أيها العرب.. انتبهوا للعدوانية الإسرائيلية
بقلم: عماد الدين حسين
كل يوم يتضح للجميع خطورة الفكر الحاكم فى إسرائيل، على المنطقة بأسرها.
لسنوات طويلة وخصوصا بعد معاهدة كامب ديفيد ١٩٧٨، ثم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام ١٩٧٩، واتفاقيات أوسلو ١٩٩٣ صدَّق بعض العرب حقا أو توهما أو تورطا أنه يمكن العيش والتعايش مع إسرائيل باعتبارها تريد السلام حقا إلى أن جاء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر الماضى وحتى الآن ليكشف للجميع الوجه الحقيقى لإسرائيل، من دون أى رتوش أو مساحيق تجميلية.
بعض الحكومات والمؤسسات والأفكار والأفراد فى العالم العربى رفعوا شعار «نحن أولا»، للتدليل على ضرورة النأى بالنفس بعيدا عن الصراع مع إسرائيل. هؤلاء اعتقدوا بحسن نية أن إسرائيل تريد السلام فعلا، أو أن الصراع انتهى، أو أن على الفلسطينيين تدبر أمرهم بأنفسهم.
هذا النوع من التفكير اعتقد وصدق أن هذه السياسة ستكون فى مصلحة بلده اقتصاديا وسياسيا، وأنه وبعد عقود من الانغماس والانهماك فى القضية الفلسطينية، فقد حان الوقت للتفرغ للهموم والمشاكل والتحديات الوطنية لكل دولة على حدة.
وإذا كان العدوان الوحشى على قطاع غزة قد دمر القطاع وقتل أكثر من 38 ألفا وأصاب أكثر من 88 ألفا، وشرد نحو ٢ مليون فلسطينى بعد أن دمر بيوتهم ومؤسساتهم، لكن رغم كل ذلك كان له بعض الفوائد، ومنها أنه كشف بصورة لا تقبل الشك أو اللبس أو الجدل أو التدليس حقيقة النوايا الإسرائيلية.
وإذا كان الرئيس الأمريكى جو بايدن أكبر داعم لإسرائيل بصورة عملية منذ زرعها عنوة فى المنطقة عام ١٩٤٨، قد شكا أكثر من مرة من الفكر المتطرف الذى يسيطر على النظام الحاكم فى إسرائيل، وطالب نتنياهو عبثا بأن يغير سياسته المتطرفة. إذا كان الأمر كذلك، فالمؤكد أنه يصعب على أى عربى أو فلسطينى الرهان على إمكانية التعايش السلمى مع مثل هذا الكيان الإرهابى.
الفلسطينيون دفعوا الثمن الأكبر وما يزالون يدفعون، وقبلوا بكل صيغ التدهئة لإنهاء العدوان، بل إنهم قبلوا معظم ما كانوا يرفضونه خصوصا ضرورة وقف النار تماما والانسحاب الإسرائيلى الفورى بمجرد توقيع اتفاق الهدنة. وهى الاتفاقات التى ساهمت فى التوصل إليها الولايات المتحدة عبر مدير مخابراتها وليام بيرنز خلال مفاوضات القاهرة والدوحة. لكن أظن أنه يتبين للجميع الآن أن نتنياهو يتملص من كل شىء، بما فيها المقترحات التى سبق له أن وافق عليها.
سيقول بعض دعاة التطبيع، ولكن إسرائيل ليست كلها نتنياهو وسموتيرتش وبن غفير. وهذا القول صحيح، فهناك أحزاب وقوى سياسية إسرائيلية ترفض سياسات نتنياهو، لكن غالبيتها العظمى ترفض أيضا الدولة الفلسطينية المستقلة، وغالبيتها تؤيد الاستيطان الوحشى والسرطانى فى الضفة الغربية، وكلها ترفض الانسحاب إلى حدود يونيو ١٩٦٧ خصوصا من القدس.
قد يقول قائل: علينا أن نترك الفلسطينيين يقاتلون بمفردهم ونتفرغ لحالنا ومصالحنا وهمومنا، وكفانا ما عانيناه بسبب القضية الفلسطينية.
هذا الكلام كان يبدو للبعض منطقيا إلى حد ما قبل ٧ أكتوبر، لكن كل التصرفات والسياسات والبيانات الإسرائيلية صارت واضحة، فهى تريد السيطرة على كامل المنطقة العربية، وإقامة «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات، مستغلة الدعم الأمريكى المكشوف وبعض الدعم من حكومات أوروبية مختلفة.
المتطرفون فى إسرائيل ليسوا أقلية، هم عمليا يحكمون معظم الفترات منذ عام ١٩٩٦ وحتى الآن باستثناء فترات قليلة.
هم يتعاملون مع الفلسطينيين باعتبارهم «حيوانات بشرية» كما تبجح بذلك وزير دفاعهم يوآف جالانت فى اليوم الأول للعدوان، وهم ينظرون «للعربى الجيد باعتباره العربى الميت».
السياسات الإسرائيلية على الأرض مدعومة بتأييد وتمويل سافر من الولايات المتحدة، وحينما تنتهى من تدمير غزة وإكمال تهويد الضفة سوف تلتفت لبقية العرب، ومن يقرأ صحفهم ويستمع إليهم يدرك ذلك بوضوح.
على البلدان العربية وانطلاقا من مصلحتها القطرية الوطنية الضيقة وليس حتى انطلاقا من واجبها القومى والعروبى، أن تنتبه لحقيقة العقلية الإسرائيلية شديدة التطرف والعدوانية.
على العرب جميعا أن يستيقظوا حتى لا يكرروا مأساة «أكلت يوم أكل الثور الأبيض».