ثنائية ترامب ونتنياهو.. هل ينجح العرب في تدشين مشروع مشترك يتجاوز الخلافات الضيّقة؟

بقلم: محمد سعد عبد الحفيظ*

أزمة العرب في هذه اللحظة ليست في تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يخطط لجرّ المنطقة إلى حرب إقليمية، يُثبت بها حكمه ويتخلص عبرها من أعدائه، وليست أيضًا في الانحياز الفج للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين إلى الدولة العبرية، كما أنها ليست في محاولة قوى إقليمية فرض مشروعها وتحقيق مصالحها على حسابنا.

أزمة العرب، تتلخص في غياب رؤية يمكن من خلالها التعامل مع المخاطر التي تحيق بالإقليم، وتضع أسسًا لمشروع مشترك يتجاوز الخلافات الضيّقة ويقفز عليها، لينطلق بشعوب المنطقة إلى المستقبل، قبل أن تُفرض علينا أجندات تستهدف إبقاءنا في دوائر الصراع والتخلف والجهل.

سواء انتهت حرب غزّة قبل نهاية هذا العام أم لم تنتهِ، وسواء توسعت لتتحوّل إلى حرب إقليمية أو حتى عالمية كما يريدها نتنياهو، فإنّ المبادرة بوضع استراتيجية عربية مرنة لمواجهة سيناريوهات الأعداء أو الخصوم صار “فرض عين” على الأنظمة العربية التي يعاد أمامها تشكيل ورسم خريطة المنطقة بهدف إخضاعها لتتوافق مع المصالح الإسرائيلية – الأمريكية.

رغم التباين الواضح بين الإدارة الأمريكية الديمقراطية والحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة نتنياهو، إلا أنّ الأخير نجح في فرض استراتيجيته على الرئيس جو بايدن ومساعديه، مدعومًا من دوائر الضغط المتحكمة في صناعة القرار الأمريكي.

إن فشلت مساعي نتنياهو في جر الولايات المتحدة إلى حرب واسعة في الشرق الأوسط يتخلص بها من التهديدات التي تواجه الدولة العبرية، فإنه بالقطع سيعمل على إطالة الحرب في غزّة لحين وصول صديقه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فالمرشح الجمهوري في سباق الرئاسة وفريقه لا يختلفون في تصوّراتهم للقضية الفلسطينية والمنطقة بأثرها عن أفكار اليمين الصهيوني المتطرّف الذي تمثّله الحكومة الإسرائيلية الحالية.

قبل 4 أعوام، وفي محاولة لصرف النظر عن أزماته وأزمات صديقه الداخلية، أعلن ترامب عن خطته للسلام في الشرق الأوسط، والتي عُرفت بـ”صفقة القرن”، كان الرئيس الأمريكي حينها محاصرًا باتهامات مجلس الشيوخ الذي كان يسعى لعزله، بينما كان نتنياهو يواجه قضايا فساد، وكان الاثنان يحاولان تعزيز موقفهما الانتخابي فأحدهما كانت تنتظره انتخابات الكنيست بعد 3 شهور والآخر كان يحضّر للاستحقاق الرئاسي الأمريكي في نهاية العام.

أعلن العرب عن رفضهم لخطة ترامب، التي وصفها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بـ”صفعة القرن”، باعتبارها لا تلبي تطلعات الفلسطينيين وستؤدي إلى “تكريس الاحتلال وشرعنته”.

الخطة التي أعلنها ترامب في مؤتمر جمعه في واشنطن بنتنياهو في نهاية يناير/كانون الثاني 2020، منحت تل أبيب امتيازات كبيرة على حساب الحقوق التاريخية للفلسطينيين، إذ قلصت من مساحة الدولة الموعودة “منزوعة السلاح” إلى مساحة أصغر بكثير من مساحة الأراضي التي احتُلت في حرب 1967، وقننت وضع المستوطنات، واعترفت بالقدس عاصمة لـ”الدولة اليهودية”.

لم ترواح الخطة الترامبية مكانها، بعد أن وُوجهت برفض فلسطيني عربي، فضلًا عن فشل نتنياهو وتحالفه في تشكيل حكومة عقب انتخابات الكنيست، ثم خروج ترامب نفسه من البيت الأبيض، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ المخطط تم وأده بالكامل، إذ عاد نتنياهو إلى موقعه وشكل الحكومة الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل نهاية عام 2022، في وقت بدأ فيه العرب السباق نحو تطبيع العلاقات مع تل أبيب، وفي مخيّلة بعضهم أنّ تحالفهم معها قد يحميهم من الخطر الإيراني المحتمل.

المعطيات الجديدة، بما فيها ضعف الإدارة الأمريكية الديمقراطية شجعت نتنياهو على تبني مخطط أكثر تطرفًا، أعلن عنه في خطابه الشهير بالأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما رفع خريطة للمنطقة لم تشمل أي ذكر للدولة الفلسطينية.

بعد أيام من كلمة نتنياهو في الأمم المتحدة، وقعت “طوفان الأقصى” فبعثرت كل الأوراق وعطلت السيناريوهات المطروحة، وعلى مدار أكثر من 10 شهور قام الفلسطينيون – مقاومةً وشعبًا – بواجبهم في مواجهة كل مخططات التهجير والإخضاع، تحملوا ما لا يطيقه غيرهم، واجهوا حروب التجويع والتشريد والترهيب، كما واجهوا أيضًا تواطؤًا وخذلانًا دوليًا وعربيًا مؤسفًا.

استثمر الحلف الصهيو-أمريكي، تلك الحالة من الضعف والتواطؤ والخذلان، وبدأوا العمل على تنفيذ مخططاتهم بوضع المنطقة كلها تحت مظلة نفوذهم، في الوقت الذي لم تبادر فيه الأنظمة العربية إلى التوافق على رؤية تتصدى من خلالها لتلك المخططات.

ما يصاعد القلق، هو احتمال عودة ترامب إلى البيت الأبيض، في ظل ضعف المعسكر الديمقراطي المنافس، فوجوده سيشجع إسرائيل على إتمام ما بدأته وبأي طريقة ومهما كان الثمن، فهل تدرك الأنظمة العربية اللحظة وتتوافق على رؤية قبل أن يدركها الطوفان؟!.

وفق مسؤول عربي مطلع، هناك مناقشات بدأت بالفعل بين دول المنطقة لتكوين رؤية مشتركة لمواجهة التحديات المقبلة، وعلى رأسها خطط الحكومة الإسرائيلية اليمنية الحالية واحتمالية عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

المسؤول العربي يرى أنّ ما يجري في غزّة من عدوان ويستهدف إخضاع الشعب الفلسطيني، لا يمكن فصله عما يدور في اليمن ولبنان، كما لا يمكن فصله عما يجري في السودان وليبيا، “مخطط ضرب الأمن القومي العربي واضح للجميع، وإن لم نصل إلى رؤية للحل فسندفع جميعًا الثمن”.

لا مستقبل لشعوب هذه المنطقة، دون وجود رؤية مشتركة، وإن كان البعض بدأ في بحث بنود وآليات تلك الرؤية، فعليهم بالانتباه إلى أنّ الوقت ينفد، وأنّ كلّ يوم يمر يكسب فيه أعداؤنا وخصومنا مساحات جديدة.

*كاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى