هذا المجرم، الذي تتعلق برقبته أرواح عشرات آلاف الشهداء المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين.. ذلك لانه خان عهد الله الرحمن الرحيم، ثم طغى واستكبر وتنكر لضمير الإنسانية، وأصمّ أذنيه عن تأوهات الجوعى والجرحى والمشردين من الأطفال والنساء، واستعاد بذلك تاريخ الهمجية الأمريكية التي شيّدت بنيانها بجماجم الهنود الحمر.
ستظل اللعنة السماوية تطارد الولايات المتحدة الأمريكية.. هذه القارة الفاجرة التي عثر عليها كولومبس صدفة وهو يبحث عن مكان آخر، فأخرجها – وليته لم يفعل – من المبني للمجهول الى الواقع الماثل للمعلوم، وفتح أبوابها وطرائقها لكل بغاة أوروبا وعتاة الجنس الأبيض، حيث جنى بذلك على أهلها الوادعين البسطاء، الذين تعرّضوا لأفحش عملية “حصاد بشري” في التاريخ راح ضحيتها عشرات الملايين من هؤلاء السكان الأصليين، الذين كانوا من أوائل المقتولين بظلم الرجل الأبيض “الواسب”، الذي ما زال يعيث في الأرض فساداً وخراباً حتى يومنا هذا.. فليس في تاريخ هذه الدولة الامبريالية المطبوع بالدم على صفحات الظلم وقفة عدل، او صيحة حق، او نأمة رحمة، او ذرة احترام لبشرية البشر وكراماتهم وحرياتهم.
وعليه،، ها قد انطوت صفحة بايدن القذرة، وأوشك ان يغادر ” البيت الأسود” مذموماً ومأزوماً ومُجلّلاً بعار الفضيحة والانكسار، فيما أوشك ان يحل محله سمسار العقارات الغوغائي ترامب، الذي قد يتفوق عليه في مضمار النِخاسة السياسية والنَجاسة العنصرية والرعونة والسقوط الأخلاقي.. ذلك لان أمريكا لم تعد تنتج قيادات وازنة ومتزنة، ورؤساء/ زعماء حكماء وأقوياء، بعدما تراخت وتكاسلت واطمأنت لتفردها عالمياً، لدى غياب القطب السوفياتي نقيضها الأيدلوجي ومنافسها القوي ، الذي طالما شكّل هاجساً نووياً لها، ودافعاً لبقائها قيد التأهب والاستعداد، وحافزاً لاستنفار أفضل ما لديها من الطاقات والكفاءات والإمكانات.
منذ الساعات الأولى لفوز ترامب الانتخابي، حظي بزفة إعلامية عالمية، وبتعليقات وتحليلات وتكهنات سياسية واقتصادية وأمنية طافت الكرة الأرضية، وحولته فجأة الى “مالئ الدنيا وشاغل الناس”، حيث شرّقت به الآراء وغرّبت، وتفاوتت فيه التوقعات وتنوعت بين تفاؤل هنا وتشاؤم هناك.. تماماً كما لو ان هذا الرجل قد ولد من رحم الصدفة، وهبط من أعالي الخيال، وليس هو الرئيس التعيس الذي رسب في انتخابات الدورة السابقة وحرّض أنصاره على احتلال الكابيتول، وكان قبل ذلك قد تولى الحكم لأربع سنوات عجاف، كما اشتهر طوال عمره بمغامراته النسائية ومخالفاته المالية ومحاكماته التي ما زالت منظورة في محاكم كثيرة.
ليتني أدري لماذا تريد ماكينات الإعلام الغربي والشرقي والشمالي والجنوبي تحويل هذا الترامب الى أحجية ملتبسة، او لغز مُغلّف بالغموض، مع انه في واقع الأمر محض كتاب مفتوح – او مفضوح – بأكثر مما يلزم منذ ولايته الأولى.. فهو صهيوني صليبي واسبي يحابي اليهود والليكود ويمقت ويحتقر العرب والمسلمين وسائر الملونين، وهو تاجر فاجر معروف بالجشع ومكشوف للكافة دون مواربة او خجل او وجل، فضلاً عن انه آخر رجل في الدنيا يمكن ان يدعي الفضيلة والصدق والشرف والأخلاق الحميدة.
طال المقال، ولكن بقي ان نلقي الضوء على ما نتوقع ان يُعتبر خارطة طريق لهذا الطاووس النرجسي، على الصعيدين الداخلي والدولي.. وذلك سنداً لقراءتنا المتأنية في سابق سياساته وممارساته وخطاباته، سواء وهو في سدة الحكم، او على قيد المعارضة لإدارة بايدن، حيث يتضح لنا بالمجمل انه سيواصل في الداخل الأمريكي نهجه الطبقي البغيض، الذي يحابي أباطرة المال والأعمال الذي هو منهم، ويراعي مصالحهم، ويضاعف ثرواتهم، ويشجع مؤسساتهم، ولو على حساب الفقراء والغرباء ومحدودي الدخل من الطبقتين الدنيا والوسطى، الذين سبق ان حرمهم في ولايته الأولى من بعض الحقوق والمكتسبات التى وفرها لهم الرئيس أوباما.
أما على المستوى الخارجي فلن يكون ترامب الثاني مختلفاً كثيراً عن ترامب الأول، من حيث التمييز في علاقاته وتعاملاته بين دول الضعفاء والجبناء والعملاء، التي سوف يبتزّها ويضغط ويتسلط عليها، ولا يقيم لها وزناً مهما تقرّبت منه او خضعت لسلطانه.. وبين دول الحازمين والأقوياء المستعدين للتحدي، التي سوف يضطر لاحترامها، ويجنح للسلم والتفاهم والتقاسم معها، ويحسب لها الف حساب، مهما بلغت درجة عدائها له وابتعادها عنه، تتقدمها كوريا الشمالية وبعدها الصين وايران وروسيا وفنزويلا وحتى أفغانستان.. اما الدول العربية العاجزة التي نسيت كلمة “لا”، فليست في العير ولا في النفير، بكل أسى وأسف.
ختاماً،، ليت هذا الطاووس المغرور والمهووس يتذكر، على الدوام، انه كان بالأمس القريب قاب ثلاثة سنتيمترات او ادنى من الموت !!!