ماكينة الاقتصاد المصرى ستتوقف خلال أيام .. بسبب الدولار

بقلم: مجدى أحمد حسين*

ماكينة الاقتصاد المصرى تعانى من حالة تباطؤ شديد وهى مهددة بالتوقف التام خلال أيام أو خلال اسابيع قليلة . لقد جعلنا من الدولار الوقود المحرك لهذه الماكينة ، وعندما يشح فى الأسواق وترتفع أسعاره فى السوق الحقيقية أو السوداء كما يقولون بنسبة 100 % أو اكثر عن السعر المعلن للبنك المركزى يختل النظام العام للماكينة الاقتصادية ، فحتى مسعود الحظ الذى يمكن أن يحصل على الدولار بالسعر الرسمى فإن أفضل تصرف له هو أن يعيد بيعه فى السوق الموازية ويحقق ربحا فاحشا ، أكثر من 100 % وبالتالى لم تعد له مصلحة فى استخدام الدولار فى نشاط اقتصادى حقيقى .

نحن نستخدم الدولار فى كل شىء تقريبا :

1 استيراد السلع الكمالية والترفية وقد يتوقف المستورد عن بعض هذا النشاط خوفا من إعراض المستهلكين .

2 استيراد مستلزمات الانتاج ، وهذا يمثل النسبة الغالبة فى أكثر الصناعات المحلية ، وهذا بدأ يتوقف بمعدلات متسارعة ، لأن ارتفاع سعر الدولار سيؤدى لارتفاع سعر المنتج النهائى وهو أمر فوق احتمال معظم المستهلكين ، بل إن سعر الدولار يختلف من يوم لآخر وبالتالى فان الفترة ما بين الاستيراد وإخراج المنتج النهائى طويلة ، وهذه أمور فوق احتمال أى حساب اقتصادى ، وتوقف الانتاج أفضل لحين استقرار الأمور . وهكذا هناك توسع فى توقف المصانع .

3 استيراد السلح الضرورية للاستهلاك كالسلع الغذائية ، وهذه كارثة لأن زجاجة الزيت سيزيد سعرها من 10 جنيهات إلى 20 أو 30 جنيها ، فهل سيتحمل المستهلك ذلك . لابد من التوقف عن الاستيراد حتى تستقر الأمور . وكل ماسبق يفترض العثور أولا على الدولار الشحيح .

واخيرا انتشرت فكرة اقتحام المحلات ليلا واغتصاب السلع مجانا . لقد دفعتم الفقراء لحافة الجنون .

4 نحن نسدد ثمن وقود الطاقة بالدولار للشركات الأجنبية العاملة فى مصر ثم نستورد باقى احتياجاتنا بالدولار من الخارج بعد توقف السعودية عن مدنا بالوقود . ونحن نسدد القروض طبعا بالدولار وهى تساوى 300 مليار جنيه سنويا وستصبح بعد إنخفاض الجنيه 600 مليار جنيه .

5 هذا الوضع أدى إلى التوسع فى التعامل بالدولار فى السوق العقارى ، وأدى إلى دفع المودعين لسحب أموالهم بالجنيه المعرضة للتآكل لشراء عقارات لأن العقارات تزيد قيمتها عادة .

كل هذا المشهد أدى بجميع الأطراف فى العملية الاقتصادية إلى التوقف والانتظار وهى دائرة جهنمية تساهم فى المزيد من انهيار الجنيه كما حدث لليرة التركية فى التسعينيات من القرن العشرين ، حتى أصبحت معظم التعاملات بالدولار ، ولكن المشكلة عندنا أكبر وهى أن هناك شحا فى الدولار نفسه !! وبالتالى فنحن أمام دوامة مفزعة ، ومن مؤشرات ذلك الارتفاع الجنونى لسعر الذهب .

الاعلام يمهد لضرورة تعويم الجنيه وكأنه حل عبقرى أو حل وحيد ، وهذا تحصيل حاصل لأن الجنيه تم تعويمه بالفعل فى السوق الموازية . الاعلام والحكام يسمون هذا إصلاحا تأخر !! وهذا ضحك على الذقون ضحك على النفس وخداع للشعب . من قال ان الجنيه لم يتم تخفيضه من قبل عدة مرات المسألة أن المسطرة قد اختلفت فحسب ، فكان الدولار ب 3 جنيهات والآن ب 8 جنيهات والمطلوب رفعه الآن إلى 18 أو 20 جنيها . الجديد أن الدولار لدينا انكمش والانتاج المحلى انكمش والاعتماد على الخارج زاد . حكامنا لم يتوقفوا عن تنفيذ تعليمات صندوق النقد من أيام السادات حتى الآن والمسألة مسألة معدلات ومستويات فى السرعة فحسب . الوقود ارتفعت أسعاره أكثر من مرة والآن مطلوب ارتفاع آخر وهكذا . هذا ليس إصلاحا ولكن انبطاحا أمام شروط الصندوق فى ظل المزيد من العجز ، أقصد العجز السياسى والاقتصادى لا عجز الميزانية !

