الجسور بين دايان وهرتسل
بقلم: د. عادل سماره
على الجسر غربي النهر أطلق اليوم سائق شاحنة عربي أردني النار على ثلاثة إسرائيليين أرداهم قتلى وكان فدائياً. وهذا يطرح السؤال عن الكثير وخاصة عن دور الجسور في التطبيع.
في كتابه “الدولة اليهودية” كتب ثيودور هرتسل أن “إسرائيل” ستكون جداراً بين البربرية الشرقية والحضارة الأوروبيىة”، اي ان الكيان سيبقى معسكراً محاطاً باسوار بينه وبين العرب.
لقد فكر هرتسل بعقلية سياسية إيديولوجية وعميلة للغرب أي “الكيان أولاً كجنة لليهود ثم قاعدة للغرب” .
ولكن أساس خلق الكيان في دوره كاستثمار إستراتيجي في الوطن العربي وخاصة حين يصل العرب على الأقل إلى إستقلالات سياسية بمعنى خروج الجيوش الغربية من الوطن العربي لتحل محلها في حماية مصالح الغرب/مستعمراته القوى الأمنية العربية التي تسيطر عليها الأنظمة الحاكمة التي نصَّبها الغرب ورسخت في التبعية. يبدو ن هرتسل تخيل أن العرب سوف يبقوا إلى الأبد كما كانوا حين كتب كتابه. ورغم أن تقدمنا ليس كما يجب لكن عقل هرتسل لم يكن عقلا تاريخياً. أي أن الصحفي هرتسل لم يكن إستراتيجي التفكير بالقدر الكافي.
ليس سراً أن الكثير في الغرب بما هو اساس اللاسامية، يكره اليهود ويود التخلص منهم،على الأقل هذا ما فهمته في بريطانيا وأمريكا، فما بالك إذا تمكَّن من التخلُّص من عبء الكراهية باستخدامهم لخدمة مصالحه!
بالمقابل، كان العقل الإستراتيجي وزير حربية الكيان موشيه دايان في وبعد حرب وهزيمة 1967 حيث بنى موقفه على أمرين:
الأول: إنفتاح تام بين الضفة والقطاع مع الكيان تجارياً وتشغيليا بدون قيود مقابل بنحاس سابير وزير مالية الكيان حينها الذي وقف ضد حدود وتجارة مفتوحة بين المناطق المحتللة 1967 والسوق في الكيان. وكان هدف ديان ايضاً تشغيل الشباب الفلسطيني في الكيان ما يسحب قوة الإنتاج من المناطق المحتلة ويسحب هذه القوة من العمل مع المقاومة.
والثاني: إبقاء الجسور مفتوحة مع الأردن كبوابة ومحطة تبديل للمتاجرة مع البلدان العربية ولكافة اشكال التطبيع، وليس ذلك فقط لتسهيل هجرة الفلسطينيين بل الأهم: لتمرير التطبيع بين الأنظمة العربية والكيان لتصبح هذه الأنظمة العربية وجيوشها في خدمة وحماية الكيان.
وهذا ما كتبت عنه منذ إتفاقات أوسلو للتطبيع عام 1993 بأن الكيان سوف يركز على تشريك البنية التحتية بين أنظمة التطبيع والكيان بحيث تصبح الفئات أو الطبقات المستفيدة من التشريك أو المعتمدة على التشريك شاءت ام ابت قوة رافضة للتحرير. فاليوم 75 في المئة من الغاز المستهلك في الأردن هو من الكيان، كما أن مصر تستورد الغاز من الكيان مما يجعل توقفهما عن شراء الغاز من الكيان مبيتهما بلا كهرباء وحتى طناجر الطبيخ! فما بالك بتشريك المواصلات، والنفط…الخ. ألا يمكننا رؤية اثر ذلك على عدم دعم غزة ولو في الصلوات!
فالثروة والسوق العربية تصبح مفتوحة أكثر ويصبح تقشيط العرب ونهب ثروتهم أكثر سهولة حينما تشرف على ذلك أنظمة عربية. وهذا ما نراه اليوم بوضوح في علاقات هذه الأنظمة بالكيان وخاصة في حرب إبادة غزة.
باختصار، فإن الجسور المفتوحة هي اساس التطبيع بينما الجدار الهرتسلي بمفهومه الكلاسيكي/القديم/الأولي هو ضد التطبيع أومعيقاً للتطبيع بالنتيجة النهائية، وكأن الغرب خُلق لرفاه اليهود! أو كأن الكيان قادر على هزيمة كل العرب،وهوما لم يكن في كل حرب لأن حربنا كانت دائما مع الغرب أولا وباتساعه. لكن التطبيع هو الذي يسمح للكيان بتحقيق وتجسيد مصالح الغرب، بما هوإستدخال الهزيمة.
. لذا، تحاول الدولة العميقة في أمريكا إقناع الكيان بدولة ما للفلسطينيين في الضفة والقطاع، وإن لم يحصل فنعتقد بأن امريكا لن توافق على تهجير الضفة الغربية وتستبدل ذلك بتسهيل الهجرات منها. لأن التهجير يعني في الحد الأدنى توقف التطبيع وبالتالي إتساع رفض العرب للتطبيع وإضطرار الأنظمة للتوجه لوقف او قطع قيام الغرب بالتقشيط والنهب والتبادل اللامتكافىء مع الوطن العربي.
وهنا يكمن التناقض بين حلم الكيان بالتوسع الجغرافي، باعتباره يحاول أن يأخذ النار إلى قرصه، وبين توسعه تطبيعيا وهو دوره المقصود ان يقوم به في الوطن العربي وقد نجح كثيراً حتى حينه.