التساؤل الترامبي.. وإشكاليات فكرة “توسيع إسرائيل”

بقلم: حسين معلوم*

حتى قبل الوصول إلى مرحلة الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، التي قد تعيده إلى البيت الأبيض، تسببت كلمات قليلة صدرت عن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في إثارة حفيظة الأردن، وربما غيره من العرب، خاصة الذين يُجاورون إسرائيل ويُحيطون بها.

قال ترامب، خلال لقائه مجموعات يهودية في 15 أغسطس المنقضي، شكَّلت تحالفًا لدعمه في الانتخابات الرئاسية، وأُطلق عليه “أصوات يهودية من أجل ترامب”.. قال ترامب “عندما تنظرون إلى خريطة الشرق الأوسط، تجدون أن إسرائيل بقعة صغيرة جدا؛ مقارنة بهذه الكتلة العملاقة من اليابسة المحيطة بها. لذلك تساءلت: هل ثمة طريقة للحصول على المزيد من المساحة؟”.

تساؤل بسيط وسهل بالنسبة إلى ترامب؛ لكنه يحمل المزيد من التوجس والقلق والخطورة الكبيرة، في الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة، تلك المعنية بتوسيع مساحة دولة الاحتلال الإسرائيلي على حساب أراضيها؛ أو في الحد الأدنى المعنية بمدى الخطورة التي تُمثلها خطة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم التاريخية إلى داخل هذه الدول، بما لذلك من تأثير على أمنها القومي.

فهل يتضمن “التساؤل الترامبي” مجرد دعاية انتخابية، كما يحلو للإعلام العربي الادعاء دائمًا؛ أم إنه يحمل دلالات أبعد من كونه يهدف إلى كسب أصوات اليهود الأمريكيين، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في نوفمبر المُقبل؟

بالطبع.. من غير المستبعد أن يكون “التساؤل الترامبي” قد أصبح ضمن خطط الرئيس السابق، الذي يسعى إلى أن يكون الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية، في حال تتويجه في البيت الأبيض؛ لكي تجد طريقها إلى التنفيذ.. تماما كما وجد وعده بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، واعترافه بضم إسرائيل الجولان السوري المحتل وغيرها.. الطريق إلى التنفيذ خلال عهده السابق بسلاسة.

هنا، يبدو بوضوح أن مبعث القلق، خاصة في الأردن، شعبيا ورسميا، يرتبط بالتهديدات التي أطلقها، من قبل، مسئولون إسرائيليون، وأعضاء في حكومة اليمين المتطرف، طوال أعوام مضت. هذا فضلا عن السياسات الإسرائيلية، على أرض الواقع، التي تتمثل بقضم مساحات من الضفة الغربية، بصورة شبه يومية، الأمر الذي يُهدد الأردن وأمنه القومي.

من بين أعضاء حكومة اليمين المتطرف، وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي ظهر العام الماضي في خطاب ألقاه بالعاصمة الفرنسية باريس، وأمامه منصة تحمل خريطة “الأردن وإسرائيل” معا بوصفها “إسرائيل الكبرى”؛ وهي الخريطة التي تحمل شعار إحدى المنظمات المتطرفة، والتي تعتقد أن إسرائيل هي فلسطين والأردن معا.

واللافت.. أن أزمة دبلوماسية كانت قد نشبت بين الجانبين، بسبب خريطة سموتريتش، التي تستند إلى شعار “الأرغون” الذي يتبع “المنظمة العسكرية الوطنية في أرض إسرائيل”، وهي جماعة مسلحة تطالب بأن تكون الأراضي الفلسطينية التاريخية والأردن دولة يهودية.

في هذا الإطار، ثمة مخاوف لدى الأردنيين من عودة ترامب إلى البيت الأبيض مُجددا، نتيجة لدور إدارته المفترض بما سُمي “خطة ترامب للسلام”، التي تبناها الرئيس السابق، وتهدف إلى حل الصراع “الإسرائيلي الفلسطيني” والتي طرحها صهره جاريد كوشنير، خلال مؤتمر في البحرين عام 2019. حينذاك، أبدى الأردن تحفظه على تلك الخطة؛ خشية أن تؤدي إلى تحويل الأردن لوطن بديل للاجئين الفلسطينيين، بما يستتبعه ذلك من تهديدات أمنية، وأخطار استراتيجية، قد تحدث إخلالا بالسيادة الأردنية.

