هل يمكن زرع الإحباط في نفوس الفلسطينيين؟!

بقلم: رشاد أبو شاور

استيقظ الفلسطينيون مع فجر 7تشرين أوّل على انفجار هائل رجّ كل ما حولهم، ولم يطل وجومهم طويلاً بعد مرور 30 سنة على مشهد الاحتفال بالتوقيع في حدائق البيت الأبيض، الذي لم يتحقق لهم فيه شئ من الحقوق المأمولة التي داعبت نفوسهم ووعدتهم بدولة فلسطينية، وبسلام مشرّف وصف بأنه سلام الشجعان..من هم أولئك الشجعان، وأين تجلّت شجاعتهم، وما هي تلك الشجاعة؟!.
في مشهد احتفالية البيت الأبيض الهوليووديّة مدّ الرئيس الفلسطيني أبوعمّار يده وثبّتها أمام الجنرال رابين مُكسّر عظام الفلسطينيين فتردد رابين لوهلة وبدا متبرما ومتوترا _علمنا فيما بعد أنه اشترط أن لا يصافح عرفات أثناء احتفالية البيت الأبيض_ ثم بعد المصافحة الاضطرارية برم رابين بدنه وهمس لبيرس كما روى بعض الحضور من الفلسطينيين بأنه قال له ساخرا وشامتا ومُدينا: الآن جاء دورك..ولم يتردد بيرس في المصافحة فهو لم يكن في أي يوم جنرالاً ورئيس أركان ووزيرا للدفاع كرابين..فهو فقط أشرف على صفقة المفاعل النووي الفرنسي الذي قدمته فرنسا للكيان الصهيوني، والذي فرّخ مئات القنابل الذريّة، والتي ذكرنا بها بعض قادة الكيان الذين دعوا لإبادة قطاع غزة بالقنبلة الذرية لإبادة المليونين ونصف المليون فلسطيني، وبهذا تتحقق أمنية رابين الذي أعلنها مرارا بأنه يتمنى لو يستيقظ فيجد أن القطاع قد ابتلعه البحر..طبعا بكّل فلسطينييه!.
30سنة مضت على يوم البيت الأبيض، يوم سلام الشجعان، يوم المصافحة الاضطرارية، لم يحصل فيها الفلسطينيون على دولة بمساحة 22% يعني خمس مساحة فلسطين، فشريك السلام بجداره العازل التهم مساحة هائلة وهو يزحف متعرجا ملتهما المزيد من الأرض الموعودة لدولة للفلسطينيين، وتمّ تدمير المطار في غزة، والميناء غير الثابت الأساسات، وزعزعت المؤسسات التي بنيت لتكون مؤسسات للدولة الموعودة…
في ( الضفة الغربية) مزّقت الحواجز المسماة ب( المحاسيم) الطرق والشوارع وحولت الضفّة إلى أشلاء، ناهيك عن الإذلال وامتهان الكرامة، وتبديد وقت الناس، والقتل والاغتيالات وزّج المئات في سجون الاحتلال رجالاً وأطفالاً ونساءً، وسجن المئات بدون توجيه تهم وتمديد فترات السجن بدون مبررات.
كل ممارسات الاحتلال كانت تعني: لا دولة فلسطينية، تقليص مساحة الأرض حول المدن، ومصادرتها بين القرى، وشفط المياه بمضخات ضخمة من شرقي الضفّة حيث تتراكم كميات هائلة بسبب ميلان الضفة، وهكذا قُننت كميات المياه للضفة و..ماتت أشجار حقولها فتوجه كثيرون للعمل لدى الاحتلال واضعين خبراتهم في خدمة تطوير زراعته، و..في وظائف في مؤسسات السلطة هي عبارة عن بطالة تشغل شبابا كثيرين في التسابق على تلك الوظائف البائسة التي لا تراكم خبرات، ولا ترسّخ عمل المؤسسات مجتمعيّا، بل تنشر روح الاتكال والتنافس غير المجدي.
كل هذا وأكثر منه دوّخ مجتمعنا واستنزفه وبدد وقته وكان مخططا له من الكيان الصهيوني المتحكم بكل شئ، من بطاقة الإقامة إلى العبور من الجسر حيث يقرر الاحتلال المرور ويمنعه بحسب مشيئته، ناهيك عن هدم البناء على أرضك لتزويج الأبناء والبنات وتأسيس الأسر الشّابة..وتتهدد الجرافات الأبنية وتهدمها..فأين هي السيادة؟!.
وفوق هذا وذاك يضع الاستيطان بحجج لها أول وليس لها آخر اليد ومصادرة أي مساحة من الأرض..ولا يغيب إرهابه اليومي، وتتواصل اغتيالاته باستهتار وقتل يوصف بأنه (بدم بارد)..أي بلامبالاة..فما العمل مع هذا العدو الذي يشن حربا استنزافية مبرمجة على شعبنا الفلسطيني ويغلق عليه أي باب للأمل بالخلاص، ويمعن في تيئيس شعبنا وقهره وإحباطه. وهكذا تكرّس عجز السلطة ولم تعد قادرة على فعل شئ يبعث الأمل في نفوس محبطة..وفي مأزق خانق لشعب كله سجين؟!.
الجكام العرب بأغلبيتهم مرتاحون للمأزق الفلسطيني رغم المبادرة العربية التي تم تبنيها في مؤتمر قمة بيروت عام 2002..والتي موتت وتمّ تجاوزها بالتهافت على التطبيع، وتسابق دويلات النفط على التطبيع، وأمريكا (الوسيط النزيه) تدفع حكام تلك الدويلات للتطبيع، وكانت السعودية على وشك الانخراط في التطبيع رغم مبادرتها التضليلية غير ذات القيمة والتي لم يترتب عليها أي فعل حقيقي يدعم شعب فلسطين والقضية الفلسطينية..وفضحت طوفان الأقصى صفقة التطبيع السعودية ( الإسرائيلية) قبل التاوقيع عليها فطويت صفحتها مؤقتا اضطراريّا!.
الداعي لهذا التذكير ببعض جوانب الخسارات التي سببها سلام الشجعان، وتصديق الوعود الأمريكية وكأن أمريكا (محايدة) ووسيط نزيه وليست هي و( إسرائيل) حلف راسخ واحد معركته واحدة ومصيره واحد وأهدافه واحدة..والتنازلات لا تجدي معه، فكلما أخذ الكيان الصهيوني والأمريكي فإنه يطمع أكثر، ولا يتراجع إلاّ عندما يخسر خسارات تخيفه وتشعره بأنه أمام قوة لا تساوم على حقّها.
إلى متى كان على شعبنا أن ينتظر؟ حتى يقتحم الاحتلال بيوت الفلسطينيين ويطردهم منها، ويستكمل مصادرة حقولهم، ويقتلع أشجارهم ويصحّر حياتهم ويضطرهم للعمل في خدمته، أو الرحيل في ترانسفير اضطراري؟.
هل ينتظر شعبنا بذّل إلى أن تمتلئ سجون الاحتلال بالمقاومين والمقاومات والأطفال الفلسطينيين لتدميرهم نفسيا، وشّل قدرتهم عن الفعل نهائيّا؟!.
أم على شعبنا أن يُدفع للرحيل اضطرار من وطنه بسبب الحصار على قطاع غزة، والمدن الفلسطينية، وتصحير الحياة في الضفة التي يراد لها أن تصير بلا أدنى إمكانية على الحياة؟.
كيف يمكن استرداد مكانة القضية الفلسطينية وحضورها فلسطينيّا وعربيّاً وعالميا؟!
هذا هو السؤال الذي كان يلح على عقل وضمير كل فلسطيني وهو يرى ما آلت إليه القضية الفلسطينية، وما ارتاحت له أميركا بكل إداراتها والكيان الصهيوني وأنظمة التطبيع البائعة التابعة المتآمرة..وهو ما عمل جميع أعداء الشعب الفلسطيني على تكريسه.
وعلى هذا السؤال جاء فجر 7 تشرين أوّل.إنه طوفان الغضب الفلسطيني.
هناك من يسربون أسئلة مثل: ألم تفكّر حماس بما سيحدث من دمار وقتل للألوف من شعبنا؟!.
و..لكنهم يحرفون السؤال عن سياقه: من الذين يقترفون القتل والتمير يا من تسألون؟ أليسوا هم الذين يواصلون القتل والتدمير منذ ما قبل 1948، وبالقتل والتدمير والدعم البريطاني والأمريكي؟!
هذا السؤال يعني: كان عليكم أن تواصلوا الصمت والتعايش مع الذل والإضمحلال كفلسطينيين حتى التلاشي والإندثار..وبلاش عنف ومقاومة تؤدي لقتل المزيد من شعبنا!.
أميركا والكيان الصهيوني هما القوتان المجرمتان اللتان تدمران قطاع غزة، وأمريكا هي التي تزوّد الكيان بقنابل تزن واحدتها 400باوند وأكثر..فهل أميركا وسيط نزيه ومن الساذج الذي يراهن على نزاهتها؟ّ!.
إنه قطعا مُضلّل ومنتفع ولا مصلحة له في المقاومة.
الحكام العرب المتفرجون هم ورثاء لحكام عرب تحتل أمريكا بقواعدها بلادهم برضاهم، وهؤلاء خيارهم واحد: رضى أمريكا وحمايتها لحكمهم..وبعضهم من اقترحوا إدخال( إسرائيل) في ( جامعة دولهم العربية) ..وهم أنفسهم من علّقوا عضوية سورية في تلك الجامعة التي لا صلة لها بالعروبة.
منذ عشرة أشهر يقاتل شعب فلسطين المقاوم ببطولة تبهر العالم، فتستعيد فلسطين اسمها وعنوانها وتلهم الملايين شعار: فلسطين من النهر للبحر..ويدوي الهتاف بجوار البيت الأبيض في واشنطن..وينسحب بايدن مهزوماً عن ترشيح نفسه رغم تصهينه وكل ما زوّد به الكيان الصهيوني من أسلحة التدمير وقتل الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.. ألا تعني نهاية بايدن أنها عقاب له على دوره الإجرامي في قتل ألوف الفلسطينيين وتدمير قطاع غزّة؟! (مع عدم تناسي أنه مهكع، وشبه مخرفن، وتجسّد حالته نهاية أميركا الآتية لا محالة، فالإمبراطورية تلفظ أنفاسها). الفلسطينيون ليسوا وحدهم فمعهم حزب الله الذي قيّد قدرة الكيان الصهيوني وجعله يصاب بالرعب من هول ما ينتظره مما يمتلكه حزب الله من أسلحة متطورة، ومن قدرات عسكرية جبارة، ومما توعّد سماحة السيّد به مخاطبا قادة الكيان: إذا هاجمتم الجنوب فلن تعود لديكم دبابات نهائيّاً.
والفلسطينيون معهم اليمن الذي ضرب قلب تل ابيب بالمسيّرة (يافا)، ويتوعد بضرب الكيان بمسيرات وصواريخ تمضي على مسار طائرة يافا..ناهيك عن صواريخ المقاومة الإسلامية في العراق.
الأسئلة التشكيكية، أو الساذجة،لا توجه لمقاومة الشعب الفلسطيني، وفصائله المنخرطة كلها في المعركة من حماس إلى الجهاد إلى أبوعلي إلى كتائب الأقصى إلى الألوية إلى ..أسئلة غير بريئة، وهي تهدف إلى التشكيك، وتصب في خدمة تبرأة جرائم العدو الصهيوني وراعيته أميركا و..عرب التطبيع المتواطئين..أي تبرئة كل أعداء فلسطين وملايين العرب الرافضين لتآمر حكامهم.
في هذه الحرب الخيار الوحيد لفلسطين وشعبها ومقاومتها وكل المقاومة العربية التي تواجه الكيان الصهيوني وراعيته أمريكا والمجرمة بريطانيا هو الانتصار التام والتاريخي فلقد جرب تحمل شعبنا 30 سنة من الكذب والخداع الأمريكي والصهيوني..وضياع تلك السنوات لن يتكرر، والجيد أن عدونا يعلن أننا لسنا شعبا، ويصوّت على عدم منح الفلسطينيين دولة، وهو كيان يقوده بلطجيون وزعران وقتلة ترعاهم أمهم أميركا..والأسئلة المنافقة التضليلية لن تحبط شعبنا وملايين أمتنا، ولن تهّز المقاومة الفلسطينيّة العربيّة، وفلسطين العربيّة ستنتصر من النهر إلى البحر..فهذا زمنها وهو يعني أفول زمن الأكاذيب الصهيونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى