جبهة داخلية عريضة لصد العدو عن تنفيذ مطامعه القاتلة
بقلم: د. زيد احمد المحيسن
بعد أن أوغل العدو الصهيوني في دماء أبناء الشعب العربي الفلسطيني سفكًا وإراقةً وتقتيلًا في غزة والضفة الغربية، ها هو الآن يستدير دورة أخرى نحو الإيغال في دماء الشعب العربي اللبناني دون رادع قيمي أو أخلاقي أو ديني. كل هذا ما كان له أن يكون ويستمر لو وجد منذ البداية موقفا عربيا موحدا تجاه العدوان على غزة. لكن التخاذل العربي وانبطاح الأنظمة الرجعية والمتصهينة، والمتشابكة في مصالحها الآنية مع الكيان الصهيوني العلني، كانت سببًا رئيسيًا في استمرار العدوان الصهيوني على غزة ولبنان حتى الآن. فقد فتح الصمت العربي الرسمي شهية الكيان الصهيوني لممارسة سادياته على غزة ولبنان، وانتقل في غيه من عدو طامح إلى عدو طامع في كل شيء، بل مستوى الطامع القاتل المتغطرس الذي لا يراعى إلا ولا ذمة.
في ظل هذه التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة، بات من الضروري أن يعمل الأردن على الصعيد الرسمي والشعبي لتعزيز استقراره الداخلي. فالجبهة الداخلية المتماسكة هي أساس القوة التي تمكن البلاد من مواجهة المخاطر المحدقة، وأي تهميش أو إقصاء لفئات معينة قد يؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي ويصب في مصلحة الأطراف المعادية.
تتطلب المرحلة الحالية تصفير المشاكل الداخلية التي تعيق الوحدة الوطنية، وذك عبر الحوار بين الدولة والفئات المختلفة، بما في ذلك التيار الإسلامي والقومي واليساري والعلماني والمدني، وهو ما يمكن أن يسهم في خلق بيئة من التفاهم والتعاون. فكلما كانت الجبهة الداخلية متحدة، زادت قدرة الأردن على مواجهة التحديات الخارجية، خاصة في ظل الأطماع الصهيونية .
إن الإفراج عن سجناء الرأي يمثل خطوة جوهرية نحو تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين. يجب أن تعكس السياسات الحكومية احترامًا لحقوق الإنسان وحرية التعبير، مما يسهم في تحقيق المصالحة الوطنية.
يتطلب تعزيز الحريات العامة إيقاف العمل بقانون الجرائم الإلكترونية سيء السمعة، الذي يُستخدم أحيانًا كوسيلة لقمع الآراء المخالفة. يجب أن تتاح للمواطنين الفرصة للتعبير عن آرائهم بحرية ودون خوف من الملاحقة.
إن تعزيز مساحة الحريات العامة وحرية التعبير هو أمر لا بد منه في سياق بناء جبهة داخلية قوية. عندما يشعر المواطنون أنهم يستطيعون التعبير عن آرائهم بحرية، فإن ذلك يعزز من روح الانتماء والمشاركة في الحياة العامة.
تعديل النهج الأمني لتقليص القبضة على المواطنين وملاحقتهم على أسباب تافهة يعكس الرغبة في بناء مجتمع مفتوح. ينبغي أن يكون الأمن حماية للمواطن وليس وسيلة لقمعه، مما يخلق بيئة أكثر استقرارًا وأمانًا.
يتطلب الواقع الاقتصادي الراهن تغيير النهج الضريبي إلى نموذج يركز على الإنتاج. يجب دعم القطاعات المنتجة التي توفر السلع والخدمات الأساسية بأسعار مقبولة للمواطنين، خاصة قطاع
الزراعة وتربية المواشي والدواجن. إن دعم الطبقة الدنيا في إطار برامج اجتماعية يعد ضروريًا لتوفير الحد الأدنى من مقومات الحياة.
تعتبر الطبقة الوسطى صمام الأمان للوطن، ويجب أن تحظى بدعم حكومي يضمن استقرارها الاقتصادي والاجتماعي. فاستقرار الطبقة الوسطى يعني استقرار المجتمع ككل.
كما يجب محاربة الفساد وتطبيق العدالة القانونية على الجميع، بغض النظر عن المناصب أو النفوذ. إن تطبيق القانون بشكل عادل ومنصف يعزز من ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة ويقوي الجبهة الداخلية.
إننا جميعًا لا نملك ترف الانتظار، وعلينا أن نسعى إلى بناء هذا التعاون لضمان مستقبل أفضل. إن تحقيق الاستقرار الداخلي يتطلب جهدًا جماعيًا ورؤية مشتركة تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. فالجبهة الداخلية المتماسكة هي درعنا ضد التحديات، وعلينا جميعًا العمل من أجلها كل حسب جهده وقدراته. فالوطن لنا جميعًا، والجميع في خدمته هو الشعار الذي يجب أن يظل خالدًا قولًا وفعلاً، في كل الأوقات وكل الظروف.