وبالتالي فإن عودة ترامب إلى البيت الأبيض الأمريكي، كرئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية، يعني العودة إلى “الخطة” التي تهدف إلى إيجاد حل للقضية الفلسطينية على حساب الأردن؛ ومن ثم إلغاء “حل الدولتين”. إذ إن عودة ترامب وإدارته، تعني إعادة إحياء هذا المشروع مجددا، وتضاؤل الدور التاريخي للأردن في القدس؛ فضلا عن ضم إسرائيل لمستوطنات الضفة الغربية ووادي الأردن، ذي الأهمية الاستراتيجية.

تصريحات ترامب حول ضرورة توسيع مساحة إسرائيل، تُعد بمثابة استفزاز مباشر وتحدٍ لوضع المنطقة بأكملها، من حيث إن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين، أو توسيع حدود إسرائيل، ستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة بأكملها، بما في ذلك الأردن.

وبالتالي، ففي حال فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، فإن الأردن قد يواجه تحديات كبيرة. ضمن أهم هذه التحديات، هو احتمال زيادة الضغوط على الأردن للقبول بمشاريع توسعية إسرائيلية جديدة، وهو ما يُمكن أن يُثير اضطرابات شعبية، ويُجبر الحكومة على مراجعة علاقاتها واتفاقياتها مع إسرائيل. وهذا يعني أن الأردن قد يجد نفسه مضطرا للموازنة بين الحفاظ على علاقاته الأمنية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتلبية المطالب الشعبية بعدم التفريط في الحقوق الفلسطينية، حفاظا على الحقوق الأردنية.

في هذا السياق، يمكن القول بأن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، خلال العام الحالي 2024، سيتضمن احتمال أن يسعى لإحياء خطته لـ”السلام”، أو على الأقل تقديم “خطة مُحدثة” منها. وقد يؤدي ذلك إلى المزيد من التوترات في المنطقة، خصوصا إذا استمرت إسرائيل في سياساتها التوسعية، بدعم مباشر من الإدارة الأمريكية. والأهم، أن الأردن والفلسطينيون سيظلون -على الأرجح- في موقف معارض لهذه الخطة، ما قد يعمق الخلافات ويزيد من تعقيد الوضع في المنطقة برمتها.

وفي هذه الحال، يكون من المتوقع تعزيز التحالفات الإقليمية للأردن، مع الدول العربية والإسلامية، خاصة تلك التي تُشاركه نفس المخاوف، وفي مقدمتها مصر وسوريا ولبنان، لمحاولة بلورة موقف موحد ضد أي محاولات لتغيير الواقع الجغرافي والسياسي في المنطقة. هذا بالإضافة إلى الضغوط الشعبية المتوقعة في حال أي محاولات لتهجير الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة.

واللافت، أن تصريحات ترامب، أو بالأحرى “التساؤل الترامبي”، رغم خطورته، إلا أنه لم يصدر أي بيان أو تعليق رسمي أردني، أو من أي من الدول العربية عموما، والمحيطة بإسرائيل على وجه الخصوص، يتوقف عند تلك التصريحات، أو يتناول مثل ذلك التساؤل الذي طرحه ترامب، والذي يتضمن إشكاليات مستقبلية على المنطقة العربية.

والغريب والعجيب أيضا، أن الكل يعرف أنه عند جلوس ترامب على مكتبه داخل البيت الأبيض، إذا فاز في الانتخابات، سيشرع في تنفيذ وعوده، وذاك عهده دائما كما تبين خلال ولايته السابقة. عندئذ سوف تدخل المنطقة في “صراع وجودي” آخر، قد لا يأخذ شكل الصراع المباشر، لكنه ـ حقيقة ـ سيكون بداية لضرب الاستقرار الهش الذي شهدته المنطقة لسنوات.

ليس معنى ذلك، أن كاميلا هاريس، لو فازت في الانتخابات ستكون أكثر “حنانا” على الحقوق العربية.. بالطبع لا، إذ إننا -نحن العرب- تعودنا على الأسوأ من مرشحي الحزب الديمقراطي الأمريكي.

*كاتب وباحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى