في ظلال طوفان الأقصى.. فلسطين كلمة السر الانتخابية وبوابة القصور الرئاسية
بقلم: د. مصطفى يوسف اللداوي
غدا الطامحون إلى الفوز بالرئاسة، والحالمون بالأغلبية في المقاعد الانتخابية، والساعون إلى تمديد ولايتهم وإعادة انتخابهم وتجديد الثقة بهم، وغيرهم ممن يبحثون عن أدوارٍ لهم في بلادهم، إلى الاستعانة بالقضية الفلسطينية في حملاتهم الانتخابية، وإبراز مواقفهم منها، وإصدار تصريحاتٍ بشأنها، أو إطلاق وعودٍ تتعلق بها، ولا يتردد المرشحون الجدد في إعلان تأييدهم للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل التحرير واستعادة وطنهم وإعلان استقلالهم، ولا يتأخرون عن توجيه انتقادهم إلى حكومة الكيان الإسرائيلي، وتحميلهم المسؤولية عما يرتكبه جيشهم من جرائم ضد الإنسانية، ومذابح ومجازر بشعة بحق الشعب الفلسطيني.
لعل أشهر الحرب الوحشية العشرة على قطاع غزة، شهدت انتخاباتٍ في أكثر من دولةٍ أوروبية وغيرها، تنافست فيها أحزابٌ قوميةٌ يمينيةٌ متطرفة، وأخرى وطنية يسارية تقدمية، وغيرها من معسكرات الوسط والاعتدال، المهتمة بالبيئة والمناخ وحقوق الإنسان، إلا أن أغلبها استخدم القضية الفلسطينية، وسلط الضوء على إدانة الحكومة الإسرائيلية في حربها على قطاع غزة، عندما وجد بعضهم أن الشارع العام في بلادهم قد خرج في مظاهراتٍ ومسيراتٍ ضد الحرب، يدين الكيان، وينتقد الصمت الدولي، ويستنكر الازدواجية في المعايير، ويعيب الدعم الدولي المقدم من حكومات بلادهم للكيان الصهيوني، الذي يستخدم ما يصله من بلادهم في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير بيوته ومساكنه وكل مقومات حياته.
لكن بعض المرشحين للانتخابات على أنواعها، لم يكونوا في حاجةٍ إلى رأي الشارع الثائر ضد الكيان لينحازوا إليه، بل كانوا أنفسهم مقتنعين بمظلومية الشعب الفلسطيني، ويعرفون ما لحق به وأصابه، وكانوا يدركون عدوانية الكيان الصهيوني، ولديهم من الأدلة والبراهين ما يثبت ارتكابه مئات المجازر ضد الفلسطينيين، وتعمده قتل الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى والجرحى والأسرى واللاجئين والنازحين وذوي الحاجات الخاصة، دون مراعاةٍ للقانون الإنساني الدولي، ولا للشرائع الدولية وقرارات الجمعية العامة للأم المتحدة ومجلسها الأمني، ولهذا كانوا سباقين في رفع اللافتات الانتخابية المعارضة للكيان الصهيوني، والمنددة بسياسات حكومته العنصرية، وجرائمها البشعة ومجازرها اليومية بحق المدنيين الفلسطينيين.
قد لا تكون الحرب على غزة سبباً مباشراً في تغيير مزاج بعض الناخبين، وتغيير ولاءاتهم من حزبٍ إلى آخر، لكنها كانت بالتأكيد سبباً في تحريك المستقلين، ودفع الكتلة الأكبر من الصامتين أصحاب الحق في الاقتراع، لاختيار مرشحي الأحزاب المناوئة للحرب، والمعارضة لسياسة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتشددة، تماماً كما حدث في الانتخابات البرلمانية البريطانية، التي أقصت المحافظين الداعمين بالمطلق للكيان، وأعادت حزب العمال الذي يتميز في مواقفه، ويبدو أبعد نسبياً عن دعم الكيان، وأقرب إلى الدعوة لوقف الحرب، وإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني.
والتغيير الحادث في الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن إغفاله، إذ بدت مرشحة الحزب الديمقراطي كمالا هاريس أكثر انتقاداً لرئيس حكومة الاحتلال، واستخدمت في استقباله وبعد لقائها معه، مفرداتٍ أكثر وضوحاً وحدةً ضد سياسته، وتمايزت في موقفها نسبياً عن رئيسها بايدن، واختلفت عن موقف مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب الأقرب إلى بنيامين نتنياهو، حيث تشير أغلب استطلاعات الرأي أنها طوت الفجوة بينها وبينه، وغدت نسبة المؤيدين لها أعلى من نسبة المؤيدين له، في أول مؤشرات جدية لتنامي أصوات المعارضين للحرب على غزة، واستعداد الناخبين الجدد، المستقلين الصامتين والطلاب المتظاهرين وغيرهم، لمنحها أصواتهم في الانتخابات الرئاسية القادمة.
كما لعب الشارع الأوروبي الرافض للحرب على غزة، والمؤيد للشعب الفلسطيني في نضاله في سبيل حقوقه، في اختيار ممثلي البرلمان الأوروبي، وذلك في ظل تنامي المد الشعبي في العديد من الدول الأوروبية، المندد بالسياسة الإسرائيلية، وتزايد المظاهرات الشعبية والدعوات إلى وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر التي تستخدمها في حربها ضد الفلسطينيين.
ولا يمكن تجاهل الأصوات العربية والإسلامية في أوروبا عموماً، وفي الولايات المتحدة الأمريكية، فقد نهض العرب والمسلمون من المهاجرين القدامى والجدد، من أصحاب الحق في الانتخاب والاقتراع، وبعد أن كانوا كتلةً صامتةً لا تشارك في الانتخابات ولا تهتم بها، أصبحت تهتم بصوتها، وتطور كتلتها، وتدعو إلى انتخاب المعارضين للحرب على غزة، وهي كتلةٌ كبيرة العدد، واسعة الانتشار، تسيل لعاب الكثير من مرشحي الأحزاب الأوروبية والأمريكية.
ولعل التراجع النسبي لحظوظ حزب العدالة والتنمية التركي في الانتخابات البلدية الأخيرة في شهر مارس/آذار الماضي، كانت بسبب ضبابية موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الحرب على غزة، وعدم جدية مواقفه المعارضة للكيان، خاصة تلك المتعلقة بالجانب الاقتصادي والتبادل التجاري بينهما، والتي تغيرت بعد ذلك وانسجمت مع الشارع التركي المؤيد للفلسطينيين، والمعارض كلياً للحرب الإسرائيلية على غزة.
أليس غريباً أن تصبح فلسطين الأسيرة المحتلة، الجريحة الكسيرة، المستباحة أرضها والمعذب أهلها، المحاصرة المضيق عليها، والمسكوت عن ظلمها، والعاجز العالم عن نصرتها، والخائف من قاتلها، والمتهيب من المعتدي عليها، التي يقصى محبها، ويعاقب المنتصر لها، ويحاسب المتضامن معها، هي الفيصل في الانتخابات، والبوصلة في التوجهات، والحاسمة في المستقبل والمآلات.
إنها فلسطين المباركة باتت تحدد الفائزين، وتقصي الظالمين، أنصار الباطل المعتدين، وترسم السياسات، وتحدد الخيارات، تأييداً لحقها في مستقبلها وأجيالها، بدولةٍ مستقلةٍ، ووطنٍ حرٍ، وعلمٍ يرفرف، وسيادةٍ لا تنتهك، وحدودٍ لا تخترق، وأرضٍ لا تنتقص، وشعبٍ لا يضطهد، فهنيئاً لمن فهم المعادلة والتزم، وناصر الحق وانتُخب، وأحب فلسطين فأحبه محبوها، وقدموه وقربوه، ومن بين المرشحين ميزوه واختاروه، وإلى القصور الرئاسية وتحت قباب البرلمانات أدخلوه.
بيروت في 30/7/2024
[email protected]