الاعلاميون يزورون الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة ويعودون منبهرين دون أن يفهموا شيئا . فى كوريا الجنوبية مثلا طبقوا سياسة احلال الواردات أى انتاج السلع التى تستورد ، وهى نفس سياستنا فى الستينيات من القرن العشرين ، لو اتبعنا هذه السياسة الآن لتم حل مشكلة الدولار خلال عامين .. والحقيقة فالمشكلة ليست مشكلة دولار ، هذه مجرد مظهر للأزمة .فى كوريا الجنوبية وغيرها من النمور الآسيوية كان الحاكم يشكل مجلسا اقتصاديا لتخطيط الصناعات الوطنية حتى تنتج ما تستورده البلاد من الخارج ، ويتم ذلك بمشاركة واسعة وأساسية للقطاع الخاص . ونحن لدينا سلع عديدة مستوردة لدينا القدرة على إنتاجها . مثلا : الصابون – مستحضرات التجميل – الأدوية – كل أنواع الملابس والمنسوجات والمفروشات . نحن بلد محمد على منذ أوائل القرن التاسع عشر وطلعت حرب منذ عشرينيات القرن العشرين لم يعد لدينا غزل و صناعات المحلة أصبحت تعتمد على استيراد الغزل من ايران وسوريا !

فى البلاد الآسيوية كانت لجان التخطيط الاقتصادى تعمل كلجان حرب حتى تم إيقاف استيراد كل ما يمكن صناعته داخل البلاد .

أيضا لدينا صناعات محلية وهمية ، فهى مجرد توكيلات تعتمد على استيراد المادة الأساسية من الشركة الأم ، ومع ذلك يكتبون عليها : صنع فى مصر ، وهو خداع للنفس وخداع للشعب فمثل هذه الصناعات متوقفة الآن حتى يتم التخفيض النهائى والتعويم الدائم للجنيه .

العبودية للدولار

يجب أن يكون معلوما ان الاجبار على التعامل بالدولار هى أوامر من السيد الأمريكى وعلى الاعلاميين الذين يهاجمون أمريكا التى تتآمر على مصر أن يعرفوا أننا نحن الذين نخضع لأوامر أمريكا . التعامل الخارجى بالدولار تعليمات أمريكية سياسية وهى ترفض التمرد على ذلك . وحتى نكون أسياد أنفسنا علينا أن نتحرر من هذه العبودية . مثلا السياحة الروسية لمصر تأثرت بارتفاع سعر الدولار فى روسيا وعندما طلب الروس وطلبت شركات السياحة المصرية التعامل بالروبل رفض البنك المركزى المصرى رغم أن الروبل يمكن الاستفادة به فى الاستيراد من روسيا . ويجب أن يكون معلوما ان دول البريكس تتعامل بعملاتها الوطنية بين بعضها بعضا أو بالمقايضة : الهند – الصين – روسيا البرازيل – جنوب افريقيا . فالهند تشترى الأسلحة من روسيا بالمقايضة مثلا . فلماذا لا نتعامل مع هذه الدول بذات الطريقة ؟ ولماذا لا نتعامل بالعملة الصينية ؟

وفيما يتعلق بالبلاد العربية لماذا لا نعقد اتفاقات ثنائية مع السودان وغيرها تتضمن الاعتراف المتبادل بعملات البلدين وبالتالى لا نحتاج لاستخدام الدولار فى التعامل فيما بيننا . ولكن هل يملك حكامنا تحدى إرادة أمريكا لتحقق مصالحنا الوطنية ؟!

إن أمثال دولنا التابعة هى التى حولت العملة الأمريكية إلى عملة مقدسة . فالدول المحترمة تأخذ بنظام سلة العملات . ونجد الآن مواجهات حقيقية بين الدولار واليورو وبينهما مع الاسترلينى والين والعملة الصينية اليووان .

العملة هى علم أو راية الدولة الوطنية ، ونحن الذين حولنا الجنيه المصرى إلى خرقة بالية ، بينما كان له قيمة ووزن فى العهد الملكى البائد . وينتشر فى المشرق العربى تعبير : مصارى أو مصريات كاسم للنقود . ومصارى تعود لمصر حيث كانت العملة المصرية هى العملة الأقوى والمعترف بها فى مختلف بلاد الشام منذ عهد محمد على الذى صك الجنيه المصرى . وحتى الآن إذا ذهبت لبنان أو سوريا سيقولون لك : مصارى بمعنى النقود .

لا يجوز لأهل الحكم أن يقعوا أسرى لآراء الصندوق ويقولون : هذا إصلاح . ثم يقولون وجدنا الحل : تعويم الجنيه . وهو قرار لن يوقف الانهيار الاقتصادى .

هذه السطور كتبت فى السجن بعدالتعليق السابق بعنوان : أمريكا ترفع الأسعار فى مصر . والتعليقان يصفان مرحلة أزمة الدولار عام 2016 . وهى تصف نفس الأعراض التى نتعرض لها الآن بصورة أعمق فى أزمة دولار جديدة وممتدة .

*باحث اسلامي وكاتب مصري

Magdyhussein.id

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى