ثورة 23 يوليو.. كفاح أمة وإرادة شعب
بقلم: عبد الهادي الراجح
الحديث والكتابة عن ثورة 23 يوليو المجيدة في هذه الظروف التي يعجز القلم عن وصفها، ليست رفاهية فكرية ولا كلاما خارج النص .. ذلك لانها ثورة غيرت مجرى التاريخ في المنطقة وساهمت في تغيرات كبيرة في ثلاث قارات نامية، صحيح أنها توقفت برحيل قائدها ومؤسسها الزعيم جمال عبد الناصر، ولكن هل هذا يعني إن الثورة أصبحت من الماضي في روزنامة التاريخ، فالحقائق تؤكد ان كل الثورات في التاريخ الإنساني تراجعت لأسباب ما ، لكن كل ثورة دعمها الشعب وأحدثت تغييراً هائلاً تراجعت ولكن لن تمت، فالأهداف الوطنية النبيلة لكل ثورة تبقى هي المقياس في استمرارها او الخروج من التاريخ بحيث تبقى مجرد تغيير اشخاص لا أكثر .
ثورة 23 يوليو وبحقائق التاريخ ساهمت في تغيير وجه المنطقة، ورغم قوة النفوذ الاستعماري وذيوله وعملائه في المنطقة الا انها ساهمت في دعم كل حركات التحرر الوطني، وامتد تأثيرها للقارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وحتى الثوار الذين جاؤوا بعد رحيل جمال عبدالناصر ظلوا اوفياء لثورة 23 يوليو، ومثالهم الزعيم نيلسون مانديلا الذي حين زار القاهرة في تسعينيات القرن الماضي قال: هذا اللقاء تأخر أكثر من ربع قرن وقد كنت هناك على حافة النهر أقف على أصابع قدمي لكي يراني عبد الناصر، وكنت أتمنى أن أراه ولكن إرادة القدر شاءت غير ذلك.. واستطرد نيلسون مانديلا قائلاً: سوف أزور ثلاثة أماكن في مصر هي الأهرامات ونهر النيل وضريح الزعيم جمال عبد الناصر .
وفي القرن الواحد والعشرين هذا الزعيم الفنزويلي الراحل هوغو شافيز يقول بصوت عال عبر قناة الجزيرة القطرية، بأنه ناصري ويفتخر بالناصرية، ليأتي اليوم مثقفو البترودولار ليقولوا لنا حكم العسكر عن ثورة 23 يوليو، وبعضهم خاصة من مثقفي كل العصور لا زالوا يومياً يهاجموا الزعيم جمال عبد الناصر قائد الثورة ومؤسسها، وأغلبهم لولا جمال عبد الناصر وإنجازات الثورة ومنها مجانية التعليم لكانوا اليوم مجرد حراس أو بوابين على عمارات أسيادهم.
لقد ساهمت 23 يوليو في تغيير وجه المنطقة وحتى العالم، وهذا الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون يقول : يبدو أن في العالم اليوم ثلاث قوى عظمى أمريكا والاتحاد السوفيتي وجمال عبد الناصر ، وحتى بعد نكسة الخامس من حزيران يونيو الأليمة بثلاث أعوام وقبل رحيل جمال عبد الناصر كانت أمريكا تريد إجراء مناورات عسكرية مع الكيان الصهيوني وبعض حلفائها ، وعندما وصل إليهم خبر رحيل جمال عبد الناصر ألغى الرئيس نيكسون المناورة وقال: الآن لا داعي لها.
ثورة 23 يوليو ستبقى نقطة مضيئة في تاريخ الأمة العربية ومصر بشكل خاص، وستبقى مبادئها الستة الحافز والمشجع على استرداد روح الثورة، ولاسيما انها أول ثورة عربية ليم تكن مدعومة من الخارج ولا يقودها لورانس آخر.
وعليه، ورغم عقود من سرقتها بفعل انقلاب 15 أيار مايو عام 1971 الذي قاده انور الساداتي بدعم من المخابرات الأمريكية والمال الخليجي المشبوه بلا حدود، ستبقى ثورة يوليو ناقوساً يدق بقوة داعياً للوحدة والحرية والكرامة والاشتراكية ذات الوجه الإنساني ، ولذلك تنشط الأقلام المشبوهة الممولة لتشويه هذه الذكرى الخالدة خدمة للإمبريالية والصهيونية في إزالة كل ما يتعلق باسم جمال عبد الناصر من المشهد، والعمل بعد ذلك بكل السبل حتى لا يظهر جمال عبد الناصر آخر وفق تعبير السيناتور الأمريكي جون ماكين.. ومنذ ذلك الانقلاب المشؤوم ونحن نعيش عصر الثورة المضادة التي قادتنا لكامب ديفيد وملحقاتها حتى وصل الأمر أن نرى فلسطين وغزة تحديداً تُباد بينما الأمة العربية في أسوأ حالات العجز بل والتآمر من بعض الأنظمة المسماة (محافظة)التي لولاها ما وجدت اسرائيل، وفق تعبير الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ولكن رغم كل شيء الثورة ستبقى ثورة 23 يوليو ناقوسا يدق ونبراسا ينير على مدى الاجيال، وستعود وستنتصر ذات يوم لأنها ببساطة مثلت إرادة الأمة بقيادة مصر، ولأنها ببساطة وضعت مصر الدولة الأكبر والأهم في مكانها الطبيعي كدولة مركزية وقيادية وليس دولة وظيفية مأجورة لدى أمريكا والصهاينة وعرب الدشاديش.
لذلك نقول ان الثورة تراجعت ولكن سيأتي من يجعلها تكمل طريقها نحو الحرية والوحدة والاشتراكية، وستعود مصر لدورها القيادي ودورها سيعود إليها.. فهذه هي روح الثورة وضميرها ومصدر رهاننا على عودتها او ما يشابهها.
وفي هذه المناسبة الغالية بذكرى مرور 72 عاما على انطلاقة ثورة يوليو المجيدة، نبارك لمصر الشعب وكل احرار أمتنا العربية هذه الذكرى العطرة، ونترحم على فرسان ثورة 23 يوليو وفي طليعتهم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.
أخيرا نقول: الأمم العريقة مثل امتنا العربية قد تضعف او تهون ولكنها لا تموت، وها قد جاءت ملحمة 7 اكتوبر الفلسطينية، وبلون ثوري وجهادي آخر، لتثبت أن العرب أمة لن تموت، بل ستنهض وتتوحد وتتبوأ مكانا ومكانة مرموقين تحت الشمس، رغم أنوف الحاقدين.. ولا نامت أعين الجبناء.