التخلى عن غزة خروج عن العقيدة
بقلم: مجدى أحمد حسين*
دخلنا الشهر العاشر فى ملحمة غزة .. شعب غزة يواجه وحشية الاعداء باللحم الحى للنساء والأطفال .. أى لا يجعلون ذلك سببا للاستسلام بل يكبدون العدو خسائر كبيرة فى الأرواح والمعدات والمعنويات .
الخسائر فى الأرواح أقل من نسبة 10 – 1 وهى نسبة مقبولة فى مفهوم حركات التحرر الوطنى كما حددها رمز المقاومة الشعبية الفيتنامى هوشى منه . هم يتحدثون عن نقص فى الأفراد بنسبة 40 ألف بين قتيل ومصاب خرج من الخدمة ، فإن خسائرنا فى غزة قرابة 200 ألف . وهى نسبة أقل لاتزال من نسبة 1 – 10 .
الفارق المروع يبدو فى حالة التدمير الشامل لقطاع غزفى المبانى والبنى التحتية بصورة إجرامية .
على مستوى المعدات ظهر أخيرا رقم رسمى يتحدث عن تدمير 2358 دبابة . وهذا الرقم يمثل 61 % من القوة المدرعة .
فى المقابل نجد المقاومة الفلسطينية لا تزال تحتفظ بقواها العسكرية من حيث العدد والعتاد .. من خلال تجنيد آلاف جدد من شباب غزة واستمرار التصنيع الحربى مع استخدام فاقد الجيش المهاجم من الذخائر التى لم تنفجر .. وهى تمثل بين 10 و15 % من القنابل والذخائر الملقاة على غ ..زة .
فى مجال المعنويات نرى الصمود الأسطورى للشعب الفلسطينى مقابل حالة الانهيار المعنوى الاسرائيلى والذى يمكن تلمسه ببساطة من الاعلام الاسرائيلى .. مظاهرات تطالب بإنهاء الحرب والتفاوض – انقسامات سياسية وشعبية – تزايد الهجرة العكسية -تزايد الحديث عن انهيار اسرائيل – تزايد الشكوى من النزوح وارتفاع الاسعار – إفلاس 46 ألف شركة – افلاس ميناء إيلات .
فى المقابل نأخذ فى الاعتبار مع حملة التدمير الشامل لغزة الاستخدام المتزايد لسلاح التجويع والقتل بمنع الدواء والعلاج .. وهنا يأتى الدور الأساسى لمصر أولا بحكم الجوار المباشر الوحيد ، وكيف تخلت عن سيادتها على معبر رفح فكان دخول المساعدات منه بتعليمات ورقابة اسرائيلية كاملة وهو ما مهد الأرض للاستيلاء الفعلى على معبر رفح . ومصر الرسمية تقول أنها لا تتعامل مع اسرائيل من معبر رفح ، وتم تصوير ذلك وكأنه عمل بطولى ، ولكن النتيجة أن 60 يوما قد مرت على إغلاق المعبر ووقف المساعدات . ولكن فى المقابل توافق مصر الرسمية على إدخال مساعدات شحيحة عبر معبر كرم أبو سالم الاسرائيلى ، واسرائيل تتحكم فى معدلات الدخول كما تريد حتى لتدخل 5 أو 10 شاحنات فى اليوم . وهكذا فإن المجاعة تظل زاحفة وتحصد عشرات الأطفال وضعاف الصحة كل يوم . ولو فرضت مصر إرادتها على معبر رفح من أول يوم ، كانت التكلفة ستكون أكبر على اسرائيل إذا هى بدأت بالعدوان للاستيلاء على المعبر لأنه كان سيكون إعلان الحرب على مصر .
هذه تفاصيل فالارادة غير موجودة إلا على تقديس العلاقات مع اسرائيل باعتبارها من أهم ثوابت سياسة مصر الخارجية حتى وإن أبادت أكثر من 2 مليون انسان عربى مسلم فى غزة على حدود مصر أكبر وأهم دولة عربية ، صاحبة التاريخ المديد والكبير فى الدفاع عن نفسها وعن أمتها .
وحديثى موجه للشعب أساسا بعد أن فقدت أملى فى الحكام بعد 10 شهور ..
على كل مصرى أن يسأل نفسه ماذا قدم ويقدم لغزة ، فهى فى رقبتنا جميعا .. ولابد أن يفعل شيئا يدرء به عن نفسه العذاب فى الدنيا والآخرة إن هو تخلى عنها . لقد أنجزتم إنجازا رائعا فى المقاطعة الشعبية الأنجح فى تاريخنا ضد البضائع الامريكية والغربية ، ولكن يثبت مع الأيام أنها غير كافية لوقف حمام الدماء المستمر يوميا ، ولكن المقاطعة عمل رائع ونريد أن نبنى عليه فى أكثر من معركة غزة حتى وإن انتهت ، نبنى عليه تطوير معركة الاستقلال الاقتصادى ، وتشجيع الصناعة المصرية ثم العربية ثم الاسلامية ثم الآسيوية والافريقية واللاتينية فى حالة غياب المصرية .
لقد كانت هناك فى البداية خطوات خجولة .. وقفات محدودة مثل سلم النقابة ، وحتى هذه توقفت .. والخوف من العواقب غير مقبول أمام ضمائرنا وكرامتنا واحترامنا لأنفسنا والتزامنا بديننا .. حتى مقاومة ” جريمة رفع العلم الفلسطينى وارتداء الكوفيه الفلسطينية استسلمنا فيها بسهولة . هل تتقون السجن ؟ ولكن أليس من الأولى أن تتقوا الله وأن تتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة . الدنيا لحظات محدودة لذلك سماها الله سبحانه وتعالى ” “ اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم ” أما الحياة الآخرة فهى خالدة أى لانهائية . “ وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور .
لست أدرى هل تقرأوا القرآن ؟ طبعا أغلبية المسلمين يفعلون ذلك . ولكن ما معنى القراءة بدون تدبر ؟ ما معنى قراءة قصة اصحاب الأخدود . “ أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ” إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم “
من فيكم قرأ سورة الممتحنة وماذا فهم منها ؟ وهل هذا من كتب التاريخ أم توجيه الهى دائم إلى يوم الدين :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ
إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ
لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
وفيما بعد يضع القرآن دستورا كاملا لعلاقة المسلمين مع غير المسلمين داخل وخارج الأوطان :
لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون
والاية الاخيرة تأمرنا بعدم موالاة أى بعدم التعاون والصداقة مع الذين يقاتلون المسلمين ويخرجونهم من ديارهم أو الذين يتعاونون مع : الأعداء ويساعدونهم على الإخراج وهم هنا : أمريكا وبريطانيا وألمانيا وإن كان الأمريكان والانجليز يشاركون فى القتال مباشرة بضرب النار والاستطلاع التجسسى..
نحن نخالف أمر الله صراحة ونتمسك بالصداقة باسرائيل وأمريكا وبريطانيا وألمانيا ونمد اسرائيل باحتياجاتها من المواد الغذائية ونستورد منها الغاز ، ونمتنع عن مد أهلنا فى غزة بالمواد الغذائية . ونبنى أسوارا محكمة حتى لا ينزحوا إلى مصر . ويموتوا فى صمت خارج أراضى مصر وفقا لحدود كامب ديفيد .
حتى إن كنا عاجزين عن مدهم بالسلاح أو القتال معهم – وهذا غير واقعى وغير صحيح – فعلى الأقل نمتنع عن التعاون والصداقة وطلب المعونة والمال من الأعداء .
*باحث إسلامي وكاتب مصري