عبد ناصر وماو تسي تونغ بين خلفاء عملاء وخلفاء وطنيين
بقلم: عادل سماره
قد يهتز بدن البعض لمجرد ذكر عبد الناصر، هذا في إتجاه الدين السياسي، وقد يهتز بدن بعض آخر ممن يتخارجون ماركسياً إذ كيف تقارن هذا بذاك.. غير ان التشابه بين الرجلين عالٍ جداً، ولكي لا أطيل سأورد ثلاثة قضايا هي التي خلَّدت ماوتسي تونغ في وطنه، وهي نفسها التي قام بها عبد الناصر ولكن يجري لعنه من ألكثيرين بل الأكثرية رغم ذلك. وأهدف أن المشكلة ليست في عبد الناصر بل في البنية الثقافية السياسية العربية المهزومة.
ما لن ينساه الصينيون، جميع الصينيين أن ماو أنجز:
1-إنهاء الهيمنة الامبريالية
2- تحرير الريف من الاقطاع وخاصة طبقة الماندرين الكسولة
3-التطور الاقتصادي حيث إجتث الفقر العميق المتجذر ما قبل الثورة
وبالمقابل، فإن عبد الناصر:
1- طرد الاستعمار ليس فقط بإنهاء المعاهدة البريطانية وتأميم القنال بل ايضاً طرد الاستعمار وساهم في طرده من عدة اقطار عربية.
2- إجتث الإقطاع ووزع الأراضي على الفلاحين/الإصلاح الزراعي
3- وأرسى التطور الصناعي /المحلة الكبرى واقام السد العالي.
جاء دينغ هيساو بينغ بعد ماوتسي تونغ واجترح طريقاً إبتعد عن جذرية ماوتسي تونغ إلى درجة يمكننا تسميتها تحريفية. ولكنه حافظ على الإنجازات الماوية الثلاثة كما حافظ عليها كل من أتوا بعد دينغ، وهذا معنى ومضمون الوطنية الصينية أو ماركسية الصين التي تمسكت بالبعد القومي التقدمي طبعاً.
وهذا يعني أن جميع من أتوا بعد ماو كانوا وطنيين صينيين تتخالف وجهات نظرهم ولكن: في كيف يحافظوا على الصين متطورة وعظيمة والإصرار على عدم عودتها للوارء.
صحيح أن دينغ ركز على التطور الاقتصادي حيث قال بعد إنجاز هذا يمكن تعديل اي خلل آخر. دينغ غادر اسس ماو لكن بقي صينيا، مثلا خالف ماو فيما يخص أطروحة ماو الشهيرة وهي توقع عودة “طرائقيو الراسمالية” CAPITALIST ROADERS إلى الصين، بمعنى أن دينغ سمح لهم بالعودة والثراء لكنه أبقى السلطة والقرار بيد الحزب الشيوعي وهذه يمكن تسميتها رِدَّة طبقية ولكن ليست رِدة وطنية.
بالمقابل، فإن جميع من أتوا بعد عبد الناصر تخصصوا في إقتلاع التجربة.
في البداية قام السادات بانقلاب على السلطة الناصرية بعد عبد الناصر بينما في الصين قام دينغ بالوصول للسلطة عبر الحزب وليس عبر تدمير الحزب أو إلغائه وإن كان قد إعتقل مجموعة الأربعة التي خلفت ماو والتي أسموها “عصابة الأربعة”. المهم أن دينغ سيطر على الحزب ولم يهدمه بينما هدم السادات كافة الأحزاب وخلق اضحوكة اسماها “المنابر” وعبر ذلك قوى تيار الدين السياسي المضاد للناصرية والعروبة بالمطلق.
وقام السادات بكسر الإصلاح الزراعي ليعيد للإقطاعيين اغتصاب الأرض، وأعاد مصر من الصداقة مع السوفييت إلى حضن الإمبريالية الأمريكية واسس لإعادة إفقار مصر بدل تصنيعها. هل كان أحد ليتصور أنه بعد ناصر يأتي رئيس يقول” 99 في المئة من الأوراق بيد أمريكا”! ويسمونه الرئيس المؤمن!
وبالمناسبة، فإن دور السادات المضاد للتحرر والوطنية المصرية والعروبة وإصراره على ارتكاب خيانة بكامب ديفيد قد خلق مجداً لكيسنجر لا يستحقه الأخير حيث بدا كيسنجر “عبقري” سياسة دولية مع أن الحقيقة أن السادات كان جاهزا لارتكاب أفظع خيانة.
وللمقارنة ايضاً، فإن إبن أحد القياديين الكبار في الثورة الصينية والذي كان قد حوكم في فترة ماو وأرسل إلى مواقع إعادة التأهيل، لكن ابنه الفنان كان افضل من رسم لوحات تعظيم ماوتسي تونغ حتى بعد رحيل ماو!
بينما الرئيس السابق لمصر محمد مرسي هو إبن أحد الفلاحين الذين ملَّكهم ناصر الأرض وتعلم هو مجاناً على حساب الدولة، لكنه كان من تيار الدينسياسي الذي همَّه الأوحد إجتثاث التراث الناصري!
بقيت الصين موحدة، مع أن فيها 56 إثنية، ومتطورة ودولة عظمى رغم اختلاف القيادات. وكما يبدو فإن القيادة الحالية هي اقرب إلى الماوية من الآخرين.
بينما في مصر لا توجد سوى ديانتين عربيتين، هذا دون أن نتحدث عن تخليق الإمبريالية لمسألة النوبة..الخ، المهم ان التركيبة السكانية أبسط ألف مرة منها في الصين.
وللمقارنة ايضاً اسوق الواقعة التالية، فقد كانت الصين الماوية مؤيدة للعروبة ولم تعترف بالكيان الصهيوني قط وكانت صديقة لعبد الناصر حيث أن شو إن لاي كما نهرو في الهند وسوكارنو في إندونيسيا وتتيو في يوغسلافيا كانوا شركاء عبد الناصر في تشكيل كتلة عدم الإنحياز.
هل كان موقف الصين الماوية مع فلسطين نظراً لشيوعية ماو العميقة أم لأن مصر كانت دولة ذات وزن؟
بغض النظر عن السبب فإن جود دولة قوية وقيادة عظيمة تُرغم العدو والصديق على إحترام تلك الدولة وبالطبع الأمة.
لذا، فإن الصين بعد ماو ونظراً لانتصار الدولة القُطرية في الوطن العربي على الدولة العروبية القومية، فإن الصين قد احتقرت العرب ولم تعترض بالفيتو عام 1991 على العدوان الأمريكي ومعها 32 دولة ومنها دولا عربية ضد العراق مما قاد أخيرا إلى حالة لا عراق! فمن ذا الذي يعترض على العدوان الأمريكي الذي تشترك معه عدة جيوش عربية!
وطبعاً بالمقابل فقد رشت امريكا الصين بأن توقفت عن التحريض ضد الصين فيما يخص حقوق الإنسان أي بعد مشكلة ميدان تاينانمن 1989.
وهذا يعني أن الدول القوية تقايض بعضها بعضاً على حساب مصير أمم مبعثرة مفككة محكومة بأنظمة عدوة للشعب، هذا إلى جانب مثقفين وأحزاب ايدت الاحتلال الأمريكي بل وكانت سعيدة به!
قد يقول البعض أن النظام كان ديكتاتوراً، ولكن، كل من يشارك أي أجنبي في حربه على وطنه هو خائن بامتياز، وهذا ما يجب أن يفهمه الجيل الجديد كي لا يُصاب من إرث مريض.
في الأندلس، إختار الصاحب بن عبَّاد الهزيمة والأسر على يد خصومه العرب بدل أن يلجأ إلى الإسبان لحمايته.
بقي أن نشير إلى أن النمو الإقتصادي الصيني ايام ماو هو الذي اسس للنمو بعد ماو تسي تونغ باعتراف خصوم ماوتسي تونغ، بينما أن النمو الإقتصادي لمصر الناصرية وعدم وجود ديون عليها وتبرعها للأردن هي وسوريا والسعودية لتقديم المعونة بدل المعاهدة البريطانية ودخولها حرباً ضد الكيان 1967 وحرب الاستنزاف 1968-69 فإن مصر اليوم وبلا حروب هي جائعة هابطة، والأردن اليوم تحت الاحتلال الأمريكي وقاعدة للناتو! هذه هي الدولة القُطرية.